اتفقت حماس وفتح رسمياً على المصالحة، وتأليف حكومة وحدة وطنية. ورداً على ذلك، قررت إسرائيل معاقبة السلطة الفلسطينية من خلال حجب ثلثي عائداتها السنوية. وهو التكتيك الذي جربته إسرائيل، بعد فوز حماس في الانتخابات البرلمانية في 2006. ومن المرجح أن لا يكتب لذلك التكتيك النجاح الآن، كما لم ينجح حينها. من شأن حجب الأموال، التي تدفع رواتب للموظفين الحكوميين، إفساد الازدهار النسبي للضفة الغربية التي تهيمن عليها فتح، وتحويلها إلى ما يشبه قطاع غزة الذي تسيطر عليه حماس. إذ لم تؤدّ سنوات عدّة من العزلة إلى إضعاف حماس، بل إلى حشد المزيد من الأعداء المتشددين للدولة اليهودية.
تنمو في غزة، على نحو ملحوظ منذ 2006، أعداد الجهاديين السلفيين، وهم مقاتلون متزمتون، على استعداد لقتل من لا يعتبرونهم مسلمين حقيقيين. كان العديد منهم أعضاء سابقين في حركة حماس، ومقاتلين في الجهاد الإسلامي، ويرون أن حماس ترضخ لإسرائيل، ولا تحصل بالمقابل سوى على الحصار وإغلاق المعابر الحدودية وعمليات التوغل العسكرية.
منذ فترة، اغتالت مجموعة جهادية سلفية الناشط الإيطالي فيتوريو أريغوني الذي كان يدعو الى وقف الحصار المفروض على غزة. ونشر قاتلوه شريط فيديو يظهر فيه معصوب العينين ومدمى، بينما يمر نص يندد بعدم تطبيق حماس للشريعة الإسلامية في غزة، ويطالب بالإفراج عن جميع سجناء السلفية الجهادية، وخاصة هشام سعيداني، زعيم مجموعة صغيرة تدعى تنظيم «التوحيد والجهاد». تنظيم أصدر، في وقت سابق من هذا العام، فتوى دينية تبيح قتل اليهود والمسيحيين المدنيين، لأنّهم «في الأساس ليسوا أبرياء».
وكغيره من الجماعات الجهادية السلفية في غزة، يعاني تنظيم «التوحيد والجهاد» من قلّة أعضائه وسوء تنظيمه، كما أنّ قدرته على تهديد حكومة غزة هزيلة. ولكن بإطلاق صاروخ واحد، أو القيام بعملية اغتيال واحدة، يمكن تلك المجموعات أن تحدث تغييراً جذرياً في مصير سكان غزة، من خلال تخويف أنصارهم الأجانب، أو إثارة حرب أخرى.
ولشعور حماس بالحرج من اغتيال أريغوني، أقامت له جنازة رسمية، وأطلقت اسمه على أحد شوارع غزة تكريماً له. كما أرسلت الحركة قوات الأمن والقناصة، لمواجهة جلاديه المشتبه فيهم، وقتل اثنين منهم أثناء الغارة.
يأمل البعض في إسرائيل أن تؤدي إراقة الدماء بين اثنين من أعداء الدولة اليهودية إلى تدمير كليهما، لكن ثبت خطأ هذا التفكير من قبل. ففي منتصف ثمانينيات القرن الماضي، سعى أعضاء الحكومة الإسرائيلية الى إضعاف منظمة التحرير الفلسطينية، من خلال دعم الإسلاميين الذين أسسوا حركة حماس في ما بعد، وهي استراتيجية اعترف كبار المسؤولين في وزارة الدفاع الإسرائيلية، منذ ذلك الحين، بأنّها كانت غلطة.
وكذلك كان إغلاق حدود غزة. فخمسة أعوام من العزلة لم تُزل حماس، ولم تحيِ عملية السلام، ولم تدعم حركة فتح أو تضمن أمن إسرائيل. تمر معظم واردات قطاع غزة الآن دون عائق تقريباً، من خلال الأنفاق الواسعة بما يكفي لتوفير الماشية والسيارات والصواريخ المضادة للدبابات، والمتطرفين الأجانب.
كذلك لم يقنع عزل حماس معظم الفلسطينيين بتبني النموذج البديل في الضفة الغربية. هناك، في الضفة، لا تزال الممارسات غير الديموقراطية شائعة، ويفتقر القادة المحليين إلى الشرعية الشعبية، ويُندد على نحو روتيني بالتنسيق الأمني الوثيق ​​مع إسرائيل.
بدلاً من ذلك، منحت محاصرة غزة وعزل حماس قوّة خطابية للمتشددين الذين يزعمون أنّ الحركة الإسلامية قد أخطأت في وقف إطلاق النار على إسرائيل، وفشلت في فرض الشريعة الإسلامية. ونتيجة لذلك، فإنّ حماس تفقد ببطء أعضاء يهجرونها لينضموا إلى جماعات أكثر تطرفاً.
كذلك فشلت حماس في مساعيها لتعزيز مكانتها الإسلامية الضعيفة، من خلال الحداد على وفاة أسامة بن لادن، ووصفه بـ«المجاهد العربي»، بعد أيام فقط من التحذير المقلق لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو «بأنّ إسرائيل لن تعترف بأيّ حكومة في العالم تضم أعضاء من تنظيم القاعدة». في الواقع، احتمال ظهور مثل هذه الحكومة أمر ضعيف، لكن إذا ما واصلت إسرائيل معارضتها للمصالحة الفلسطينية، فقد يتحقق كابوس السيد نتنياهو. كما أنّ تكرار أخطاء الماضي قد يعزز من قوّة منافسي حماس من التيار الجهادي السلفي الذين تكاثروا إثر العقاب الذي نزل بالفلسطينيين على تصويتهم لحماس، والذين قد يمثلون تهديداً كبيراً لإسرائيل.

* محلّل في شؤون الشرق الأوسط لدى «مجموعة الأزمات الدولية»
(عن صحيفة «نيويورك تايمز»)