يصادف بعد يومين مرور عشر سنوات على اعتداءات 11 أيلول 2001. تاريخ كان مفصلياً، إذ مثّل دافعاً للحرب العالمية على الإرهاب، لرد اعتبار الولايات المتحدة بعد الهجمات. نظريات عدّة برزت في السنوات الماضية، منها ما يتهم إسرائيل بالوقوف وراء الهجمات، بتنسيق مع واشنطن، ومنها ما يؤكد تورط القاعدة، لكن بمعرفة أميركية مسبقة. الأميركيون اليوم يقوّمون العقد المنصرم والسياسات التي اتبعتها إدارتا جورج بوش الابن، وسلفه باراك أوباما، وخصوصاً مع التجاوزات التي طاولت حقوق الإنسان باسم مكافحة الإرهاب. بعضهم يريد أن ينسى ويتابع حياته، فيما آخرون لم يشفوا غليلهم بعد من الانتقام، ويرون أنّ هناك رؤوساً عربية وإسلامية لا تزال تنتظر يوم الحساب

دحض الأساطير الخمس



براين مايكل جنكنز *
نتذكر جميعاً أين كنّا في الحادي عشر من أيلول 2011، حين شن تنظيم القاعدة هجماته المريعة على الولايات المتحدة. في العقد الذي مضى منذ حصول ذلك، لم تتمكن اللجان والكتب والأفلام والتقارير إنهاء سوء الفهم حيال ما عنته أحداث 11 أيلول، ورد فعل أميركا، وطبيعة الخطر المستمر. مع اقتراب موعد ذكرى الاعتداء، دعونا نعالج بعض أبرز الأساطير المتعلقة بها.

أولاً: حصول 11 أيلول لم يكن وارداً

في 2002، وصف البيت الأبيض 11 أيلول بأنّها «نوع جديد من الاعتداءات لم يتوقعه أحد». هو رد فعل مفهوم نظراً إلى هول المفاجأة ربما، لكن الحقيقة أنّ احتمال اصطدام طائرات مخطوفة بمبان، لم يكن غريباً أو غير متخيل قبلاً. تعود الفكرة إلى عام 1972، على الأقل، حين أطلق خاطفون، خلال حادث محلي طال أمده، النار على مساعد الطيار خلال رحلة لإحدى طائرات «ساذرن إيروايز»، وهددوا بجعلها تصطدم بالمنشأة النووية في مدينة «أوك ريدج» في ولاية تينيسي الأميركية.
بعد تفجير 1993 في برج التجارة العالمي، رأى فريق مستشارين (وأنا منهم) وظفتهم إدارة البرج لدراسة تهديدات مستقبلية له، وجود إمكان اصطدام طائرة بأحد البرجين. في 1994، قيل إنّ خاطفي طائرة تعود إلى «إير فرانس» فكروا في جعلها تصطدم ببرج إيفيل. كذلك اكتُشفت خطة إرهابية في 1995، يشارك فيها رمزي يوسف، أحد مفجري برج التجارة في 1993، وفيها احتمال صدم طائرات محملة بالمتفجرات بمركز وكالة الاستخبارات الأميركية.
لكن أحداث 11 أيلول حوّلت تصوّراتنا إلى ما هو معقول. بدت خطط الإرهابيين بعيدة في 10 أيلول 2001، وأصبحت افتراضات واقعية في اليوم التالي. حتى الشك واحداً في المئة كان كافياً لمعالجة التهديد بجديّة. عززت تلك البيئة الخالية من الشك المخاوف العامة والنفقات الأمنية. في الوقت نفسه، نفذ الإرهابيون اعتداءات اكثر توقعاً، ولا تتطلب تقنيات عالية على محطات القطار.

ثانياً: الهجمات كانت نجاحاً استراتيجياً للقاعدة

كانت الاعتداءات نجاحاً تكتيكياً، وخصوصاً أنّها كانت جريئة وغير مسبوقة، لكنّها ايضاً كانت سوء حساب استراتيجي.
في عيون أسامة بن لادن، كان الولايات المتحدة قوّة فارغة. رغم قوّة الدولة العسكرية الظاهرة، كان يعتقد أنّ الأميركيين لا يتمتعون بالشجاعة لتحمل الخسائر، وسيجبر اعتداء إرهابي كبير على الأراضي الأميركية واشنطن على الخروج من الشرق الأوسط. في فتواه التي تعود إلى 1996 حين أعلن الحرب على أميركا، قال بن لادن إنّ الولايات المتحدة سحبت قواتها من لبنان إثر تفجير المارينز في 1983 في بيروت. وفي 1993، بعد مقتل 18 جندياً اميركياً في يوم واحد في مقديشو في اعتداء أعلن القاعدة مسؤوليته عنه، خرجت واشنطن بسرعة من الصومال.
لم يوافق العديد من قادة القاعدة على ذلك، وتوقعوا أنّ واشنطن ستركز إذا غضبت على المجموعات الإرهابية وحلفائها، لكن بن لادن استمر في خطته. حين فعلت الولايات المتحدة تحديداً ما حذر منه الآخرون، غيّر بن لادن خطابه، وقال إنّه كان ينوي منذ البداية استفزاز واشنطن لشن حرب ستؤلب كل المسلمين ضدها. لم يحدث ذلك أيضاً.

