الصحوة العربية منذ سقوط النظام التونسي، وبعده نظام الرئيس حسني مبارك، خلقت وضعاً جديداً للمنطقة بأكملها وما وراءها، وتغييرات عميقة في النظام الدولي. لا يزال من الصعب التكهن بمستقبل هذه الحركات، ولكنّه غيّر جزءاً من الوضع الفلسطيني. فأي حكومات عربية أكثر ديموقراطية، يجب أن تضع في حسبانها وحدة شعوبها مع هذه القضية. وتأليف حكومة وحدة وطنية فلسطينية، حتى وإن لم تنهِ الانقسام بين غزة والضفة الغربية، سيخلق وضعاً جديداً، وخاصة منذ أن توصل الطرفان إلى اتفاق من خلال تدخل قوي من جانب مصر.التاريخ الحاسم هو أيلول/ سبتمبر 2011 مع الإرادة الفلسطينية للمطالبة باعتراف من الجمعية العامة للأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية.
في هذا السياق الجديد ماذا تستطيع أن تفعل فرنسا؟
إنّ عرقلة عملية السلام، دفعت رئيس الجمهورية الفرنسي لإعلان، في مقابلة مع جريدة «اكسبرس» الفرنسية في 4 أيار/ مايو أنّه «إذا استؤنفت عملية السلام في فصل الصيف، ففرنسا تعتقد أنّه يجب ترك أطراف النزاع تتناقش من دون التقيد بجدول زمني. أما إذا كانت، على العكس، عملية السلام لا تزال متوقفة في أيلول/ سبتمبر، فإنّ فرنسا ستتحمل مسؤولياتها بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية. فمنذ 20 عاماً، نحن ندرك مقاييس السلام، لكنّنا لم نتقدم خطوة. ففكرة أننا نمتلك الوقت هي فكرة خطيرة. يجب أن نخلص إلى أنّ هناك نوعين من الأخبار الجيدة، المصالحة الفلسطينية والتفاف حول محمود عباس والحركات الديموقراطية في البلدان العربية. إسرائيل لا يمكن أن ترضى بقيام نمو اقتصادي في الأراضي المحتلة، وواجب على أصدقائها أن يقولوا لها إنّ إسرائيل لن تنعم بالأمان إلا بوجود دولة فلسطينية ديموقراطية على حدودها».
هذه الدولة الفلسطينية، وفقاً للبنك الدولي، لا تزال ظاهرية فقط، ويأمل البنك الدولي بالخصوص أن تكون السلطات الفلسطينية الآن قادرة على قيادة السياسة الاقتصادية السليمة التي ننتظرها من دولة فلسطينية مستقبلية.
لكن إذا كان التراجع في الموقف المصري، والتوجه الجديد للاعتراف بدولة فلسطين، مع اتفاق الصلح بين فتح وحماس، عوامل تحوّل الموقف الإقليمي، فإنّ السلطات الإسرائيلية يبدو عليها الذهول. فقد فضلت الانتظار والنضال من أجل اتخاذ القرار، وأكدت ردود فعلها الأولى على الاقتراحات الأخيرة للرئيس الأميركي أوباما رغبة إسرائيل في الحفاظ على الوضع الراهن غير المبررة. فالفرضية الأكثر ترجيحاً هي اعتراف الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية في أيلول/ سبتمبر المقبل، تحت ضغط بعض الدول الأوروبية.
ومع ذلك يجب دراسة مرحلة ما بعد القرار. إذا صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وإذا اشتركت فرنسا في هذا التصويت، ماذا سيحدث؟ وما الذي ينبغي لنا فعله؟ وخاصة إذا استخدمت الولايات المتحدة حق الفيتو فور انتقال القرار لمجلس الأمن من أجل ضم عضو جديد. من الممكن تقديم مبادرة لتصبح الدولة الفلسطينية على الأقل مراقباً بدلاً من منظمة التحرير الفلسطينية، أو أن تصبح الدولة الفلسطينية عضواً في المؤسسات المتخصصة التي تؤلف أسرة الأمم المتحدة. ويمكن فرنسا الإسهام في الخطوات في هذا الاتجاه، وسيكون ذلك فرصة لإعادة بناء محور باريس ـــــ القاهرة الذي يمكن أن يكون معبراً لكل دول المتوسط.
