«الإسلام هو الحل». «كلّهم» يتحدثون باسمه، وعن وجوب تطبيقه، ولم يلحظ معظمنا أنّ آراءهم فيه مُتناقضة. لا نتحدث هنا عن تباين مفاهيم الإسلام ولا تنوّع، وربما تصادم، مفاهيم مذاهبه وطوائفه، إلى درجة تدفع إلى الحديث عن «إسلامات»، لا عن إسلام واحد. نتحدث عن تنظيم يُفترض أنّه متماسك إيديولوجياً هو الإخوان، لكنّه في حقيقته «إخوانات» متباينة. تباين لا يبدأ فقط بـ«شكل» الحجاب، الذي غاب عن رؤوس زوجات وأخوات وبنات «مرشدين»، ولا ينتهي بالموقف من المُحتل. ودائماً، ومع كلّ «تلوّن» بتدرجاته، تُستدعى الأسانيد «الشرعية» لتُوظف. عن التنظيم الأكبر «إعلامياً»، نتحدث عن الإخوان المسلمين. في خطابهم ومواقفهم، على كلّ الصعد، تلوّن يصل إلى حد الانتهازية الصادمة. مع «الجندر» رأينا، في تموز/ يوليو 2008، «امرأة» تترأس اللجنة التحضيرية لأول مؤتمرات حزبهم في موريتانيا، لتظل «واجهة» الجماعة شهوراً عدّة، وينادونها «الرئيسة». وفي المغرب 3 فصائل: الجماعة الأقدم تقودها ابنة مراقبها العام، وفي مجلس شورتها ثمانية نساء. وفي تونس، تعهد شيخهم راشد الغنوشي احترام مجلة الأحوال الشخصية الشديدة التقدمية، وبالمساواة «التامة» بين الجنسين.هذا في المغرب العربي، أما في المشرق، فقد وصلنا مع حماس إلى تحريم استشهاد النساء «بدون محرم»، ولـ«تقنين» نظام المطاوعة. أما مع الحركة الدستورية في الكويت، فنحن أمام الطعن قضائياً في الانتخابات، لمجرد ترشح «سافرات» فيها. وفي مصر، يرفض الإخوان تولي المرأة القضاء والرئاسة و«ياريت تقعد في بيتها»، وبالطبع هي مُغيبة عن قيادة الجماعة. على الهامش، هناك تلوّن ثقافي «أصغر»، فغالبية قيادات الإخوان في مصر، تربي أولادها في مدارس وجامعات أجنبية، بينما خطابهم لقواعدهم يعدّها غزواً ثقافياً، وأحياناً صليبياً، ويقاتل ضد أي تطوير للمناهج ويُدعم بقاء التعليم الأزهري على حاله المتردي. فصائل سوريا والمغرب العربي تقبل بدولة «مدنية»، ولو قادها «شيوعي أو ملحد»، كما يطيب لهم التوصيف. في مصر، هدد محاميهم (صبحي صالح) بالسعي إلى عودة حسني مبارك إذا أُقرت المبادئ الحاكمة للدستور التي تحمي «مدنية» الدولة. وقبله، تحدث أحد مرشحي الإخوان في انتخابات 2006 عن «إحياء الجزية»، ليذكرنا بتصريحات أقدم لمرشدهم مصطفي مشهور عن الجزية وخدمة الجيش. والأمين العام للجماعة، يهدد غير المسلمين القادمين إلى «ديار الإسلام/ مصر» للسياحة: «أسلم... تسلم». وهم بالطبع يرفضون ترشح المصري القبطي للرئاسة.