ثالثاً: واشنطن بالغت في ردّ فعلها

خلال العقد المنصرم، كانت الأراضي الأميركية هدفاً لاعتداءات إرهابية أقل من أي عقد مضى، منذ الستينات، مما يجعلنا نرى أن 11 أيلول ضربة إرهابية موفقة، وأن رد الفعل الأميركي عليها مبالغ به.
لكن، وقتها، لم يكن أحد يعرف عدد الهجمات الآتية. كان المطلوب رد فعل آنياً لتدمير المجموعة الإرهابية المسؤولة عن 11 أيلول. لم يكن ممكناً لأي إدارة، جمهورية كانت أو ديموقراطية، أن تنتظر لترى إذا كانت الاعتداءات خارجة عن المألوف. عنى ذلك تحسين الاستخبارات، وزيادة الأمن في الداخل، واستخدام القوة العسكرية في الخارج، وهي الطريقة الوحيدة التي كانت ستمكّن الولايات المتحدة من تدمير مخيمات تدريب القاعدة وإحباط مخططات أخرى.
لم يكن اجتياح العراق ردّ فعل مبالغاً فيه على أحداث 11 أيلول. كانت حرب العراق قراراً استراتيجياً اتخذته إدارة بوش لإطاحة حكومة معادية وخطر محتمل. حقيقة أنّ الاجتياح صُوّر كأنّه من ضمن الحرب الكونية على الإرهاب (من أجل الحصول على مساندة محلية) لا تجعله كذلك. في الحقيقة، كانت الحرب إنفاقاً كبيراً للموارد الأميركية بعيداً عن محاربة الإرهاب، وسبباً للقاعدة كي تجند المزيد من العناصر.

رابعاً: لا يمكن تجنب اعتداء إرهابي نووي

بعد 11 أيلول بوقت قصير، أفاد مصدر لوكالة الاستخبارات المركزية يدعى «دراغون فلاي» أنّ إرهابيي القاعدة هرّبوا سلاحاً نووياً إلى نيويورك. تبيّن أنّ المصدر مخطئ، لكن في أعقاب 11 أيلول أصبحت قدرات القاعدة النووية هوساً. رغم معرفة أنّ كوريا الشمالية تمتلك سلاحاً نووياً، والشك في برنامج إيران النووي، فإنّ مدير «سي آي إيه» في 2008 مايكل هايدن رأى أن القاعدة هي مصدر «قلق الوكالة النووي الأول».
لكن في الوقت الذي يوافق فيه الجميع على أنّ قادة القاعدة يمتلكون طموحات نووية، ليس هناك أي دليل على أنّ التنظيم امتلك يوماً قدرات نووية. لقد حوّل الخوف القاعدة إلى القوة الإرهابية النووية الأولى في العالم، رغم أنّ التنظيم لا يمتلك أي رأس نووي. ذاك درس في الطريقة التي يعمل بها الإرهاب.

