أنصفونا قبل أن يخسرنا الوطن

بعد سنوات عدة من الدراسة وتحمّل أعباء الغربة، حصلتُ على الدكتوراه من إحدى الجامعات في فرنسا، وذلك بدرجة مشرف جداً مع تنويه لجنة التحكيم. لقد رفضت البقاء هنالك أو في أي بلد آخر، لأنني قررت العودة إلى وطني الحبيب لأكون في خدمة أبنائه. انتقدني الكثيرون لأنني أضعت فرصاً مغرية للعمل في الخارج، وقالوا لي لماذا نعود إلى وطن لا نعرف فيه إلى أين نحن ذاهبون. لكل هؤلاء كان جوابي ولا يزال إذا فكرنا بهذا الأسلوب جميعاً، فمن يبقى في الوطن ! هل من واجب المواطن أن يسعى إلى تحسين الأوضاع في وطنه أم يرحل ويهاجر؟!
لذلك عدت وكلي أمل بأن أكون أحد المساهمين في بناء الوطن، مع اقتناعي التام بأن أهم أسس هذا البناء هو الإنسان قبل الحجر، وذلك يبدأ قبل أي شيء داخل الصروح التربوية كافة وليس خارجها.
تعاقدت مع الجامعة اللبنانية منذ عودتي، وهي الجامعة التي تخرجت منها وأنا فخور بانتمائي إليها طالباً، ومن ثم أستاذاً. لكن من المؤسف القول إن الإهمال المزمن للجامعة لم يقتصر فقط على المباني الجامعية والتجهيزات المخبرية وغير ذلك، بل شمل أيضاً أوضاع الأساتذة أنفسهم.
وجدت نفسي أقدم كل ما هو مطلوب مني كأستاذ، وفي المقابل لا أحصل على أدنى الحقوق، والسبب المؤلم هو أنه لا يوجد أي مبرر أكاديمي لحرماني من حقي في التفرغ. يعني باختصار لا يوجد أي سبب سوى سياسة الإهمال والتهميش المتبعة منذ سنوات طويلة.
هل من المعقول أن أستاذاً جامعياً ليس لديه أي ضمان صحي أو راتب شهري ويقبض راتبه كل سنتين؟ كيف لهذا الأستاذ أن يكون في ذروة عطائه وإنتاجيته ما دام هو بذاته لا يوجد عنده أي استقرار وظيفي ونفسي، لأنه يشعر بأنه مظلوم ومهدورة حقوقه؟
لكل هذه الأسباب أطلق الصرخة اليوم، صرخة المعاناة، لأناشد فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، دولة الرئيس نبيه بري، دولة الرئيس ميقاتي، معالي وزير التربية وحضرة رئيس الجامعة اللبنانية لأقول أنصفونا قبل أن يخسرنا الوطن ونهاجر خوفاً من ألا نعيش بكرامة في وطننا. أنصفوا الجامعة اللبنانية التي هي الواجهة الحضارية لهذا الوطن. لقد طال الانتظار تحت وطأة المعاناة اليومية ونحن نناضل لنحصل على حق مشروع في التفرغ لنؤمن لعائلاتنا حياة كريمة.
متعاقد في الجامعة اللبنانية