بعد نحو شهر على مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن على أيدي قوات من المارينز الأميركيين، انتخب أيمن الظواهري، نائبه، أميراً جديداً للتنظيم، كما كان مرجحاً. أثار التأخير في إعلان اسم الزعيم الجديد بعض التكهنات بحصول خلافات داخلية في التنظيم على خلافة زعيمه الذي كان متحصناً منذ سنوات في باكستان. كذلك، بدأت المراهنات على ما سيكون عليه مستقبل التنظيم الإرهابي الأشهر في العالم: هل يتمكن الظواهري من إدارته كما فعل سلفه؟ هل يتمكن من جمع المال الكافي لعملياته؟ ما هو تأثير الأمير الجديد على الشباب المجاهدين، والجيل الجديد من المناصرين؟ ويعتقد البعض أنّ عدم تمتع الزعيم الجديد بالجاذبية اللازمة التي كان يتميّز بها سلفه، ستؤثر سلباً على وضع التنظيم ومستقبله
■ ■ ■

المهرج الأميركي



جي. إم بيرغر *
كان أسامة بن لادن يحب أن يكون في محيطه أميركيون. محمد بيازيد، أحد سكان كانساس سيتي سابقاً، دوّن محضر الاجتماع الذي أسس فيه تنظيم القاعدة. أما وديع الحاج، من توسكون سابقاً، فكان واحداً من أول أعضاء الشبكة، ثم أصبح مساعد بن لادن الشخصي.
بعدما اصبح أيمن الظواهري متربعاً على عرش القاعدة، سيحاول على الأرجح أن يأتي بمساعد أميركي خاص به، آدم غداهن، المعروف بعزام الأميركي، وهو كان يسكن في السابق في مقاطعة أورانج في ولاية
كاليفورنيا.
كان غداهن احد أبرز المتحدثين باسم القاعدة لسنوات. انضم إلى الشبكة الإرهابية في نهاية التسعينات كمترجم، ومساعد من درجة دنيا، واصبح لاحقاً جزءاً من استراتيجية التنظيم الإعلامية ذات الأهمية المتزايدة.
لسنوات قبل 11 أيلول، أنتج تنظيم القاعدة أشرطة فيديو طويلة، مكلفة، وتتطلب وقتاً لتنفيذها وتوزيعها، تماماً كالأفلام العادية.
توحي مصادر استخبارية وكذلك قراءة دقيقة في عمل القاعدة، أنّ غداهن ساعد بعد 11 أيلول على توجيه التنظيم نحو العصر الرقمي، فاعتمد على أدوات الإنتاج الإلكترونية لتنفيذ مشاريع في فترة زمنية أقصر، واستغلال الإنترنت للحلول مكان طريقة التوزيع القديمة غير الفعالة للأشرطة.
في البداية، كان غداهن في خلفية المشهد، يتلو الإعلانات باللغة الإنكليزية، ويظهر كمذيع مقنّع في البرنامج الإخباري الذي لم يدم طويلاً «صوت الخلافة». اليوم، يُعتقد أنّه لاعب أساسي في شركة الانتاج الإعلامي، السحاب، التابعة للقاعدة.
لكن التنظيم سرعان ما قرر أنّ غداهن سيكون اكثر أهمية حين يظهر على الكاميرا. ساهم الظواهري نفسه في شهرة «عزام الأميركي» في أيلول 2006 مع نشر شريط مدته 48 دقيقة بعنوان «دعوة إلى الإسلام».
في دعم شخصي غير مسبوق، قدم الظواهري شريط غداهن، وظهر في مقدمة قصيرة ليقدم الأميركي بالاسم، ويشجع على الانتباه إلى خطابه الذي شجع الأميركيين على اعتناق الإسلام. اصبح غداهن بعد ذلك ركناً أساسياً في بروباغاندا القاعدة، وظهر على نحو متكرر مثل قادة عمليات التنظيم، ومسؤوليه الدينيين.