من جانب آخر، إنّ اعتراف فرنسا بدولة فلسطينية على حدود حزيران/ يونيو 1967، سيكون له العديد من العواقب، منها: فتح سفارة حقيقية بباريس، فتح سفارة فرنسية بالدولة المعترف بها حديثاً وإرسال سفير محنك، الاعتراف بجواز السفر الفلسطيني، وإقرار أنّ على كافة المواطنين المقيمين في هذه الأراضي ولا يملكون جواز سفر أوروبياً، طلب تأشيرات (شاملاً للمستوطنين بهذه الأراضي).
وفي النهاية، ألم يحن الوقت لإرساء مبدأ «مسؤولية الحماية» من جانب المجتمع الدولي تجاه الفلسطينيين؟
التكوين الفلسطيني الجديد يثير مرة أخرى مسألة دور حماس. يمكن باريس أن ترضى ببدء حوار مع حماس، لا للتخلي عن الشروط التي وضعتها اللجنة الرباعية، بل لوضع نقطة للوصول إلى المفاوضات وعدم الرجوع عنها. يجب أن نذكر أنّ روسيا بدأت حواراً مع حماس، وبدأت الولايات المتحدة أيضاً حواراً مع طالبان.
على الخريطة الأوروبية يمكن فرنسا أن تؤدي دوراً لتحقيق هذا المشروع في الاعتراف بالدولة الفلسطينية. ففي آذار/ مارس 1999 في برلين، أكد رؤساء دول وحكومات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي «الحق الدائم وغير المقيد للفلسطينيين في تقرير المصير، بما في ذلك احتمال قيام دولة»، ولقد حان الوقت للوصول إلى خطوة الاعتراف رسمياً بالدولة الفلسطينية التي جرى التوقع بها منذ أكثر من 10 سنوات.
لا يوجد حل دائم ممكن بدون الولايات المتحدة، وتناول الرئيس أوباما في 19 أيار/ مايو في خطابه استعدادهم لتعزيز «السلام الدائم»، ولكنّهم مقيدون باعتبارات داخلية وخطوات أوروبية ممكن أن تدفعهم في الاتجاه الصحيح. وعلينا أن نذكر أنّ فرنسا والمجتمع الأوروبي هما اللذان، منذ 1980 وإعلان البندقية، طرحا فكرة المفاوضات مع منظمة التحرير الفلسطينية والاعتراف بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني. مبدآن كانا في تلك الفترة «لعنة» للولايات المتحدة وإسرائيل. هل كان من الممكن توقيع اتفاقيات أوسلو لو لم تقم أوروبا بهذا الدور الرائد؟
ينبغي أيضاً للاتحاد الأوروبي، في أعقاب الأحكام الصادرة عن المحكمة الأوروبية، تعزيز الرقابة على تتبع منشأ المنتجات الإسرائيلية المصدرة، وحظر بيع المنتجات الآتية من الأراضي المحتلة، أي من المستعمرات. في إسرائيل بالرغم من موقف الرفض الكامل للحكومة، هناك مساندة لبعض حركات الرأي العام.
قامت شخصيات معظمها من الموساد، من الشين بيت، من الجيش ومجتمع الأعمال بمبادرة شعبية للسلام في إسرائيل تتمحور حول إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل. أعقب هذه المبادرة توقيع عريضة في الاتجاه نفسه، من نحو 60 شخصاً، منهم 17 حائزون جائزة إسرائيل. الموقعون يشيرون إلى القرار 181 للجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 1947 الذي ينص على «إقامة دولة يهودية ودولة عربية مستقلتين». وكرر الموقعون عبارات عدّة من إعلان استقلال إسرائيل في 14 أيار/ مايو 1948، وأضافوا: «لقد نظرنا حولنا، ولاحظنا ما يحدث في البلدان المجاورة، وقلنا لقد حان الوقت للإسرائيليين لأن يسمع صوتهم».
تستطيع باريس (والاتحاد الأوروبي) تشجيع هذه التطورات، بما في ذلك تأكيد رغبتها في الاشتراك في نظام الضمانات الدولية الذي وضع قيد التنفيذ. كذلك إنّ عقد مؤتمر دولي، لبدء المفاوضات للتصديق على اتفاقية إسرائيلية ـــــ فلسطينية، بحضور رؤساء الدول والحكومات، وخاصة العرب والإسرائيليين، وفتح سفارات عربية وإسرائيلية، من الممكن أن يكون مؤشراً قوياً.