خامساً: تراجعت الحريات المدنية الأميركية بعد الاعتداءات

قلق المنادون بالحريات المدنية من أن تؤدي أحداث 11 أيلول إلى قيود تشبه تلك الموجودة في الدول البوليسية، تطاول الحريات الفردية في الولايات المتحدة. على العكس، بقي الدستور قائماً، في الوقت الذي سلكت فيه الحكومة طريقاً وسطياً. رُفض مبدأ التوقيف الاحتياطي للمتهمين بالإرهاب، وهي ممارسة منتشرة في دول ديموقراطية عدّة. احتجزت الحكومة خوسيه باديلا، وهو مواطن أميركي وعنصر في القاعدة، باعتباره «مقاتلاً عدواً»، لكن قضيته وصلت لاحقاً إلى المحكمة. زادت جهود الاستخبارات محلياً، لكن الكونغرس رفض فكرة فصل الاستخبارات المحلية في جهاز مختلف. لكن دُفعت السلطات المحلية إلى اتخاذ إجراءات احترازية ضد الإرهاب، عوضاً عن اعتماد مقاربة تطبيق القانون التقليدية. أُعطيت السلطات الفدرالية المزيد من الحرية في فتح ملفات قضايا مرتبطة بالإرهاب، وبدأ مكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي) آلاف التحقيقات. لم يكن مفاجئاً أن تؤدي نسبة قليلة جداً منها إلى محاكمات.
أدت هجمات 11 أيلول إلى بعض التوسع في السلطة التنفيذية، وخصوصاً في تخطي الإجراءات التي وضعت في 1978 للتأكد من حصول المحققين على إذن قضائي لإجراء مراقبة إلكترونية. لم يقبل الكونغرس طلب إدارة بوش مراقبة الخطوط الهاتفية بدون إذن قضائي، وفي 2008 عاد الإشراف القضائي، لكن ليس على نحو قوي كما كان الأمر سابقاًً.
فشلت القيم الأميركية بفرض نفسها في مسألة معاملة المقاتلين الأجانب، والمتهمين المعتقلين في الخارج، ممن احتُجزوا في سجون سرية، وسُلموا إلى دول عذبتهم، وفي بعض الأحيان تعرضوا لتحقيق قسري يعادل التعذيب على أيدي أميركية.
* عن صحيفة «واشنطن بوست»

