رصاصة الغدر
انطلقت رصاصة الغدر لتشقّ طريقها بين الحشود الغفيرة التي تصرخ في وجه الظلم والقهر والاستبداد، لتستقر في قلب رجلٍ ثائر رافض لكل قانون جائر ظالم بحق الشعب، بل بحق الإنسان الذي كان يؤمن به وبقدراته وتضحياته وصدقه وشفافيته...
هذه الرصاصة التي لم تكن تعلم أنها أصابت قائداً مناضلاً كان يحبّ الرصاص ليصوّب إلى وجه الأعداء، والمغتصبين للحقوق، والمستعمرين والسالبين والمتآمرين... لو كانت تعلم هذه الرصاصة أنها بقتلها لهذا البطل العروبي ستكون شعلة انطلاقة الحرب الأهلية اللبنانية لخجلت من نفسها وتوقفت في منتصف الطريق وعادت من حيث انطلقت...
ولكنها انطلقت!
نعم، منذ ستة وثلاثين عاماً تآمرت مجموعة من الغدّارين القاتلين للحق ولمشروع الإنسان والأمة العربية الموحدة على الرجل العروبي والمناضل الثوري معروف سعد، فقتلوه برصاص مشروع وذي شرعية، وبأيدي رجل يفترض أن يكون الحامي والمدافع عن حقوق الإنسان...
كيف يستطيع إنسان أن يقتل رجلاً ثورياً مؤمناً بحركات التحرّر في العالم، وجاعلاً من صيدا قلعة للثورة الفلسطينية ومنارة للفكر القومي ومنبراً للنضال التقدّمي، ومدافعاً عن لبنان العروبي وعن سائر القضايا العربية، وناصراً لقضايا العمّال والكادحين والفئات الشعبية، ومحبّاً لصيدا بصدقٍ، ومؤمناً بشعبها الطيّب، والذي كان جاعلاً من صيدا همّه وشغله الشاغل؟
ولكنّ رصاصة الغدر انطلقت، وأدّت إلى استشهاد معروف سعد، واهتزّ باستشهاده الوطن...
ويوم تشييعه صرخت إحدى النساء بالفم الملآن «يا معروف مع السلامة، من بعدك رح تقوم القيامة». وبالفعل قامت القيامة بعد استشهاده، ودخلنا في حرب أهلية لبنانية طويلة دامت ثمانية عشر عاماً من القتل والدمار والتنكيل وحرق بعضنا بعضاً، كلٌّ منّا يرى أنّه يدافع عن لبنان من وجهة نظره، وأنه يبني لبنان على طريقته... انتهينا من هذه الحرب ولكن لا نعرف كيف!
اليوم معروف سعد جالسٌ في عليائه حاملاً بيده رصاصة الغدر، ينظر إلى حالنا، وإلى حال الأوضاع في الوطن العربي، وكلّه فرح وبهجة بما يحصل، لأنه مؤمن بالتغيير وبتطوّر الشعوب وبتحصيلها حقوقها وكرامتها... أكيد إنه يقول: «أتمنى أن تبقى وتكون ثورة الشعوب اليوم... ثورة الشعب الحقيقية...».

خليل إبراهيم المتبولي