كتاب مفتوح إلى القذّافي
في هذه الظروف الدقيقة التي تمرّ بها ليبيا العزيزة، ولتعذّر وصول الكتابة إليك مباشرة، رأيت أن أتوجّه إليك بهذه الرسالة المفتوحة لأبيّن لك لماذا يريد قطاع كبير من الشعب الليبي، وهم على حق، إسقاط نظامك:
1ــ لعلّك تذكر عندما دعوتني إلى مقابلتك في ليبيا عام 1976، حين التقينا في «سرت» في خيمتك هناك، كنت صريحاً معك غاية الصراحة، التي ربّما صدمك بعض ما قلته لك خلالها، من أن المعطيات الموضوعية لليبيا لا تمكّنك من أن تؤدي الدور الذي أدّاه عبد الناصر في مصر لاختلاف المعطيات في كلّ منهما، وأنه لو كان عبد الناصر في ليبيا لما كان من الممكن أن يكون عبد الناصر الذي نعرفه في مصر. وقد أضفت لك، أن أقصى ما تستطيع أن تفعله هو أن تعمل من ليبيا نموذجاً عربياً ديموقراطياً وحدوياً يمكن أن «يشعّ» عربياً، وأن تكون ليبيا ملجأً قومياً بديلاً لكل المضطهدين والمقهورين العرب في بلدانهم.
2ــ لكن بدا لي في ما بعد أنك لم تقتنع بوجهة نظري تلك، بدليل مغامراتك المختلفة لأخذ أدوار عربية وأفريقية وعالمية، طموحاً منك إلى سلوك دور عبد الناصر في ذلك، واعتقدتَ أن ما لديك من أموال يمكن أن يساعدك في ذلك؛ فبعدما حاولت تقليد دور عبد الناصر عربياً وانتهت محاولاتك بالفشل، وزادت في تقسيم الشعوب العربية وحركات المقاومة فيها، أدرتَ ظهرك للعرب، واتجهت إلى أفريقيا لتوحيدها وأصبحتَ «ملك ملوك أفريقيا»، وانتهت هذه المغامرة بالفشل أيضاً في تحقيق وحدة أفريقيا، رغم كل الأموال التي بذلتها لهذا الغرض، ثم رجعت بعدها إلى العرب ثانية! كذلك انتهت مغامراتك عالمياً في دعم ثوار إيرلندا الشمالية وغيرها، وفي مأساة «لوكربي» إلى الفشل أيضاً، مقابل نزيف مالي كبير من أموال الشعب الليبي. وانتهت مغامراتك في اقتناء أسلحة دمار شامل كيمياوية ونووية إلى الفشل، ومن ثم تخلّيك عنها وتسليمها إلى من كنت تعتقد أن حيازتها كانت ستخيفهم، مع ضياع كل الأموال التي صرفتها من أموال الشعب الليبي لحيازتها.
3ــ وبالنسبة إلى النموذج الذي اقترحته عليك أثناء لقائنا، فقد تفتّق تفكيرك، بدلاً منه، عن «الكتاب الأخضر» نموذجاً لنظام عربي، وحتى «عالمي» جديد. وحاولت بكل جهدك ومالك تسويقه عربياً وأفريقياً، لكن بدون نجاح يُذكر، بعدما صرفت كثيراً من أموال الشعب الليبي، في الترويج له من خلال شراء ذمم بعض المثقفين العرب والأجانب. والمفارقة هنا أنك خرجت، أنتَ، في ممارساتك عن بعض ما جاء في هذا «الكتاب» كما كان ذلك مصير تنظيم «الملتقى الثوري الديموقراطي العربي» بما هو تنظيم عربي قومي، وانتهى الأمر بفشله، وأصبح إحدى المؤسسات التابعة مباشرة لنظامك.
4ــ ولكي تميّز نظامك، اتّبعت سياسة «خالف تُعرف»، فغيّرت ألقاب الوزراء والسفراء وأسماء الشهور وبدايات السنة الهجرية، واعتمدت حرسك من النساء، وغيرها من الشكليات، بما فيها ملبسك، إضافة إلى نصبك خيمة حيثما زرت بلداً، وكلّها تفاهات لا تميّز حكمك إلا بالسلبيات، بدل أن تميزه بإيجابيات من نحو حرية التعبير، والتنمية البشرية، والتوجّه العربي الصادق.
5ــ أما ادّعاؤك أنك «قائد للثورة»، ولست مسؤولاً، وأنّ المسؤولية هي للّجان الشعبية، فهو «كذبة كبيرة»، لأنك، ومنذ أكثر من أربعين سنة تسيطر على كل شيء في ليبيا.
6ــ كذلك لم تتردد في استعمال كل الوسائل، بما فيها الاغتيالات، للتخلص ممّن تعتقد أنهم خصومك؛ بمن فيهم بعض رفاقك في الثورة؛ وكان من بينهم الدكتور منصور الكيخيا، عضو مجلس أمناء مركز دراسات الوحدة العربية، الذي دبّرت لخطفه من القاهرة ثم تصفيته في ليبيا. والذي بسببه، رفضتُ دعوتين منك، من خلال سفيرك في بيروت، قبل قطع العلاقات، لزيارة ليبيا لمقابلتك. ولا ننسى اختفاء الإمام السيد موسى الصدر ورفيقيه أثناء زيارتهم ليبيا.
لقد انتهيت، وخلافاً لما تدّعيه، إلى نظام حكم عائلي، وبوليسي، ووصل بك الأمر إلى ممارسة «التجييف» بتعليق جثث الذين قتلتهم على أعمدة الكهرباء إلى أن يتفسّخوا ويتجيّفوا.
7ــ إن حصيلة حكمك لليبيا لأكثر من أربعين سنة، رغم وفرة مواردها النفطية، هي تدمير التنمية البشرية في ليبيا، والقضاء على دور ليبيا العربي الذي كان ملحوظاً قبل الثورة، وانتهت الثورة إلى نظام حكم عائلي فاسد وديكتاتوري بأبشع أشكال الديكتاتورية.
8ــ وأخيراً لم تستفد من تجربة تخلّي الرئيس بن علي والرئيس مبارك عن الحكم بعد ثورة شعبيهما عليهما، وتصرّ على استعمال العنف بأشكاله المختلفة البشعة لمقاومة الثورة، مع كل الضحايا البشرية والمادية التي يتكبدها الشعب الليبي، وأن تكون إماً قاتلاً أو مقتولاً، لكن الشعب الليبي سينتصر في النهاية، وسيزيل حكمك البشع، ولن تحصل إلّا على لعنة التاريخ.