في البحرين، ينشط الإخوان في تجنيس السُّنة ضد مواطنيهم الشيعة، وستجد في قائمة فضيحة التخابر الشهيرة المعروفة بـ«البدر» صحافيين مصريين، أبرزهم «كاتبهم الأشهر»، حتى إنّ شقيقه الأكاديمي تجنس على خلفية طائفية. وأما حماس، فهي تحمي من يفجرون مكتبات المسيحيين ومدارسهم، وتطلق سراح مُفجريها بعد «يومين مُناصحة»، فأكثر من مُفجر خرج من معطفها. وضعت حماس خصومها السياسيين في خندق واحد مع «كفار قريش»، معتبرة انقلابها فتحاً ثانياً لمكة، وعلى تقدير «انتصار الأيادي المتوضئة» كما يقول الغنوشي، وهو على فكرة أكثرهم تقبلاً للآخر! فيما تحالف إخوان لبنان (الجماعة الإسلامية) مع فصيلين مسيحيين هما الأكثر عداوة للعروبة، وقرباً لإسرائيل.
«إمارة غزة» تجربة دالة، فـ«ديموقراطية البنادق» لم تصل إلى الاقتتال الجماعي، رغم امتلاء ساحة المقاومة بلاعبي الاستخبارات العربية والأجنبية. حماس وحدها حينما اعتقدت، عن سذاجة، أنّها وصلت لـ«التمكين»، قاتلت كل مواطنيها، من جيش الإسلام، شريكها في الانقلاب وفي خطف جلعاد شاليط، إلى الجهاد الإسلامي والجبهتين الشعبية والديموقراطية وكتلة فتح «غير الدحلانية» التي يقودها أحمد حلس، والمُتهمة رسمياً من رام الله بالتواطؤ مع انقلاب حماس. هكذا جددت سيرة الآباء المؤسسين لها، إخوان الأردن، حينما شاركوا في ذبح المقاومة في «أيلول الأسود».
بالمناسبة، إعلان تأسيس الذراع العسكرية لحماس، تزامن مع حسم الميثاق الفلسطيني، الذي صاغه محمود درويش، لعلمانية دولة فلسطين/ الحلم.
قبل إرهاصات انقلاب غزة، كانت الجماعة شريكة لعقود في حكم الأردن وقبلها «مملكة» العراق. الطريف أنّ موقف إخوان بغداد من ثورة عبد الكريم قاسم كان موقف الجماعة الأم نفسه من ثورة تموز/ يوليو. والأطرف أنّ الحوار الذي دار بين عبد الناصر والمرشد الثاني حسن الهضيبي حول «تديين المجتمع» هو نفسه الذي دار بين مؤسس إخوان العراق، محمود الصواف، وبين قاسم.
الآن للجماعة حكم كامل في «شمال السودان» و«شطرة» من فلسطين 67، وما بقي من الصومال. وهي كذلك شريكة في حكم أفغانستان والعراق والجزائر، وفي المغرب منذ منتصف الستينيات، و«داعمة» لحكام البحرين واليمن، وفي مصر مبارك «حين حاجته لها».
إقليمياً، لن تنتقد الجماعة «أبداً» حكام الخليج، ولن تجد لها وجوداً «تنظيمياً» في السعودية أو قطر. إلى الأخيرة، فرّ زوج ابنة المرشد مهدي عاكف من خدمة الجيش، وإليها أُرسلت العروس. حتى ما قبل انتقال الربيع العربي لسوريا، انفرد إخوان لبنان بمعاداة دمشق، بينما تحالف معها إخوان العراق. هي ذاتها دمشق التي تحتضن إخوان غزة. قبلها كان إخوان سوريا يتحالفون مع صدام، أثناء ذبحه لإخوان العراق. أبرزهم، حتى 3 سنوات مضت، طارق الهاشمي، كان في الكويت حين غزاها صدام، يقود فرعاً إقليمياً لشركة نقل تملكها استخبارات بغداد. مع الحصار فرّ إلى لندن ونال جنسيتها، ثم أصبح مندوباً لبرنامج الغذاء العالمي في أبو ظبي.
مع غزو صدام، قاطع إخوان الكويت الجماعة الأم لموقفها «المائع/ المؤيد» من صدام. قبل عامين، نسي إخوان الكويت خلافاتهم مع «الأم»، لينضموا إلى «هارموني» (انسجام) التنظيم الدولي، من تركيا إلى الجزائر. وعُقدت هدنة بين نظام الأسد وإخوان سوريا، وعرف إخوان مصر التظاهر «القومي».
