إلى مهدي عامل
ككل عام، ننتظرك كما ينتظر الزرع المطر. ننتظر ابتسامتك التي تفتح الطريق أمام فكرك المتوهج إلى قلوب الكادحين وعقولهم. وننتظر محاججاتك الصارمة النافذة إلى أعماق الغلط لتقتلع منه جذور التمدد.
ننتظر جديدك الساعي إلى توطين الماركسية في بيئتنا العطشى إلى بوصلة الحقيقة التي تؤشر لقاطنيها نحو طريق قطع التبعية بالتحرر الوطني.
ننتظر الثوري الذي قرر الانحياز إلى الثورة. ننتظر مبدع الانحياز إلى المعرفة، ومبدّد الملل وكاشف عورات واقعنا والمبشّر بالأمل القادم كأنه قاب قوسين أو أدنى: «إذ أنت غير مهزوم، ما زلت تقاوم».
ننتظر الشاعر الذي جبل أفكاره بمشاعره وبطموحه ليحفز حزباً تربى فيه على امتشاق الجماهير لاقتحام مسرح التاريخ ـــــ مسرح السياسة الذي احتلته أحزاب طبقة مسخ ـــــ حوّلت الجماهير فيه إلى متفرجين مفعول بهم لتصبح الفعل والفاعل فتحقق نظرية الصراع الطبقي وتحل أزمة البديل الثوري التي أرقت لياليك بعدما شغلت كل نهاراتك.
لم يعلموا يا مهدي أنك أدركتنا باكراً وأعفيتنا من عبء الانتظار، فتركوا أسلحتك على رفوف المكتبات طعاماً للعثّ ومُفترَشاً للغبار. فكم هما محسودان، هذا العثّ وهذا الغبار! أهدروا كل الأسلحة التي شحذتها ليوم الثورة. وقع الخيار على بيت غريب عن الثوار والماركسيين اسمه الشرنقة حيث الحياة المنفردة والعزف المنفرد والرقص المنفرد بديلة من عرس الثورة العاجق بالراقصين والعازفين.
فجأة تذكرك التاريخ يا مهدي. استعاد صوتك في تونس ومصر وسوريا واليمن وكل بقاع العالم العربي، حتى في بيروت التي حكموا عليها زوراً بأنها مملكة «الطوائف» ومحمية بقايا الإقطاع المتنوّع المشارب.
لقد انفجرت أخيراً يا مهدي أزمة البورجوازية الكولونيالية، انفجرت أزمة سياسية.
ها هي الجماهير تقارع نقيضها على السلطة لإسقاط أنظمة الاستبداد والكولونيالية. والثورة المضادة تسير بموازاتها وخلفها، وأحياناً أمامها، متربصة ومتلهفة لتدخّل خارجي ينقذها.
لكن البديل الثوري كان يغطّ في سبات عميق، فقهقه التاريخ وسخر من الذين لا يرون في حركته إلا المآزق. وها هو يبعث من أعماقه بديلاً ثورياً جديداً يانعاً، يولد في الساحات والشوارع والخيم. ها هي نواة اليسار الجديد للقرن الحادي والعشرين تنمو وتزدهر خطوة خطوة، وإن ببطء، وإن كان الذئب يتتبع حركتها متربصاً.
ابتسم يا مهدي، فقد كنت على حق. ولذلك استعجلوا تغييبك. ونحن نبتسم لصدى صوتك الصادح في أرجائه من المحيط إلى الخليج.
مفيد قطيش

■ ■ ■

إنّه تلفزيون الواقع العربي!

تعليقاً على مقال «ولبنان»؟ لأنسي الحاج («الأخبار» 23/4/2011):
في 21 حزيران (يونيو) من عام 1969، التقيت الإمام المغيّب السيّد موسى الصدر على التلفاز. وكان محور الحديث التعايش بين اللبنانيين على اختلاف طوائفهم، قال: «سجّل لديك»... «إنّ الثقة المتبادلة لا تحصل إلا بالاحترام المتبادل. لازم أنت تحترمني وأنا أحترمك... لا أحتقر غيري وغيري يحتقرنا... لكن من الأسف هذه الحقيقة قد تشوَّه فتسمّي بالتسويات هذا الذي يسمّونه لا غالب ولا مغلوب في لبنان. وإذا كانت هي تسويات بالفعل، ففيها أخطاء؛ لأن التسوية عادة تكرّس الغَلَبة، ولكي يسكت الغالب يعطونه أكثر من المغلوب، وإنْ كان على ضلال، وهذا خطر». هذا الرجل أطلقها صرخة مدوّية قبل واحد وأربعين عاماً، محذراً من اعتمادها أسلوباً في التعاطي بين شركاء الوطن.
هذا واحد من الشعارات التي يزدهر موسمها في سوق التداول الوطني، لكن لا يقام لها وزن كنهج تعامل بين اللبنانيين على اختلاف انتماءاتهم الطائفية والسياسية والوطنية، وهو ينضمّ إلى باقة من الشعارات الخرقاء والجوفاء في المزاد وفي المزايدات.
وعندما نطرح القول أو المناداة بأن العقل هو الذي يجب أن يكون الحل، يقابلونك بالرد: بل الإسلام وحده هو الحل، وما عدا ذلك فهو ساقط.
العزيز أنسي، تقول: «لا نأسف ولا على نظام عربي. ولا واحد منها إلا نخره الفساد... وما نأسف عليه هو الزمن الذي مرّ قبل أن تتحرّك الشعوب، وما نتخوّف منه هو المبيت لاصطياد هذه الفسحة من الانقضاض ولاصطياد المنطقة».
تعقيب: ونحن نعايش الثورات والانتفاضات والصحوات، نشعر بالنشوة، نشوة التغيير من الماضي المقيت. لقد نجح شباب الساحات والميادين في فرض شرعية الشارع في تحطيم الأصنام وفي محاكمة النظام ورجاله ليسجلوا سابقة في العالم العربي: النظام وأركانه في السجن. لكن فشل الشباب ــــ حتى كتابة هذه السطور على الأقل ــــ في طرح البدائل، وهذا ما يفسّر حالة التخبّط لدى هؤلاء الشباب.
«وباسم الحاسّة السادسة» تنتابنا هواجس وكوابيس من نشوب ثورات مضادة، أو أن تأكل الثورة أبناءها، ولو في هذه المرحلة المبكرة من النضال.
وتقول: «إن زعماء الطوائف هم الممسكون بخناق أبناء طوائفهم وليس الدولة. الدولة في لبنان نقطة هزلية»... صدقت.
ينتابني الدوار والحزن عندما أتذكّر «الصيغة»... الصيغة اللبنانية الفريدة. هذه الصيغة التي تأرجحنا بها وتأرجحت بنا. فهي ولدت مع الاستقلال الأول عام 1943، وأخذتنا إلى عام 1958، ومنها إلى 1969، إلى 1973، إلى الانفجار الكبير عام 1975. ونتساءل: هل ما زالت هذه الصيغة قابلة فعلاً للحياة، أم أن الترهّل والصدأ الوطنيَّين قد أصابا الصيغة؟
لقد حدث ارتباكٌ في عمليات التصدير والاستيراد على الصعيد الوطني. كيف؟ لبنان صدّر «ربيع بيروت» إلى دول الجوار فأطلقتها هذه الدول، لكن لبنان لم يعمل على استردادها لمتابعة فصول ربيع لبنان. الكلام يطول ومساحة الحوار محدودة، لذا أختم بالقول: إن كلّ ما نراه هذه الأيام هو باختصار شديد: تلفزيون الواقع العربي...
عادل مالك