اللاجئون: سيف ذو حدين


آندرو تابلر وسونر كاغابتاي*
لجأ أكثر من 8500 سوري إلى تركيا، هرباً من قمع عنيف يمارسه نظام الرئيس بشار الأسد. وفيما تستمر الأزمة في سوريا، يتردد أنّ تركيا تستعد لاستقبال عشرات آلاف إضافية من اللاجئين. بالفعل، إذا استمر العنف فسيكون هناك المزيد من السوريين ممن يفرون باتجاه تركيا. ستكون نتائج ذلك كبيرة على الولايات المتحدة، سوريا، تركيا والمنطقة.

إذا استمر النظام السوري في قمعه العنيف، كما تشير كل التوقعات، فإنّ عدداً أكبر من السوريين سيفرّ إلى تركيا. لماذا؟
أولاً، الحدود التركية ـــــ السورية مفتوحة على مسافة 544 ميلاً مكوّنة بمعظمها من سهول. هناك القليل من المراكز الحدودية. وأخيراً، أزالت الدولتان الألغام على طول تلك الحدود، وألغتا التأشيرات بينهما.
ثانياً، تربط الشعبين على طرفي الحدود علاقات عائلية وعرقية؛ إذ رُسمت الحدود بين الدولتين بعد الحرب العالمية الأولى، وفق خط سير سكة قطار عثماني، ولم تقسم المنطقة عرقياً. هناك عرب في الجانب التركي، وتركمان في الجانب السوري. كذلك، يعيش أكراد ومسيحيون شرقيون، شماليّ الحدود وجنوبيَّها. وبما أنّهم يعرفون أنّ عائلاتهم وأصدقاءهم وأقرباءهم سيستقبلونهم حالما يعبرون الحدود، فمن المرجح أن يسعى السوريون إلى إيجاد ملجأ في تركيا.
ثالثاً، يعج الطرف السوري من الحدود بالناس، وخصوصاً في المناطق الشرقية والغربية. على سبيل المثال، يعيش في مدينة حلب البعيدة 26 كيلومتراً فقط عن الحدود التركية، نحو 3 ملايين مواطن، يتوزعون بين عرب وأكراد وتركمان ومسيحيين. ومن الممكن في حال وصول الاحتجاجات والقمع إلى هذه المدينة أن نشهد حركة نزوح بمئات الآلاف.
لحركة النزوح هذه تأثيرات جيوسياسية على سوريا وتركيا، والعلاقات بينهما. إلى وقت ليس ببعيد، استخدمت واشنطن وأنقرة سياسة الانخراط والحوار مع نظام الأسد في محاولة منهما لتغيير سياسته الإقليمية. وبكلام أدق، حاولت العاصمتان أن تقنعا سوريا بالانفصال عن إيران ووقف دعمها لحزب الله.
كذلك سعت الولايات المتحدة وتركيا إلى إعادة الحياة إلى مفاوضات السلام المتوقفة بين إسرائيل وسوريا، التي عقدت آخر مرة تحت رعاية تركية في 2008.
لكن مع اجتياح التظاهرات لسوريا، وردّ فعل نظام الأسد العنيف، ضاعت أيّة جهود تفاوضية مماثلة. نقلت واشنطن وأنقرة تركيزهما من الدفع باتجاه سلام إسرائيلي ـــــ سوري، إلى إدانة الانتهاكات الكبيرة لحقوق الإنسان في سوريا.
بدأت العلاقات التركية ـــــ السورية بالتحسن في نهاية التسعينيات. نجحت تركيا في الضغط على دمشق بالتوقف عن استقبال حزب العمال الكردستاني، وهو مجموعة استخدمت الأراضي السورية ووادي البقاع اللبناني، الذي كانت تحتله سوريا، منطقةَ تدريبات لتنفيذ عمليات إرهابية في تركيا منذ نهاية السبعينيات. هددت تركيا باجتياح سوريا، وطرد نظام الأسد حزب العمال الكردستاني، بعدما وجد التهديد جدياً.
