مكثت فى المنزل نهار الثلاثاء في 25 يناير/ كانون الثاني، يوم بداية الثورة أتابع الأحداث. وعندما شعرت بأنّ الأمور مختلفة، وبأنّها تتطور إلى حدث جلل عظيم سيكون له شأن فى مستقبل البلاد، بخاصّة بعد اتصالات هاتفية معتادة من مراسلي الصحافة والفضائيات أدركت أنّه لا بدّ من الانتقال إلى غرفة عمليات لمتابعة التطورات على الأرض مع إخواني.بادرت بالاتصال بالدكتور محمد مرسي والدكتور محمود أبو زيد وتداعينا للحضور إلى المكتب ومعنا فريق عمل من الموظفين. وصلت إلى المكتب قبيل صلاة المغرب، وأديت الصلاة في المسجد وتوافد الإخوان وسهرنا ليلتنا نتابع الموقف ونرصد الأحداث ولم تتوقف الاتصالات. أدركنا قبيل منتصف الليل أنّنا أمام حدث سيغيّر التاريخ وسيكون له ما بعده. لقد نجح الشباب وفي القلب منهم شباب الإخوان في كسر حاجز الخوف من جديد، ولم ترهبهم جحافل الأمن ولا المطاردات. وكانت بؤرة الحدث في ميدان التحرير، الذي انتقل إليه المتظاهرون من أمام دار القضاء العالي. متظاهرون شاركوا النواب من جميع الاتجاهات في وقفتهم. وبدأت تطورات جديدة لم تقتصر على الوقفات الاحتجاجية التي كانت تقوم بها حركة كفاية أو الاحتجاجات العمالية والوظيفية المطلبية... إلخ. التطور الجديد كان المسيرات والتظاهرات كحق أصيل ينتزعه المصريون الآن، ثم الاعتصام المفتوح في الشوارع والميادين لتحقيق هدف محدد جاء الإلهام به من الشعب التونسي. هو الذي كان قد نجح قبل أيام في تحقيق هدفه العظيم بإسقاط نظام بن علي وطرد طاغية تونس الذي فرّ مذعوراً يبحث عن ملجأ يلوذ به في الدنيا، فذهب إلى «جدّة»، وبدأت مطاردة بقايا نظامه وعملية بناء نظام جديد في البلاد.
عدت إلى البيت في منتصف الليل وطلبت من زوجتي إعداد حقيبة السجن بملابس بيضاء والحاجات المعتادة لتلك الظروف، وجلست معها أفكر: هل أبيت في منزلي أم في الخارج، تحسباً للقبض المتوقع (الذي حدث بالفعل بعد 48 ساعة)؟ وكانت تلك المرة الأولى في حياتي التي أتحسب فيها لهذا الأمر، فغالباً ما كانت السكينة تنزل على نفسي وبيتي ونتهيأ دوماً لاعتقالات متكررة ومحاكمات متوقعة. لماذا؟
شعرت يومها بأنّ وجودي حراً طليقاً هذه المرة أمر ضروري جداً ولم يفارقني، أنا وبعض إخواني، هذا الشعور ونحن داخل السجن عندما بدأت جمعة الغضب. وكان البعض الآخر يقول: الإخوان في الخارج كثيرون ويستطيعون إدارة الموقف. بينما كنت أنا والدكتور محمد مرسي وآخرون نشعر بأنّ الإخوان يحتاجون في هذه اللحظات إلى كل جهد، وبأنّ موقعنا يجب أن يكون في الخارج. حسمت أمري وقررت المبيت خارج البيت، فإلى أين أذهب؟ بعد تفكير، أحسست أنّ المكان الأكثر أمناً هو المكتب، فقررت الذهاب إليه، وفوجئ العمال بحضوري على غير استعداد. وعندما تمددت على إحدى الكنبات في الصالة، أصر أحدهم على إحضار سرير خفيف وبطانية، وقضيت ليلتي هناك.
وفي الصباح عقدنا اجتماعاً لمكتب الإرشاد، قررنا إثره إصدار بيان يدعو الإخوان إلى المشاركة الفعالة في تظاهرات يوم «جمعة الغضب» (28/1/2011) بعدما صدرت 3 بيانات عن الإخوان تمهيداً لتظاهرات 25 يناير، كان الأول منها في 19/1/2011 تحت عنوان «الإخوان المسلمون والأحداث الجارية: انتفاضة تونس ومطالب الشعب المصري». والثاني كان رفضاً للتهديدات الأمنية الرامية إلى منع الإخوان من المشاركة في التظاهرة الأولى.
أعلن الإخوان فى بيان 19 يناير/ كانون الثاني تحليلاً سياسياً لثورة الشعب التونسي التي نجحت في التغيير. وقلنا فيه بوضوح شديد: «إنّ ما حدث ولا يزال يحدث في تونس الشقيقة يمثل حالة واقعية وعملية لما يعرفه أهل القانون والساسة، ويمثل الشرعية الشعبية التي هي فوق الشرعية الدستورية، وهو في نفس الوقت يمثل رسالة واضحة لا لبس فيها إلى كل الجهات فى الخارج والداخل: إلى الشعوب المقهورة والصابرة، إلى الحكام الظالمين والأنظمة الفاسدة المستبدة، وإلى القوى الكبرى الظالمة الباطشة بالقوة والجبروت».