■ ■ ■

العهد المستمر



روس دوثات *
مات أسامة بن لادن. كذلك مات صدام حسين، وأبو مصعب الزرقاوي، والعديد ممن شغلوا منصب الرجل الثالث في تنظيم القاعدة. ينتظر خالد الشيخ محمد محاكمته أمام القضاء العسكري. جورج بوش الابن في مزرعته، وديك تشيني يجول للترويج لكتابه، وحتى الجنرال ديفيد بترايوس لم يعد جنرالاً، بعد أن قايض نجومه بمنصب مدني على رأس وكالة الاستخبارات المركزية. لكن بعد عشرة أعوام على سقوط البرجين التوأمين، لا نزال نعيش في عهد 11 أيلول. لقد تغيّرت الأسماء والوجوه، وغيّر البيت الأبيض ساكنيه، وأشاحت البلاد بأنظارها عن حروبنا البعيدة، لتركز على الأزمة الاقتصادية في الجبهة الداخلية. لكن السياسة الخارجية الأميركية لا تزال تُعرَف من خلال خيارات قادتنا، والأهداف التي وضعوها نصب أعينهم، فيما كانت الأرض تحترق في نيويورك. مقاربتنا للعالم تغيّرت جذرياً بسبب 11 أيلول، ولا شيء مما حدث مذّاك أزال تلك التحوّلات.
جزء من ذلك التحوّل كان تكتيكياً: انقلاب من مقاربة مكافحة الإرهاب التي تعتمد على العدالة الجنائية أي التحريات، والتوقيفات والمحاكمات الناجحة، إلى مقاربة حربية تفضل التوقيف، التحقيق والاغتيال. الجزء الآخر كان استراتيجياً: قرار بأنّ أمن أميركا القومي يتطلب الترويج للديموقراطية في العالم الإسلامي ــ بواسطة القوة والسلاح إذا تطلّب الأمر ــ عوض القبول بنوع من الاستقرار وعد به عدد من المستبدين.
ذانك التغييران منحانا سياسات إدارة بوش الأكثر إثارة للجدل، من سجن غوانتنامو و«تسليم المتهمين»، إلى اجتياح العراق وجهد بناء الدولة الذي تلاه. بعض تلك السياسيات انتهت في عهد بوش الثاني. (اختفت تقنية الإغراق في التحقيقات، ولم تعد هناك حروب نختارها بملء إرادتنا). لكن التغييرات العامة بقيت.
لقد استمر الأمر في ولاية أوباما أيضاً، رغم وعود حملته الانتخابية. لا نزال نخوض حرباً ضد المجموعات الإرهابية، مع توقيفات أبدية، وهجمات طائرات بدون طيار، وعمليات حربية أغضبت مناصري الحريات المدنية في عهد بوش. في الوقت نفسه، شهدت ولاية أوباما الأولى توسيع جهود بناء الدولة في أفغانستان، وعملية تغيير النظام في ليبيا، واحتمال بقاء أثر عسكري أميركي دائم في العراق، والاعتماد المتدرج، خلال الربيع العربي، لخطاب بوش الخاص بأجندة الحرية.
السؤال المطروح هو عن الاستمرارية تلك، وهل هي دليل على نجاح أو مثل على الانحياز إلى سياسية «استمرار النهج» التي تجنح لها معظم الحكومات. هنا يمكننا أن نطرح نسخة جديدة من سؤال رونالد ريغان الشهير: هل نحن أفضل مما كنّا عليه منذ عشر سنوات؟
يمكننا الإجابة بنعم في ما يتعلق بجبهة مكافحة الإرهاب، إذ استطاعت حربنا الخفية خفض قدرة أعدائنا على أذيتنا بطرق لم تنجح جهودنا في تحقيقها قبل 11 أيلول 2001.
هناك أثمان أخلاقية كبيرة لسياسة تعتمد على اغتيالات أصبحت روتينية، وإيقاف أشخاص بدون محاكمة. لكن 10 سنوات بدون أي اعتداء مهم، ومقتل أسامة بن لادن، والتراجع المستقر للقاعدة ومنظماته المتفرعة عنه، ليست إنجازات يعتدّ بها كثيراً. ستكون الولايات المتحدة دوماً ضعيفة أمام الإرهابيين، لكن في العقد الذي مضى، منذ خدعنا فريق محمد عطا من الخاطفين، استطاع جواسيسنا وفرق النخبة العسكرية ومحققونا أن يحسّنوا حظوظنا كثيراً.
لكن على الجبهة الاستراتيجية، من الصعوبة بمكان المحاججة في أنّ موقع أميركا الجيو سياسي أقوى ممّا كان عليه قبل عشر سنوات.
بعض الضعف ذاك لم يكن ممكناً تلافيه: لم يكن ممكناً لسيطرتنا الخارقة بعد انتهاء الحرب الباردة أن تدوم إلى الأبد، وصعود قوى منافسة هو ظاهرة يجب التعامل معها بحكمة عوض مقاومتها. لكن محاولاتنا لتغيير العالم الإسلامي بعد 11 أيلول كلّفتنا تريليونات من الدولارات وآلاف الضحايا، وأكسبتنا عراقاً محرراً يدور في فلك التأثير الإيراني أكثر من تأثيرنا، وحرباً أفغانية ترتفع فيها الخسائر الأميركية باستمرار، وربيعاً عربياً يهدّد بحصار إسرائيل بالأعداء، وشرق أوسط تتراجع فيه لائحة أسماء الحلفاء الذين يمكن الاعتماد عليهم.
لا تشمل تلك اللائحة الحقائق المضادة (الوضع السيّئ الذي سنكون فيه لو كان صدام لا يزال في السلطة، على سبيل المثال). كذلك لا تشمل الفوائد الطويلة الأمد للترويج للديموقراطية.
لكن بعد عشر سنوات من الخلاف، لسنا في نطاق قريب المدى بعد الآن. قولنا إنّه كان يمكن الأمور أن تكون أسوأ، لا يغيّر حقيقة أنّ استراتيجيتنا الكبيرة لما بعد 11 أيلول ارتبطت باضمحلال مستقر لمركز أميركا في العالم.
في ذلك النطاق، حقيقة أنّ الرئيس أوباما أبقى الولايات المتحدة متورطة في احتلالات وتدخلات في العالم الإسلامي ليس دليلاً على أنّ استراتيجيتنا تعمل. ما يحدث هو دليل على أنّه لا يعرف كيف يخرجنا من مستنقعنا.

* عن صحيفة «نيويورك تايمز»

