أخيراً، بعد تجارب عديدة، نجح تحرّك تضامنيّ مع الشعب السوري في بيروت. بقميص أسود ووردة حمراء، تمّت وقفة الحداد على أرواح شهداء الحرية في سوريا. المتضامنون مع النظام السوري استطاعوا، هذه المرّة، كبت غضبهم، والسير في تظاهرة مقابلة من دون الإقدام على منع الآخرين من التعبير عن رأيهم. وقد جاء ذلك بعد ظهور متكرّر ومفاجئ لمؤيّدي النظام السوري في أيّ اعتصام معارض، من أجل منعه من رفع صوته، وتحوير شعاراته، لا بل استغلاله من أجل إلقاء خطب مؤيّدة للقيادة السوريّة. حدث ذلك أمام السفارة السوريّة في بيروت، وحدث أيضاً في أمكنة أخرى من شارع الحمرا.يمكن القول إنّ النظام السوري نفسه حذر من التمادي في منع تظاهرات ضدّه في العاصمة دمشق. فجزء من القمع الدامي في المناطق الطرفيّة يعود إلى إدراك النظام أنّه لا يستطيع استخدام وسائل القمع نفسها في العاصمة. وذلك يطرح تساؤلات عما يجري في بيروت. هل هي حماسة زائدة للتأكيد أنّ القوى السياسيّة الموالية للنظام في سوريا ما زالت ممسكة بالوضع في لبنان؟ هل هو نوع من ردّ الجميل من قبل قوى سياسيّة لا تملك وزناً شعبياً كبيراً ساعدتها القيادة السوريّة على الدخول إلى البرلمان وحصد حقائب وزاريّة؟ هل هو حرص على الدستور واحترام الاتفاقيات بين لبنان وسوريا، وبالتالي منع كلّ ما من شأنه أن يعكّر العلاقات بين البلدين؟ هل هو الخوف من انتقال الصراع في سوريا إلى الأراضي اللبنانيّة؟
ربّما كان ثمّة ما هو وجيه بين كلّ هذه الأسباب. لكنّ الأرجح أنّها عاجزة مجتمعةً عن تقديم إجابة شافية. منع التظاهر في بيروت يحمل في طيّاته منع ما بقي من هواء بيروت من التغلغل خارج الحدود. منع التظاهر في بيروت هو خوف من بيروت ومن عدواها. هذه هي الكلمة: العدوى. فالحريّة يجري التعامل معها كمرض، كوباء. وهي حين تظهر إلى العلن، من الصعب مقاومة إغوائها. عام 2005، راهن كثيرون على عدم قدرة النظام في دمشق على الصمود بعد الانسحاب من لبنان. يومها، كان الرهان ساذجاً نتيجة الفارق الهائل بين ما يجري في لبنان واستعدادات المعارضة السوريّة. أمّا اليوم، فالانسحاب الرمزيّ من بيروت سيكون مكلفاً.