انسجام كان له هدف واحد هو إنقاذ «إمارة غزة»، فلم يتحرك أحد منهم، نهائياً، ضد مذابح سابقة طالت الفلسطينيين، لا ضد «السور الواقي» ولا ضد حصار عرفات.
في خطاب توليه، يُشدد المرشد الثامن للإخوان في مصر، محمد بديع، على عداء الجماعة للمشروع الصهيوني الأميركي في «أفغانستان والعراق والسودان والصومال وفلسطين ولبنان»، وعلى دورها «المقاوم» فيها، هكذا، كتلة واحدة.
عداء «كوميدي»، فإخوان العراق عادوا إلى الوطن على دبابة أميركية، ووصلوا إلى منصب نائب الرئيس بصفقة «علنية» مع حاكم العراق السابق بول بريمر، وبرعاية «علنية» من يوسف القرضاوي. وهاجمهم مقاومو الاحتلال الأميركي بوصفهم «عملاء للاحتلال». وأيضاً بصفقة علنية وبرعاية القرضاوي، وصلوا إلى حكم الصومال، تحت حماية واشنطن.
وفي السودان، توافقوا مع واشنطن على «قسمة» الوطن إلى شمال وجنوب، للبقاء في الحكم. الطريف أنّ مراقبهم العام في الخرطوم يفخر بحملته على «تطعيم الأطفال»، بوصفها مؤامرة «يهودية/ صليبية». وهم في سوريا ولبنان، متحالفون بطريقة متفاوتة مع أميركا/ الغرب، ومعهم إخوان الأردن، حتى انضمام حماس المتأخر إلى المقاومة. وإخوان سوريا تعهدوا تفاوضاً مباشراً مع إسرائيل حال وصولهم إلى الحكم. والجماعة دعمت تاريخياً النظامين الملكيين في المغرب والأردن، بعلاقتهما «العضوية» مع تل أبيب وواشنطن. إخوان حماس يقاتلونها، ويرسلون إليها إشارات متباينة، وإخوان مصر يتفاوضون معها ولمؤسسهم علاقة تاريخية بها. وبينما يمتدح مهدي عاكف بن لادن، يقاتل إخوان أفغانستان طالبان، بعد أن انضموا إلى حكم البلاد مع الغزو الأميركي. تماماً كما أيد إخوان الجزائر الانقلاب على فوز جبهة الخلاص الأصولية، بدعم غربي. وفي تجربتهم الأنجح، تركيا، يرصد الدكتور مصطفى اللباد أنّ الانضمام إلى حلف الأطلسي والاعتراف بإسرائيل واتفاقيات القواعد الأميركية، وتوقيع الاتفاقية التمهيدية للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في «كنيسة»... إلخ، كلّها تمت في عهود حكومات تُوصف بأنّ «جذورها إسلامية». توقفنا عند «كنيسة»، لأنّهم كانوا قبلها يزايدون «دينياً» على حكومات «علمانية» تفاوضت للغرض ذاته في المكان ذاته. تلوّنهم يتحوّل إلى خلافات «حين يأتي موعد اقتسام الكعكة». السودان مثالهم الأوضح، ولا يقتصر الأمر على انشقاق حسن الترابي. وفي الجزائر، ثلاثة أحزاب إخوانية اتفقت على التمديد لرئاسة بوتفليقة لمدد مفتوحة، لكنّها تتقاذف في ما بينها اتهامات الفساد. وفي المغرب حزبان وجماعة. وفي العراق، تنظيم سُني وآخر كردي، وها هي مصر تقترب من خمسة أحزاب إخوانية.
السؤال: لماذا لا يقولون: «مفهومنا للإسلام... كذا»، ما دام «إسلامهم» بتلك القدرة الزئبقية على التلوّن؟
إنّها السياسة إذاً، لا الدين. هم «مُوظِّفون» له، معهم يتحوّل الإسلام إلى إسلامات.
* المدير العام لتحرير يومية «الحرية»
المصرية (قيد الصدور)