أمام كل ما يحدث من تطورات في العالم العربي، وفجأة، قرر مجلس التعاون الخليجي الموافقة على طلبي انضمام الأردن والمغرب إلى المجلس. وفي اجتماعات متتالية، وضعت خطط الانضمام ومراحلها، والمساعدات المالية لتنفيذ بعض التغييرات والقيام ببعض الإجراءات التي تؤهل كلاً من البلدين للانضمام.لماذا الأردن والمغرب بالتحديد؟
تقدم الأردن سابقاً بطلب من هذا النوع، ورُفض في حينه، أما الطلب الحالي، فتناقلت بعض المصادر أنّ المجلس هو من شجّع المملكة الهاشمية على تقديمه، وأنّ الموافقة مضمونة والإجراءات ستكون سريعة. ولا شك أنّ الأهداف من انضمام الأردن لا تحتاج إلى تفسيرات صعبة، في ظل الأوضاع التي تعيشها الدول العربية، وتنذر بتفجير الوضع في أية دولة من الدول. ذلك ما دفع بدول الخليج إلى التفكير جدياً في إحداث تغييرات في دور مجلس التعاون الخليجي وفي عمله، بما يتماشى مع التطوّرات التي تعصف بالعالم العربي، فاستقر الرأي على توسيع المجلس ليضم دولاً فاعلة، وتكون أنظمتها مشابهة لأنظمة دوله، فوقع القرار على الأردن والمغرب. فنظام الأردن الملكي مشابه للأنظمة الخليجية، ويتماشى من الأساس مع سياساتها، وبإمكانه تقديم المساعدة إليها على الصعيدين الأمني والسياسي، مقابل إفادته اقتصادياً، كما يمكن الأردن أن يسد نقص سقوط الحارس العراقي للخليج، وأن يكون بديلاً مشاركاً فاعلاً لحماية الخليج من الأخطار المحيطة به، وخاصة الخطر الإيراني الذي يؤرّق دوله، ويعبئ شعوبها ويزيد من تسلحها وطلب المعونة الدائمة من أميركا الموجودة في المنطقة، والمتأهبة للتدخل لحماية الأنظمة من السقوط أو الاهتزاز.
وهناك من يرى أنّ الخوف من امتداد لهيب الثورات إلى الدول الخليجية، هو الذي عجّل في طلب انضمام الأردن، إذ تشير المعلومات إلى مساهمة تلك الدولة في معالجة الوضع في البحرين، وقمع الاحتجاجات هناك، إضافة إلى محاولة خليجية لتوسيع النطاق الجغرافي لمجلس التعاون. فمحافظة أربد الأردنية على سبيل المثال، أكبر من قطر والبحرين مساحة وسكاناً. وإذا أضيفت المغرب إلى المجلس، فيكون المسعى الخليجي قد نجح في إيجاد توازن أمني وجغرافي واقتصادي وسياسي عبر تجمع وازن، وخاصة بعد سقوط نظام صدام حسين في العراق، والفراغ في مصر، والوضع في سوريا، ومحاولة استبدال الدور المصري الداعم للدول الخليجية بدور مغربي ـــــ أردني، وتشكيل ثقل سني ضمن التجمع، لمواجهة الثقل الشيعي الإيراني، والعراقي أيضاً. وما حديث الملك الأردني منذ سنوات عن الهلال الشيعي إلا دليل إضافي على انضمام الأردن لمواجهة الهلال المذكور، الذي يقصد به السيطرة الشيعية على القرار في الدول التي تمتد من إيران إلى العراق مروراً بسوريا وصولاً إلى لبنان. ويكفي أنّ أميركا باركت خطوة انضمام الأردن والمغرب إلى التجمع الخليجي لمعرفة الأهداف من وراء ذلك.
مع الإشارة إلى حصول خلافات داخل مجلس التعاون، ومعارضة الكويت وقطر وعُمان للانضمام السريع، وضرورة إجراء مزيد من الدراسة على منح الأردن والمغرب العضوية في المجلس.