كأيّ طفل مدلل، ببطء، أصبح غداهن كسيّده. خطاباته الأولى، التي كانت غريبة بعض الشيء، كانت أميركية على نحو واضح. مع الوقت، أصبح خطابه مشابهاً لخطاب الظواهري، أي متغطرساً، طويلاً جداً، وخبيثاً. (أشار موقع على الانترنت لغداهن بوصفه «الظواهري الصغير»).
خلال السنوات القليلة الماضية، كان الظواهري وآخرون من أمثال أبو يحيى الليبي الوجوه العلنية للقاعدة، فيما بقي بن لادن، وهو أكثر جاذبية، بعيداً عن الأضواء. اذا افترضنا أنّ دور غداهن في شركة السحاب يتطابق مع تقويم المجتمع الاستخباري، فقد يكون أدّى دوراً في هذا التغيير الكبير.
أظهرت الأشرطة التي وجدت خلال الغارة على مجمع بن لادن في أبوت آباد أنّ زعيم القاعدة سجل نسخاً مرئية، عالية الجودة، لبيانات إعلامية نشرتها السحاب أخيراً، لكن بالصوت فقط. ربما أزالت السحاب أشرطة الفيديو لدواع أمنية، لكن لم يدفع ذلك قادة آخرون في القاعدة إلى القيام بذلك. ويبدو أنّ بن لادن، الذي صبغ لحيته وثيابه الرسمية للتصوير، كان يريد للأشرطة أن تذاع.
اصبح الظواهري الآن أميراً للقاعدة، واذا كان بن لادن قد اضطر إلى اللجوء الى اشرطة صوتية فقط لأسباب أمنية، فقد يحذو الأمير الجديد حذوه ايضاً، لكن اذا استمر الظواهري في نشر اشرطة فيديو على نحو اعتيادي، فمن الممكن عندها الحديث عن تهميش شخص ما في معسكر الظواهري لبن لادن.
إذا وضعنا تلك التخمينات جانباً، فمن المرجح أن يصعد نجم غداهن بعدما ورث الظواهري منصب بن لادن. وقد يستعين الأمير الجديد بصديق أميركي ليرافقه في رحلته الجديدة.
كان غداهن العنصر الأول من القاعدة الذي يلقي الضوء على رجل الدين اليمني ـــــ الأميركي أنور العولقي في بيان رسمي، بعد أشهر عدّة من تبني فرع التنظيم في اليمن، القاعدة في شبه الجزيرة العربية، لهذا الأخير.
في تشرين الأول 2010، أصدر غداهن بياناً يرفض فيه مؤتمر مردين، الذي نظمه في آذار من العام نفسه رجال دين مسلمون يريدون تقويض أسس القاعدة الدينية. الرسالة تضمنت شريطاً يظهر فيه العولقي، مقتطعاً من شريط للفرع اليمني من التنظيم. وعكس خطاب غداهن مقالاً نشره العولقي قبل يوم في مجلة «انسباير» الإلكترونية الناطقة بالإنكليزية، التابعة للقاعدة.
في نهاية الشريط، ساند غداهن مفهوم الجهاد الفردي، وموضوع عدم انتظار مناصري القاعدة مساعدة التنظيم، بل يجب أن يتصرفوا بأنفسهم. هلل لتلك المقاربة العولقي، وساهم في جعلها شعبية. وأثارت المقاربة انتباه العديد من الجهاديين، رغم نتائجها الضعيفة والأخبار التي نقلت عن أنّ بن لادن يعارض بعض افكار الفرع اليمني من التنظيم لتنفيذ ذاك المفهوم.
قبل اكثر من اسبوعين، ظهر غداهن في شريط جديد لمؤسسة السحاب، هو اكثر الأشرطة تشجيعاً على الجهاد الفردي حتى اليوم، وتضمن الشريط مشاهد للعولقي نشرت سابقاً.
يبدو لجوء غداهن إلى الحديث عن العولقي مشابهاً لما فعله معه الظواهري في 2006. اذا استطاع غداهن عبر ولائه الحصول على مقعد في حكومة الظواهري، يمكننا ان نتوقع الكثير من الكلام عن الجهاد الفردي، وأشخاصاً كثيرين يشبهون أنور العولقي في أشرطة القاعدة المستقبلية. هذا على الأقل ريثما يصل جنود البحرية إلى بابهم.