تحسنت العلاقات الثنائية أكثر بعد وصول حزب «العدالة والتنمية» إلى السلطة في تركيا في 2002، وإطلاقه سياسة «صفر مشاكل مع الجوار». عملت تركيا على تحسين العلاقات مع سوريا، ومنذ ذلك الحين، أقامت الدولتان تدريبات عسكرية مشتركة، ومحادثات استراتيجية على مستوى الحكومات.
ومع وصول قيمة التبادل التجاري بينهما إلى 2.5 مليار دولار في 2010، أصبحت تركيا أكبر شريك تجاري لسوريا.
لكن الانتفاضة الأخيرة في سوريا وضعت أنقرة بين المطرقة والسندان. هل يجب أن تقف مع النظام أم تنحاز إلى المتظاهرين؟ حتى الآن، حاولت تركيا أن تقوم بالأمرين معاً.
لقد طلبت من الأسد التوقف عن استخدام العنف، لكنّه رفض وأرسل الدبابات إلى المدن السورية. أبقت أنقرة خطوط التواصل مع نظام الأسد مفتوحة، لكنّها اليوم تحت ضغط كبير لفرض عقوبات تجارية على دمشق، لمحاولة وقف سفك الدماء على يد النظام.
أخيراً، سمح حزب «العدالة والتنمية» بحصول تجمع للمعارضة السورية في أنطاليا، لصياغة ميثاق معارض. كذلك، سمح الحزب الحاكم في أنقرة للإخوان المسلمين السوريين بالعمل علناً في إسطنبول، وهو من أفضل المجموعات السورية المعارضة تنظيماً، وقريب إيديولوجياً من «العدالة والتنمية».
إلى متى تستطيع سياسة أنقرة، القائمة على التعاطي مع النظام ومساعدة معارضيه، أن تستمر؟
إذا أصبح القمع أكثر دموية، واستمر تدفق اللاجئين إلى تركيا، وزادت تغطية الأزمة الإنسانية على شاشات الأتراك، فستضطر أنقرة إلى مواجهة النظام السوري بشراسة أكبر.
في ما يتعلق بتركيا، قد يحمل تدفق اللاجئين السوريين إليها نتائج غير مقصودة، عبر السماح لزوار غير مرغوب فيهم بالدخول. حزب العمال الكردستاني هو حزب منظم في المناطق الكردية في شمال سوريا، على الحدود التركية. الفرع السوري من الحزب متطرف يلجأ إلى العنف. الفرع التركي منه في طور الاندماج في النظام السياسي التركي.
في الانتخابات التركية الأخيرة، في 12 حزيران الجاري، دخل 36 نائباً ينتمون إلى حزب السلام والديموقراطية الكردي، إلى البرلمان التركي. وهو حزب يقول علناً إنّه متعاطف مع العمال الكردستاني.
إذا استطاعت مجموعة من أعضاء «العمال الكردستاني» ومناصريه المتطرفين الدخول إلى تركيا، فقد يعيد ذلك توجيه الحركة القومية الكردية في تركيا نحو مسار عنفي.
كذلك، قد يشعل تدفق اللاجئين السوريين المشاعر الشعبية التركية لتطالب حكومتها بقطع العلاقات مع الأسد. ونظراً إلى العلاقات التي تتخطى الحدود التركية ـــــ السورية، قد تتعرض حكومة «العدالة والتنمية» لضغوط من المواطنين الأتراك الذين لديهم أقرباء في الجانب الآخر من الحدود.
أخيراً، إذا أصبح القمع مذهبياً في سوريا، أي إذا بدا أنّ النظام العلوي يضطهد المواطنين السنّة، فقد يترك ذلك أثراً عبر الحدود، خالقاً توترات لا أحد يرغب فيها بين العلويين والسنّة داخل تركيا.
الموقف في تغيّر مستمر، وواشنطن وأنقرة وآخرون يجب أن ينتهبوا جيداً للاجئين السوريين الذين ينتقلون إلى تركيا. هؤلاء قد يغيّرون المنطقة بطرق عدّة، لا يمكن توقعها أو السيطرة عليها.
* عن مدونة «غلوبال بابليك سكوير» على موقع محطة «سي. إن. إن» الأميركية