وقلنا في هذا البيان «ولأنّنا ومن منطلق الواجب ـــــ نحرص على الاستقرار والسلم المجتمعي في كل الظروف والأحوال لأنّنا نؤمن بأنّ النضال الدستوري هو المسار الطبيعي لحركة المجتمع نحو الإصلاح المنشود في كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمجتمعية». كذلك طالبنا «النظام القائم (نظام مبارك) الذي يملك القدرة على هذا الإصلاح والتغيير إذا كانت لديه الإرادة والرغبة في ذلك»، وحذّرنا «إذا لم يتحرك هذا النظام وبسرعة نحو تحمل المسؤولية والأخذ بزمام المبادرة لبدء مسيرة إصلاح جاد، فإنّ كفة الاستقرار لن تدوم طويلاً».
ثم كانت المطالب العشرة:
أولاً: إلغاء حالة الطوارئ المفروضة على المصريين منذ ثلاثين عاماً، وبخاصّة أنّها لم تحقق الأمن ولم تمنع الجريمة طوال هذه السنين.
ثانياً: حل مجلس الشعب المزوّر بإصدار قرار جمهوري من رئيس الجمهورية وإجراء انتخابات حرة ونزيهة لتكوين مجلس جديد يعبّر عن إرادة الأمة ويحقق آمال المصريين وطموحاتهم وتحت إشراف قضائي كامل.
ثالثاً: إجراء تعديلات دستورية لازمة وسريعة للمواد 5، 76، 77، 88، و179 لضمان حرية الترشح وديموقراطية الاختيار في الانتخابات الرئاسية القادمة تحت الإشراف القضائي الكامل، وإلغاء التعارض الدستوري وتحقيق التوافق مع ثوابت وتاريخ وثقافة وحضارة هذا البلد العظيم.
رابعاً: العمل السريع والفعال على حل مشكلات المواطنين الحرجة كبداية لمسيرة إصلاح اقتصادي حقيقي يحقق العدالة الاجتماعية بتوفير السلع الضرورية والدواء خصوصاً، وإصلاح منظومة التعليم والصحة مع إمكان توافر الموازنات اللازمة لذلك، عبر: 1) فوائض الصناديق الخاصة التى تبلغ ميزانيتها أكثر من 1200 مليار جنيه ويتحكم فيها الفساد؛ 2) مخصصات الوزراء وكبار رجال الدولة؛ 3) وقف ضخ الغاز والبترول المصدر للصهاينة وإعادة النظر فى سعره وتصديره إلى دول أخرى؛ 4) إعادة النظر في أسعار الأراضى التي جرى تخصيصها لبعض رجال الأعمال وللفاسدين وسدنة النظام وهذه تقدر بمئات المليارات، وبيع ما لم يستخدم منها بالمزاد العلني لصالح الشعب.
خامساً: إعادة النظر وفوراً في السياسة الخارجية المصرية، وبخاصة بالنسبة إلى الصهاينة وضرورة قطع العلاقات معهم، مع دعم الجهاد الفلسطيني وعلى رأسه المقاومة الباسلة لتحرير أرض فلسطين أرض العروبة والإسلام، وإقامة الدولة الفلسطينية عليها وعاصمتها القدس.
سادساً: الإفراج والعفو العام عن جميع المعتقلين السياسيين وعن كل الذين صدرت في حقهم أحكام بالسجن من محاكم استثنائية غير مختصة بمحاكمة المدنيين كمحاكم أمن الدولة أو المحاكم العسكرية.
سابعاً: الاستجابة الفورية للمطالب الفئوية التي أعلنها ويطالب بها أصحابها منذ سنوات طويلة.
ثامناً: حرية تكوين الأحزاب السياسية بمجرد الإخطار وإلغاء القيود على إصدار الصحف وعلى كل وسائل الإعلام.
تاسعاً: محاكمة المفسدين الذين تضخمت ثرواتهم بصورة غير طبيعية خلال السنوات الماضية.
عاشراً: إعادة الحيوية إلى المجتمع الأهلي المصري، وإلغاء تدخل الجهات الأمنية في كل الشؤون الداخلية في الجامعات والمدارس والنقابات والأوقاف والجمعيات الأهلية والمنظمات الحقوقية.
هذا ما طالبنا به في 19/1/2011، وها نحن الآن وقد بدأ تحقق معظم هذه الأهداف على أرض الواقع، بل تحقق ما هو أعظم منها وأكبر.
وقد سبق اجتماع مكتب الإرشاد، إصدار هيئة المكتب يوم السبت الذي سبق التظاهرات بياناً نرد فيه على التهديدات الأمنية والتحذيرات التي وصلت إلى جميع مسؤولي المكاتب الإدارية. فرفضنا رفضاً قاطعاً تلك التهديدات وأوضحنا أنّنا نشارك في تظاهرة الثلاثاء ولن نمنع شبابنا ورجالنا من شرف المشاركة فى تلك الفعاليات والانتفاضة التي شاء الله لها أن تتحول إلى ثورة مباركة لكل شعب مصر.

* قيادي في جماعة الإخوان المسلمين