* مدير تحرير موقع «Intelwire.com» الذي يعنى بقضايا الإرهاب والاستخبارات

■ ■ ■

لا تغيير في الاستراتيجية



دافيد غارتنستاين ــ روس *
كان أسامة بن لادن يرى أنّ الاقتصاد الأميركي هو نقطة ضعف عدوّته الأهم، وساعد على صياغة استراتيجية القاعدة للهجوم على ذلك الاقتصاد، في مراحل معيّنة. بعد استخدام هجمة كارثية (اعتداءات 11 أيلول) لفرض ضرر اقتصادي على الولايات المتحدة، ركّز تنظيم القاعدة على جرّ أميركا إلى حروب استنزافية في الخارج، والاعتداء على مصادر النفط العالمية. في الوقت الذي لا تزال فيه الهجمات الكارثية جزءاً من خطته، في المرحلة الحالية من الحرب مع أميركا، ركّز التنظيم على تنفيذ هجمات أصغر، لكن على نحو متكرر، وهو ما سمته المجلة الإلكترونية الإنكليزية للقاعدة في الجزيرة العربية «انسباير»، في تشرين الثاني 2010، «استراتيجية الألف جرح». من المرجّح ألا يتغيّر إطار العمل ذاك تحت زعامة أيمن الظواهري، على الأقل في المدى القريب.
السبب وراء ميل القاعدة الى العمليات الصغيرة والمتكررة، يعود إلى شبه الانهيار الذي أصاب الاقتصاد الأميركي في أيلول 2008. بطريقة أبسط، جعل ذلك أميركا تبدو فانية، وأدرك التنظيم أنّ بإمكانه رفع تكلفة الأمن الأميركي عبر مخطّطات «فاشلة». على سبيل المثال، وصفت مجلة «انسباير» خطة تعود إلى تشرين الأول 2010 تتضمن قنابل موضوعة في محابر الطابعات، وعدّتها ناجحة نظراً إلى أنّها «ستنشر الخوف الذي سيجعل الغرب يستثمر المليارات من الدولارات في ترتيبات أمنية جديدة»، وذلك رغم أنّ تلك القنابل لم تدمّر الطائرات التي كانت موجودة عليها.
هذا الميل نحو هجمات أصغر وأكثر تكراراً، الذي يركز على رفع مدفوعات الغرب، سيستمر على الأرجح. في شريط مدته 100 دقيقة نشر قبل فترة يظهر فيه آدم غداهن، أبو يحيى الليبي والظواهري نفسه، شجع هؤلاء، الجهاديين غير المرتبطين بالقاعدة، على الهجوم على أهداف متاحة. أشاد الشريط بـ«الذئاب الوحيدة» التي تضرب حين تتاح لها الفرصة، كما فعل نضال حسن في قاعدة «فورت هود» الأميركية، ومحمد بويري، الذي اغتال المخرج الهولندي ثيو فان غاغ، والسيّد نصير، الذي اغتال الحاخام المتشدد مائير كاهانا.
حتى إنّ الظواهري اعترف بأهمية ضرب الاقتصاد الأميركي، وذلك كما قال في شريط يعود إلى تشرين الأول 2002 «سنهدف أيضاً إلى الاستمرار، برضى الله، لتدمير الاقتصاد الأميركي».