الأسد أصبح وحيداً



هنري باركي*
حتى وقت قريب، كانت حكومة «العدالة والتنمية» تعدّ علاقتها المتنامية مع دمشق مثالاً ناجحاً لسياستها الخارجية. سياسة سعت إلى التزام مسار سياسي واقتصادي متجدد في الشرق الأوسط ومحيطه. وكان ذلك تغييراً كبيراً من أيام تهديد تركيا، حين كانت عدائية، بالحرب ضد سوريا، إذا لم تتوقف هذه الأخيرة عن استضافة قائد حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، في
1998.
بعد عشر سنوات، تحسّنت العلاقات التركية ـــــ السورية. أردوغان والرئيس السوري بشار الأسد، الذي خلف والده في الحكم في 2000، طوّرا علاقة شخصية قوية وحميمة. بدا كأنّ أردوغان يحتضن الأسد تحت جناحه، ووفّرت تركيا مساندة حاسمة لنظام الأسد حين تعرّض للضغوط بغية سحب جيشه من لبنان بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، وحتى بعد اندلاع الانتفاضة الأخيرة في سوريا.
اخترع «العدالة والتنمية» مقولة «شعبان، دولة واحدة»، في الوقت الذي كان فيه القادة يعقدون اجتماعات وزارية مشتركة، ويزيلون التأشيرات بين البلدين، ويناقشون الدمج الاقتصادي. وفق وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، فهو زار سوريا حوالى ستين مرة.
حين بدأت الاحتجاجات، أوضحت تركيا أنّها تفضل أن يتولّى الأسد إصلاح نظامه، عوض أن يُطاح كما حصل مع حسني مبارك في مصر، أو زين العابدين بن علي في تونس. أرادت أنقرة بالتأكيد تجنب أيّ إراقة للدماء، كما حصل في انتفاضتَي ليبيا واليمن. دعا أردوغان الأسد إلى مأسسة الإصلاحات، ومنها رفع حالة الطوارئ وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين. حين لم يعطِ بشار أهمية لنصائحه، أرسل رئيس الوزراء وزير خارجيته داود أوغلو، ورئيس استخباراته الذي يثق به إلى دمشق، لتقديم النصح.
لكن مع شن اعتداء عسكري كبير على جسر الشغور، قد يكون الأسد ارتكب حماقة استراتيجية. فقد كان من الطبيعي لسكان مدينة قريبة من الحدود التركية أن يبحثوا عن ملجأ في البلد المجاور. مشهد اللاجئين وهم يتدفقون إلى تركيا أجبر أردوغان على التصرف مكرهاً. وفي الوقت الذي أقامت فيه الحكومة التركية ثلاثة مخيمات لاجئين يمكنها استضافة خمسة آلاف شخص، هناك العديد من الأشخاص ممن لم يسجلوا أسماءهم لدى السلطات التركية، وآخرون ينتظرون لعبور الحدود. يصل هؤلاء اللاجئون ومعهم قصص مرعبة تنشرها الصحف التركية، مما يجعل من الصعب تجاهل محنتهم.
هكذا خسر الأسد الصديق الوحيد الذي كان مستعداً للدفاع عنه، إلى جانب النظام في طهران، إضافةً إلى ذلك، يتمتع أردوغان، على عكس القادة الإيرانيين، باحترام كبير في الشارع العربي والعواصم الغربية. يبدو أنّ أردوغان اكتشف أنّ نظام البعث في سوريا هالك. قد يستطيع الأسد الاستمرار بعض الوقت، وسفك المزيد من الدماء أثناء ذلك، لكنّه استهلك شرعيته. النتيجة ستكون انحداراً لصحة سوريا المالية والسياسية. بالنسبة إلى تركيا التي تثمّن العلاقات الاقتصادية بسبب حاجتها إلى تطوير أسواق تصدير، فإنّ المشاكل في دمشق تنبئ بكل وضوح بمستقبل سيّئ للعلاقات التجارية. لقد لمّح بشار أصلاً إلى استعداده للتخلي عن اتفاقية التجارة الحرة للحفاظ على مساندة طبقة رجال الأعمال السنّة المهمة.
كلّ ذلك قرّب تركيا من حلفائها الغربيين. آخر ما تريده أنقرة هو إعادة أخطاء ليبيا، حين هاجمت الجموع القنصلية التركية في بنغازي وأحرقت علمها، احتجاجاً على مساندة تركيا للقذافي. في سوريا، إذا كان رحيل الأسد مسألة وقت، فإنّ على تركيا أن تبقى واعية لمشاعر من سيخلفونه.
من المفيد ملاحظة أنّ أردوغان أشار إلى ضرورة وجود قرار صادر عن مجلس الأمن لإدانة الأسد. تحدث الرئيس أوباما وأردوغان مراراً على الهاتف متناولَين الأزمة السورية. على عكس ليبيا، حيث كانا يواجهان بعضهما بعضاً، هناك توافق مشترك على ضرورة وجود انتقال سلمي للسلطة. تعترف الولايات المتحدة بأنّ لتركيا أوراقاً مهمّة لتلعبها بسبب قربها الجغرافي وتاريخها الحديث، وتعرف أنقرة أنّ المشكلة أكبر من أن تعالجها وحدها، إذا أخذ الأتراك المبادرة ودعوا إلى قرار قاسٍ يصدر عن مجلس الأمن، فسيرسل ذلك إشارة قوية إلى كل المترددين في دمشق، حلب، نيودلهي، موسكو أو بكين.
بعد انتصارهما في الانتخابات البرلمانية، سيجد أردوغان و«العدالة والتنمية» أنّ من السهل رسم مسار تجاه سوريا، عدائي أكثر مع دمشق. ما يبقى لغزاً هو الموقف الذي ستتخذه أنقرة من طهران، إذا قررت هذه الأخيرة أن تساند الأسد حتى النهاية.
* عن «ذا ناشيونال انترست»،
مجلة نصف ـــــ شهرية أميركية

