عذراً أيّها الأحبّة !
في هذه اللّحظات يقبع عاطف وريدات وحيداً في سجن عسقلانَ تائهاً عن عالم تغيّرَ كثيراً في غيابه ..مريضٌ هو لا دواء و لا أطبّاء و لا أمل له بالنجاة.. وحيدٌ هو لا أحبّةَ و لا سرير دافئاً في الجوار.. شهيدٌ هو قتلناهُ مراراً حين غيّبناه ورفاقه عن ذاكرة لا تحمل من العروبة سوى نقائصها.. غريبٌ هو فنحن السّجّانون ونحن التّائهون بلا هويّة ولا حلم و لا انتماء..
في هذه اللّحظات يعاني ميسرة أبو حمديّة آلاماً لا نشعر بها.. فنحن لم نعد ننتمي إلى فلسطين ولا إلى قوميّة عربيّة، وصُحُفنا التي احترَفَت الحقد واغتيال كلّ ما هو مقاوم وعروبيّ ممانع خيرُ شاهد على خطايانا وخطاياها.. في هذه اللّحظات يتوه يوسف سكافي في ذاكرته وحيداً عابراً الألم ليحتضن طفلته عبير، التي سقطت شهيدة الحزن على أبيها الأسير.. فهي الآن تختصرُ الوطن كلّه.. ونحن نختصر غربة هذا الوطن!
في سجون الاحتلال القاسية من عسقلان إلى بئر السّبع إلى نفحة إلى تلك السّجون السّريّة المُخصّصة للتّعذيب، التي مرّ بها الكثير من أسرانا، الذين غيّبناهم عن ثقافتنا.. فأصبحنا منذ نسيناهم أمواتاً و أصبحوا منذ قتلناهم أحياءً لا يموتون.. في هذه السّجون التي ناضلوا فيها كيّ ينالوا أبسط حقوقهم ..شَهِدَتْ الجدران آلامهم وإضراباتهم و موتهم وثوراتهم التي لم نأبه بها يوماً ..هنا حيث يمتدُّ ظلّ سمير القنطار شاهداً حيّاً وتطوف روح الشّهيد عمر القاسم أبيّةً وينتظر مروان البرغوثي طويلاً ..هنا حيث ما زال صوت الحاج أبو علي مصطفى الدّيراني يصدحُ في ضميرِ كلّ شريف على هذه الأرض.. تُسلَب الحقوق مرّة أخرى، ويُمنع أسرانا من مقابلة أقربائهم، ويُحرمون الطبابة وتأمين الأدوية اللّازمة لهم.. دون أن نسمع في زمن الدّجل الصّحافيّ وانهيار الأقلام والمؤسسّات الإعلاميّة أيّ صوت عربيّ يندّد بهذه المجزرة المتجدّدة بحقّ أسرانا.. ولعلّ إضرابهم الأخير كان محاولة يائسة منهم لإسماعنا نحن الصّمّ المنتشرين في هذا الوطن الطّائفيّ اللّاعروبيّ، في الوقت الذي يشهد فيه الكيان الغاصب دعوات شعبيّة ورسميّة كبرى لمشاركة جلعاد شاليط معاناته في الذكرى الخامسة لأسره كأنّه بطلٌ قوميٌّ لا يتكرّر!
عذراً أيّها الأحبّة، فنحن منذ أسرناكم في زنازين النّسيان أصبحنا شعوباً لا تستحقّ الحياة..
ونحن منذ غيّبنا القدس عن صفحاتنا وتواطأنا على قتل العروبة وهدم آخر قلاعها الصّامدة أصبحنا شعوباً لا تستحقّ الحياة..
عذراً، فجدران عسقلان على قسوتها وبرودتها لهي أرحم عليكم من أفئدتنا.. تلك التي فقَدَتْ كثيراً من الدّفء والإيمان والعروبة والانتماء..
ناتالي ميني