إضافةً إلى ذلك، تسمح الهجمات الصغيرة للتنظيم بأن يبقى بعيداً عن الأعين، حتى يُعاد تجميع القيادة المركزية. فعل التنظيم الأمر نفسه بعد خسارة الملاذ الآمن في أفغانستان في نهاية 2001، فظهرت إلى الواجهة مجموعات مرتبطة بالقاعدة وتنظيمات جهادية محلية، في الوقت الذي أعادت فيه القيادة المركزية تنظيم نفسها في باكستان. كذلك هناك الرجلان المرتبطان بالقاعدة، اللذان أطلقا النار على عناصر من البحرية الأميركية، في جزيرة فيلكا الكويتية في تشرين الأول 2002، وكذلك التفجيرات بالقنابل التي نفذتها في الشهر نفسه الجماعة الإسلامية الإندونسيية، ضد مرافق سياحية في جزيرة بالي، وأيضاً استيلاء إرهابيّين شيشان على مسرح فيه 850 شخصاً في موسكو. حقيقة أنّ المجموعات التابعة للتنظيم كانت في واجهة العمليات أدت إلى اعتقاد بعض المحللين، على خطأ، أنّ القيادة المركزية في القاعدة أصبحت هامشية. ساعد ذلك التحليل على تعافي التنظيم آنذاك، ويأمل الظواهري ونوابه أن يعاد تكرار ذلك الخطأ اليوم أيضاً. قد يستفيد التنظيم من ضغط أقل على قادته، وخصوصاً أنّهم يخافون من دون شك مما استطاعت الاستخبارات الأميركية جمعه من غارة أبوت آباد التي قُتل فيها بن لادن.
لقد أشار المحللون إلى أنّ الظواهري يواجه عقبتين محتملتين، وخصوصاً في ما يتعلق بقدرته على جمع الأموال من المانحين التقليديين للقاعدة. الأولى أنّه ليس بجاذبية بن لادن، والثانية أنّه مصري لا سعودي (العديد من المانحين التقليديين للقاعدة هم سعوديون أو من الخليج العربي). إذا عانى ضغوطاً مادية متزايدة، فقد يغيّر ذلك من استراتيجية القاعدة، دافعاً التنظيم الى اعتماد خيار هجوم كارثي آخر للبرهنة على استمرار قدرته وأهميته. هناك عقبات قد تظهر إذا اعتمدت تلك المقاربة، منها اعتبار القاعدة تنظيماً عاجزاً إذا استثمر مقدراته في هجوم كبير فاشل.
كذلك، تساءل بعض المحللين عن قدرة الظواهري على التواصل مع الجهاديين الشباب، لكن إذا لم تكن مقاربته تحريمية، فسيتمكن على الأرجح من مواجهة ذلك الضعف، عبر دفع أشخاص آخرين يتمتعون بجاذبية بين الشباب، مثل أبو يحيى الليبي، الى الواجهة في جهود الدعاية لدى التننظيم.
من غير المرجح أن تغيّر ترقية الظواهري في استراتيجية القاعدة على المدى القصير، لكن على المدى الطويل، فشله كقائد قد يدفع التنظيم إلى وجهة جديدة. وجهة قد تكون خطيرة للغرب، أو ربما لتنظيم القاعدة نفسه.