حان وقت التحرك



ديفيد شنكر*
للفترة الأكبر في القرن الماضي، كانت العلاقات التركية ـــــ السورية متضررة بفعل خلاف حدودي، كاد أن يتصاعد ليصل إلى حرب كاملة. لم تتحسن العلاقات إلا بعدما اصبح بشار الأسد ديكتاتور سوريا في الـ2000، وانتخاب حكومة إسلامية يقودها حزب «العدالة والتنمية» في تركيا في 2002. لسخرية القدر، عبّد الانتقال السياسي في السلطة الطريق أمام التقارب قبل عقد من اليوم، فيما الآن يهدد التغيير السياسي في سوريا بتقويض اسس الحلف الجديد بين دمشق وأنقرة.
الوضع الحالي على الحدود السورية ـــــ التركية يشير إلى العلاقة المتدهورة. فخوفاً من مجزرة أخرى تكون الحكومة مسؤولة عنها، ينتقل المئات من المدنيين السوريين إلى تركيا، وهو تطوّر سيزيد في تعقيد التوترات، وسيدفع أنقرة إلى اتخاذ موقف أقسى من دمشق، وفي النهاية، زيادة عزلة نظام الأسد. يمكن التغيير في الموقف التركي أن يؤمن للغرب الفرصة، أو ربما المحفز، لتبني موقف أكثر حزماً تجاه سوريا.

سرعة لافتة

بعد سنوات عدّة من العداء، كانت السرعة التي تطوّرت خلالها العلاقات التركية ـــــ السورية لافتة. بين 2002 و2009، وقّعت سوريا وتركيا على ما يقارب خمسين اتفاق تعاون، وأعلنتا إنشاء «مجلس التعاون الاستراتيجي»، وأجرتا أول تدريبات عسكرية مشتركة بينهما.
وفي 2010، وقّعت تركيا وسوريا اتفاقاً تاريخياً لمكافحة الإرهاب، لحقه بعد شهرين ميثاق مكافحة التمرد. بحلول 2011، كانت تركيا قد أصبحت شريك سوريا التجاري الأكبر.
كانت العلاقات واعدة جداً، وفي 2009، أعلن وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو أنّ الدولتين تتشاركان «مصيراً، وتاريخاً ومستقبلاً مشتركاً».
ترافق مسار العلاقات التركية المتحسنة مع دمشق بعلاقاتها المتحسنة أيضاً مع غريمتها الإقليمية طهران. تحسن أصبح واقعاً بسبب سياسة «العدالة والتنمية» الخارجية التي تتمحور حول «صفر مشاكل مع الجوار». تزامنت العلاقات المتطورة بين أنقرة وتلك الدول الإرهابية، مع علاقات باردة تجاه واشنطن واسرائيل، وهذا ليس بأمر مستغرب.