د. خير الدين حسيب

■ ■ ■

المقاومة خطّ الدفاع الأبرز


إلى المستوزر السابق محمد عبد الحميد بيضون
المقاومة يا عزيزي تعني السلاح، والسلاح في عصرنا ليس زينة الرجال بل هو ملح الأوطان وموطن القوة فيها، وضرورة ملحّة لأي مقاومة أو أي حركة تحررية تنشأ في أي بلد لا تزال منذ عقود وعقود تنتهك أرضه وسماؤه وماؤه بكل استفزاز وبكل غطرسة ولا من مراجع ولا وازع. يعني أن بلدنا لا يزال تحت وطأة الاحتلال بكل أشكاله، وفي كل يوم يهدده العدو بالغزو والاجتياح والتدمير، فأي سلاح هذا الذي ستسلمه، ولمَن ستسلمه؟ ثم إن الجيش يحترم المقاومة وجمهورها والمؤمنين بنهجها، ودعم الجيش لها لأنه أصلاً منها وهي منه فهما صنوان متكاملان، ويحققان توازناً رابحاً للوطن وشعبه واستقراره، بل ويؤمّنان خط الدفاع الأبرز في أية مواجهة مستقبلاً، كذلك فإن المقاومة لم ولن تفكر يوماً بالحلول محل الجيش أو باستعارة دوره ومكانته على ربوع الوطن، وهذا بالطبع ما لا يريح الفريق الذي أنت منه.

فاطمة رضا منصور