* مدير مركز دراسات التطرف الإرهابي في «مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات»

■ ■ ■

أسباب تأخير الانتخاب



ليا فارال *
في الثالث من أيار الماضي، بعد فترة قصيرة من موت بن لادن خلال غارة للقوات الخاصة الأميركية في باكستان، كتبتُ مقالاً لمجلة «فورين بوليسي» أوضحت فيه الأسباب التي تجعلني مقتنعة بأنّ نائب زعيم القاعدة أيمن الظواهري سيعيَّن أميراً جديداً للتنظيم. كذلك، بيّنت الشكل الذي سيتخذه مسار اختيار القيادة الجديدة. حينها، اعتقدت أنّه بسبب البيئة الأمنية الصعبة، سيتجاهل المجلس القيادي للقاعدة المتطلبات التنظيمية وسيصوّت أعضاؤه على تثبيت الظواهري خليفة لبن لادن. لكن يبدو أنّ أعضاء المجلس متشبثين بالقواعد، ورغم التأخير الحاصل، تشاوروا بالفعل في قضية القيادة وعيّنوا الظواهري، بالتناغم مع قواعد الخلافة في القاعدة.
التأخر في إصدار الإعلان غير اعتيادي. أولاً، ما يجب إيضاحه أنّه إذا كان إعلان مجلس القيادة قد صدر الآن، فمن المحتمل أن يكون قرار تعيين الظواهري قد اتخذ قبل ذلك. بالفعل، كما أشار ويل مكانتس، وياسين مشربش ومراد الشيشاني، أظهر رثاء الظواهري لبن لادن بوضوح أنّ منصب الأمير قد أصبح له، وخصوصاً بعدما أعاد تأكيد ولائه للملا عمر. لكن التأخر في إعلان مركز الظواهري الجديد يثير بعض الأسئلة المشوقة، وخصوصاً أنّه في بعض الأوساط الجهادية يجب على الأمير أن يعيّن خلال ثلاثة أيام وليالٍ، بعد خسارة القائد السابق.
من دون شك، إنّ متطلبات أمنية كانت عاملاً في التأخير. فإلى جانب الضغط المستمر على القاعدة بسبب الهجمات الجوية بواسطة طائرات بلا طيار، كان مجلسه القيادي سيضطر إلى الاجتماع لبتّ المسألة من دون أن يدرك أنّ وضعه الأمني مهدد، بعد الاستيلاء على أرشيف بن لادن. لكن من الواضح أنّ نظام الاتصالات الخاص بالتنظيم قوي لدرجة أنّ المشاورات حصلت، رغم أنّه لا يمكن استبعاد فكرة أنّ التصريح الذي يؤكد ترقية الظواهري يسيء إلى تمثيل عملية الخلافة.
بالإضافة إلى ذلك، مع تسلم الظواهري منصبه الجديد، يواجه متطلبات أمنية جديدة، وسيضطر إلى التراجع قليلاً عن الدور الناشط والفعال الذي أداه حين كان نائباً للأمير. وبما أنّه يهتم بالتفاصيل كثيراً، قد يجد تلك المتطلبات عائقة لعمله. قد يكون السبب وراء التأخير أنّه كانت هناك حاجة إلى ترسيم أدوار ومسؤوليات جديدة، قد تتضمن اختيار نائب جديد يعلن اسمه لاحقاً.
وقد يكون مجلس قيادة القاعدة قد احتاج إلى إعادة التفاوض على كيفية عمل بنية الزعامة والقيادة والمراقبة، بعدما أصبح الظواهري أميراً. ربما كان ذلك قد تطلب وقتاً، ولم يكن عملية مباشرة. على سبيل المثال، كان المجلس يحتاج إلى تحديد هوية الوسطاء مع الظواهري. كذلك، إنّ أعضاء المجلس ربما كانوا يسعون إلى زيادة شبكات التواصل التي لم يعودوا متأكدين من أنّها لم تخترق، في ظل دأب الولايات المتحدة على استخلاص معلومات مفيدة من الغارة على بن لادن. كذلك هناك توزيع الأدوار والمهمات داخل القاعدة، ففيما يرجَّح تفضيل الظواهري إبقاء الوضع الراهن، فإنّ تقدمه في المناصب يحرم المجلس القيادي الدور القوي الذي أداه وهو نائب لزعيم التنظيم. سيكون للمجلس اليوم مجال أكبر للمناورة واستقلالية، بما أنّ الظواهري سيعتمد على أعضائه، أو واحد منهم (نائب رئيس المجلس) لإدارة الأمور كما كان يفعل. بالتالي، كانت هناك ربما حاجة لتحديد المهمات والأولويات التنظمية الأخرى.
سيكون التنظيم ضعيفاً إذا جرى التخلص من عدد من القادة عبر خلافة بعضهم لبعض. ولأنّ الصف الثاني في التنظيم تعرض لخسائر عدّة، إلى جانب خسارة بن لادن، فربما لجئ إلى قرار لتحديد مسؤوليات المناصب بطريقة أوضح، إذا قُتل عدد من قادة الصف الأول أو اعتقلوا. ربما تطلب ذلك مشاورات طويلة. وفي هذه النقطة تحديداً، قد تكون المشاورات قد امتدت لتشمل كلّ فروع القاعدة، للتأكد من أنّ قنوات الاتصال ستبقى مفتوحة إذا حدثت تغييرات إضافية في القيادة. في هذا المجال، عدم إعلان تعيين الظواهري أميراً لا يعني أنّ آخرين لم يعرفوا بذلك. فمن الممكن أن يكون قد حصل ذلك للتعاطي سرّاً مع التواصل وقضايا القيادة العامة والمراقبة التي تتطلب معالجتها قبل إعلان التعيين.
وبالتالي، رغم أنّه حصل بعض التأخير في إخبار العالم بشأن قيادة القاعدة الجديدة، من المرجح أنّ تلك القضايا الإدارية، مع المتطلبات الأمنية، كانت وراء الانتظار، لا الصراع داخل التنظيم بشأن تعيين الظواهري. إنّ أيّة انقسامات مماثلة، إن ظهرت، ستأتي لاحقاً، حين يبدأ تنظيم القاعدة مرحلة ما بعد بن لادن.