تحوّل مرّ

حين وصل الربيع العربي إلى سوريا، بدأت العلاقات بالتدهور، بالسرعة نفسها التي تحسنت بها. ومع تصاعد عدد الضحايا المدنيين المحتجين في سوريا، أنهت تركيا صمتها حيال التطورات في الجنوب.
في آذار، أعلن رئيس الوزراء رجب طيّب أردوغان أنّ «من المستحيل عليه البقاء صامتاً تجاه ما يحصل من أحداث». وبعدما أكد أنّه تحدث مع الأسد مرتين، قال أردوغان إنّه يأمل أن يتبنى الأسد «مقاربة إيجابية وإصلاحية»، من أجل تجنب «أحداث ليبيا الأليمة».
ثم في نيسان، أرسلت تركيا وزير الخارجية داود أوغلو للقاء الأسد في دمشق، وهناك عرض «كل مساعدة ممكنة» لتطبيق وعود الأسد الإصلاحية من أجل المساعدة في جلب الاستقرار إلى سوريا وتأمين النظام.
لكن كل ذلك كان دون نتيجة. في أيار، مع تصاعد الفظاعات اليومية ـــــ وصل عدد الضحايا المدنيين إلى نحو ألف ـــــ أعلن أردوغان وقوف تركيا إلى جانب المحتجين، الذين وصفهم بأنهّم منخرطون في «معركة من أجل الحرية». وحذّر أردوغان «لا نريد أن نرى مجزرة حماة أخرى».
في الوقت الذي حيّا فيه المتظاهرون السوريون موقف أردوغان، هاجمت صحافة الحكومة السورية موقف أنقرة قائلة إنّه منافق و«متسرع وارتجالي».

مبادئ أم سياسة؟

ليس واضحاً حتى الآن ما أدى إلى ذلك التحوّل الأخلاقي المفاجئ في السياسة الخارجية التركية. ففي النهاية، هنأ أردوغان في 2009 علناً الرئيس محمود أحمدي نجاد على إعادة انتخابه التي حصلت بالتزوير، ولم يدل بأي تعليق حين قمع النظام الديني في طهران متظاهرين سلميين بواسطة القوة القاتلة. بالإضافة إلى ذلك، عارضت أنقرة في البداية اي عمل للناتو في ليبيا، رغم حصول فظاعات واضحة.
من المرجح أن تكون تصريحات أردوغان السابقة ذات دوافع انتخابية. في 12 حزيران، حصلت الانتخابات البرلمانية التركية، وعرف «العدالة والتنمية» أنّ المجازر في سوريا هي قضية مهمة للناخبين، وجاهزة من أجل الاستغلال السياسي. ولا يستبعد هذا الاستغلال الشعبوي للموضوع من «العدالة والتنمية» نظراً إلى سابقة أردوغان في التلاعب بقضية أسطول الحرية وسفينة مافي مرمرة في أيار 2010.
حتى بالنسبة إلى «العدالة والتنمية»، من المرجح أن تكون قضية المجازر في سوريا قد تخطت عتبة القبول بها. فوفق الإسلاميين السنّة في أنقرة، فكرة أن يكون النظام العلوي في دمشق يقتل آلاف السنّة تفوق الاحتمال.
من جهة ثانية، كان مقتل آلاف السنّة الليبيين بداية العام، رغم أنّه مزعج، على يد سنّي، وبالتالي لم يسبب الغضب ذاته في أنقرة. والموضوع مماثل في ما يتعلق بالفظاعات المرتكبة في إيران، إذ وفقاً لبعض الإسلاميين السنّة، فإنّ مقتل شيعة على يد أشخاص من المذهب نفسه، لا يثير القلق، ولا حتى الحزن.
أو ربما يكون «العدالة والتنمية» حزباً انتهازياً، يأمل أن تكون نهاية النظام العلوي في دمشق فرصة لوصول نظام إسلامي يشبهه إلى السلطة في بلاد الشام.
بغض النظر عن السبب الذي جعل أنقرة تغيّر موقفها من بشار الأسد، فهو تغيير مرحّب به. من دون تركيا، فإنّ بشار الأسد اليوم هو أكثر عزلة وعرضة للضغوطات الخارجية، كما أنّ النظام أقل أمناً. وتركيا ليست فقط تبتعد عن نظام الأسد، بل تريد أن تنظم خلافته. منذ اسبوعين، في خطوة جريئة وتقدمية، استضافت تركيا مؤتمراً للمعارضة السورية على أرضها. كان المؤتمر إعلاناً صريحاً من «العدالة والتنمية» أنّ الحزب اقتنع أنّ الأسد ذهب إلى غير رجعة. مع بعض الحظ، ستتبع واشنطن خطى تركيا.
* عن «كريستيان ساينس مونيتور»،
مجلة أسبوعية أميركية