■ ■ ■

ماذا لو لم يقع الاعتداء؟





نيال فرغسون *
هل كان العالم مختلفاً جداً لو لم يحدث هجوم 11 أيلول؟ ماذا كانت النتيجة لو أحبطت الهجمات قبل حدوثها؟ الإجابة الوحيدة المنطقية هي أنّ الأميركيين سيهتمون بباقي دول العالم أقل بكثير مما يفعلون اليوم.
عشية الدمار الكبير، في بداية أيلول 2001، كان 13 في المئة فقط من الأميركيين يعتقدون بأنّ على بلادهم أن تكون «قائد العالم الوحيد». وأقل من الثلث فضّلوا رفع نفقات الدفاع. من المنطقي أن تكون الأرقام مرتفعة أكثر اليوم، أليس كذلك؟
كلا. وفق آخر إحصاءات الرأي، يظن 12 في المئة فقط من الأميركيين اليوم أنّ على بلدهم أن يكون القوّة العظمى الوحيدة، تقريباً العدد نفسه عشية الاعتداءات. في المقابل، انخفض عدد الأميركيين الذين يريدون رفع نفقات الأمن القومي إلى 26 في المئة فقط. على نحو متناقض، يبدو الأميركيون اليوم أقل اهتماماً بالعالم الخارجي مما كانوا عليه قبل سقوط البرجين. في السنوات العشر الأخيرة، أطاحت الولايات المتحدة، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ثلاث حكومات في العالم الإسلامي. لكنّ الأميركيين يشعرون اليوم بأنهم أقل قوّة مما كانوا عليه قبل عشر سنوات. في 2001، أكثر من الربع بقليل من الناس كانوا يشعرون بأنّ الولايات المتحدة «لديها دور أقل أهمية كقوّة عالمية مقارنة بما قبل عشر سنوات». الإحصاءات الأخيرة رست عند 41 في المئة.
هناك ثلاثة تفسيرات لذلك. أولاً، استخدام القوّة في الخارج كان أصعب في الممارسة، مما كان على الورق في نظرية المحافظين الجدد. ثانياً، أحبطت الأزمة المالية نفسية الأميركيين. ثالثاً هناك احتمال بأنّ 11 أيلول لم يكن لديه ببساطة تأثير كبير على الرأي العام الأميركي.
لكن استنتاج أنّ 11 أيلول لم يغيّر الكثير هو سوء فهم للسيرورة التاريخية. العالم هو مكان معقّد كثيراً، وأقل تغيير يطرأ على شبكة الأحداث قد يؤدي إلى نتائج هائلة. الصعوبة هي تخيّل تلك النتائج.
اذاً، دعونا نمارس لعبة تشبه سيناريو إلكتروني متخيّل يعمل عليه مطوّرو البرامج في شركة «مازي لاين سوفتوير» اسمه «فوضى العالم الجديد». تتدخل اللعبة بتفاعلات الاقتصاد والسياسة والعلاقات الدولية المعقدة، وتسمح لنا بإعادة صياغة الماضي.
دعونا نبدأ في كانون الثاني 2001، ونقول إنّ كوندي رايس وبول وولفوفيتز صدقا تحذيرات ريتشارد كلارك حول القاعدة. تبدأ اللعبة بشكل جيّد، إذاً. هكذا يقطع رأس القاعدة على نحو استباقي، ويعتقل قادتها في سلسلة عمليات متخفية، ويوضعون تحت رحمة حكوماتهم في بلادهم الأم. يتمكن الرئيس بوش من التركيز على الخفوضات الضريبية، وهي حبّه الأول.
لكن، بعد ثلاث سنوات، تظهر إلى العلن تفاصيل تلك الخطة، في الصفحة الأولى لصحيفة «نيويورك تايمز». المرشح الديموقراطي للرئاسة، جون كيري، يشجب «التصرف الإجرامي» الذي قامت به إدارة بوش. يثور النقاد الليبراليون. المواطنون الأميركيون، يصابون بصدمة من تصرف حكومتهم، وخصوصاً أنّ 11 أيلول لم يحدث، ولم يؤثر عليهم. يصدر أسامة بن لادن بياناً قاسياً جداً من سجنه في السعودية. يطلق ذلك موجات من العنف الشعبي في الشرق الأوسط، تطيح أي نظام يعدّ قريباً جداً من واشنطن.
تختفي حكومة قطر، والكويت، والسعودية خصوصاً. يظهر الخبراء على شاشات التلفزة ليخبرونا أنّ الثورة المتطرفة ضد الأنظمة النفطية المدعومة من الولايات المتحدة تتهيّأ منذ سنوات (حتى لو لم يتمكنوا من توقعها مسبقاً). يسأل كيري «من خسر الشرق الأوسط؟»، متهماً الرئيس جورج بوش الابن. (هل تذكرون قبل 11 أيلول فضّل بوش خفض الالتزام الأميركي خارج البلاد). يربح الديموقراطيون انتخابات 2004، وسرعان ما تصبح السفارة الأميركية في الرياض رهينة لدى «الجمهورية العربية المسلمة» التي أسسها بن لادن.
بعبارات أخرى، لو حدثت الأمور على نحو مختلف قبل عشر سنوات (أي لا هجمات 11 أيلول ولا اجتياح انتقامي لأفغانستان والعراق) لكنا اليوم نعيش الشتاء الإسلامي عوض الربيع العربي.
ممارسة لعبة التاريخ بدون 11 أيلول تؤكد أنّ التأثير الحقيقي للهجمات لم يكن على الأميركيين، بل على بلاد المعتدين أنفسهم.

* عن صحيفة «دايلي بيست» الإلكترونية