* محللة سابقة في قضايا الإرهاب في الشرطة الفدرالية الأوسترالية، ومحاضرة في قضايا الإرهاب والتمرد

■ ■ ■

تركة ثقيلة



وليم مكانتس *
كان من المتوقع ترقية أيمن الظواهري ليصبح أميراً لتنظيم القاعدة، وخصوصاً بعد تأبينه لأسامة بن لادن الأسبوع الماضي، وقسمه يمين ولاء بالنيابة عن التنظيم لزعيم طالبان، الملا عمر.
الأمير فقط هو من يملك السلطة القادرة على إطلاق تعهد مماثل.
يواجه الظواهري عدداً من التحديّات الصعبة. أولاً، عليه أن يبقى على قيد الحياة. كان بن لادن ينتبه إلى التفاصيل الدقيقة، والذين يشبهونه لا يتركون عادةً وراءهم أدلة، وظهر ذلك من خلال التقارير عن المعلومات التي وجدت في مجمع بن لادن في أبوت آباد. ومرؤوسوه كذلك مختبئون، أكثر من ذي قبل.
كان تنظيم القاعدة وحركة طالبان، في أفغانستان وباكستان، مقيّدَين قبل موت بن لادن، واليوم يضيق الحبل حول عنقيهما.
ثانياً، يجب على الظواهري أن يكون لطيفاً مع الفصائل المختلفة من القاعدة. سيكون من انضم إلى التنظيم قبل الظواهري، أي قبل 2001، قلقاً من أنّه سيقود المنظمة في طريق لن يعجبه. فالعرب الخليجيون، مثلاً، سيقلقون من ألا يبدي لهم الظواهري ومحيطه المصري الاحترام الذي يعتقدون أنّهم يستحقونه.
ثالثاً، ينبغي للظواهري أن يطمئن حلفاء بن لادن في طالبان إلى أنّه لن يضر بمصالحهم. كذلك يجب عليه أن يتأكد من أنّهم لن يسحبوا حمايتهم للقاعدة.
يدل على قلقه من هشاشة التنظيم في أفغانستان وباكستان قسمه الولاء للملا عمر، خلال تأبينه بن لادن. وكذلك، يدل على ذلك قيام ما يسمى «القيادة العامة للتنظيم» بالأمر نفسه، خلال إعلان ترقية الظواهري ليصبح أميراً.
رابعاً، ينبغي للظواهري أن يدير الفوضى في اليمن، كي يستطيع فرع التنظيم هناك (القاعدة في شبه الجزيرة العربية) الفوز.
لقد أتاحت الحرب الأهلية الدائرة في ذلك البلد لـ«القاعدة في شبه الجزيرة العربية» أن يقوم بدور قيادي في الانتفاضة العربية السنّية، بعد أن كان التنظيم على الهامش لشهور. لكن هناك عقبات كبيرة تقف في طريقه. فقد حاول «القاعدة» ذلك في العراق من قبل، وفشل لأنّه لم يعرف كيفية التعاطي مع المتمردين الآخرين، وحلفائهم من العشائر. كذلك، تستغل الولايات المتحدة الفوضى للهجوم على أعضاء في التنظيم، وفق تقارير صحافية، ما يمثّل تهديداً مهماً قد يوقف عمليات المجموعة.
ختاماً، إنّ الظواهري لم يتمتع قط بالمساندة الكبيرة التي حظي بها بن لادن من العديد من الجهاديين، رغم أنّه كان يتمتع بظهور إعلامي أكبر.
المشكلة ليست في أنّ الظواهري لا يتمتع باحترام، هو فقط غير محبوب.
رغم هذه التحديات الشاقة، الظواهري ليس مبتدئاً بدون موهبة. هو ثوري، داعٍ محترف، ومخطط ذكي.
كذلك هو حذر تجاه تهميش أي حلفاء إسلاميين محتملين، وفي الماضي نصح بتجنب الصراع المذهبي وساند قرار بناء تحالفات أكبر.
كذلك لديه حرص وتقدير أكبر لأهمية الاحتجاجات اللاعنفية من بن لادن أو مفكرين آخرين للقاعدة، مثل أبو يحيى الليبي.
سيخدم كلّ ذلك القاعدة جيداً في الشهور القادمة، في الوقت الذي يعاني فيه للتأقلم مع مأساة فقدانه بن لادن ونتائج الثورات العربية.

* مؤسس موقع «jihadica» الإلكتروني،
وباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية التابع لـ«Center for Naval Analyses»