إذاً، انضمام الأردن والمغرب يوسع التجمع الخليجي، ويجعل منه تجمعاً للأنظمة الملكية في العالم العربي، تتكامل فيه الأنظمة سياسياً وأمنياً واقتصادياً وبشرياً، رغم رفض بعض الشرائح الاجتماعية في الأردن والمغرب خطوة الانضمام. فالظروف السياسية في العالم العربي، والمخاوف التي تنتاب الدول الخليجية من تصدع أوضاعها الداخلية، سرّعت في اتخاذ قرارات وقائية تضمن استقرار الأوضاع في الخليج، ولو اضطر الأمر إلى ربط أقصى الوطن العربي غرباً وأقصاه شرقاً، وتجاوز العقد الجغرافية والسكانية التي ظلّت من أهم العوامل لتجمعات الدول. وهنا النقطة التي أثارت حفيظة البعض داخل الدول الخليجية، أنّ مجلس التعاون محصور في الدول الخليجية المتقاربة جغرافياً واجتماعياً واقتصادياً، والمتماثلة في أنظمة الحكم، ومن الصعب توسيع التجمع ليضم دولاً بعيدة جغرافياً، يجمعها فقط تشابه الأنظمة الملكية. لقد تجاوزت الدول الخليجية كل العقد والصعوبات التي تمنع انضمام الأردن والمغرب بسرعة مريبة، ونجح المسعى السعودي بفرض إجراءات تحمي دول الخليج، وأُقرّ برنامج تنمية اقتصادية لمدة خمس سنوات تستفيد منه كل من الدولتين الجديدتين.
أمام تلك الوقائع المتسارعة، هناك أسئلة عديدة تفرض نفسها، وهي تحتاج إلى أجوبة قد لا تكون متوافرة في الوقت الحالي. لماذا الأردن والمغرب بالتحديد؟ هل لأنّ نظاميهما ملكيان وللاستفادة منهما سياسياً وأمنياً وبشرياً؟ وما هي المقومات التي أهّلت كل منهما للانضمام؟ وهل تقبل عضوية أية دولة عربية إذا كانت مستوفية الشروط نفسها؟ وماذا لو تقدم العراق القريب جغرافياً للانضمام، أو لبنان مثلاً؟ وهل تقبل الدول الخليجية الديموقراطية اللبنانية، على علّاتها، وتحاول التماهي معها؟ ولماذا وضعت العراقيل بوجه انضمام اليمن؟ وما هو مصير العلاقات الاقتصادية الثنائية للأردن مع بعض الدول العربية، وخاصة سوريا؟ وكيف تنظر جامعة الدول العربية إلى انضمام الأردن والمغرب؟ وهل يؤثر الانضمام في وضعها المتهالك أصلاً، وهل يأتي على حسابها وهي بأمس الحاجة إلى ترميم وضعها وتفعيل دورها وعملها؟ وكيف تحل مسألة التناقض بين القدر اليسير من الديموقراطية في المغرب، وانتفاء ذلك في الدول الخليجية؟ وهل ستنحصر أهداف الانضمام في الإفادة الأمنية والسياسية من الأردن والمغرب، واستفادة البلدين اقتصادياً، وعدم توسع إطار تلك الأهداف إلى إحداث تنمية شاملة في تلك الدول، وتحسين هياكلها الاقتصادية وتطوير تشريعاتها وخاصة السياسية منها؟ وما هي آفاق ومستقبل خطوة العاهل السعودي الملك عبد الله، بالسماح للمرأة السعودية بدخول انتخابات مجلس الشورى والمجالس البلدية اقتراعاً وترشحاً؟ وهل ستتبعها خطوات جديّة تفتح آفاق الديموقراطية في السعودية والدول الخليجية؟
الأسئلة تتراكم مع خطوة قبول طلبي الانضمام للأردن والمغرب، ولا أجوبة حاسمة، والسؤال الرئيسي الذي بدأنا به، يعود ليفرض نفسه: لماذا الأردن والمغرب في الخليج؟

* باحث لبناني