لم يكن قرار الجامعة العربيّة قراراً عربيّاً. المُتحدّث باسم الخارجيّة الأميركيّة فضح الأمر عندما طالب الجامعة العربيّة بقرار أقسى ضد سوريا في اجتماعها بالرباط. كاد أن ينشر قائمة المدعوّين مع أصناف الطعام في المآدب الرسميّة. يمكن القول إنّ الأمين العام الحقيقي للجامعة العربيّة منذ عودة نظام السادات ـــــ مبارك إلى الجامعة هو الأميركي الذي يشغل منصب مساعد وزير الخارجيّة الأميركي لشؤون الشرق الأوسط ـــــ هذا دون التقليل من تهريج عمرو موسى لسنوات.الحكومة الأميركيّة هي التي تقرّر متى يجتمع القادة العرب ومتى يجب تأجيل اجتماعاتهم. حتى نصّ مبادرة السلام العربيّة صيغ في واشنطن وبالإنكليزيّة. ونبيل العربي، خرّيج المدرسة الساداتيّة ومفاوضات اتفاق الهوان، يأتمر بأمر قادة المجلس العسكري الذين يأتمرون بأمر الحكومة الأميركيّة والنقود النفطيّة. أتى القرار من الجامعة بتعليق عضويّة سوريا (وتعليق العضويّة مُهين لشعب سوريا، قبل النظام) بعدما يئست أميركا من إصدار قرار ملائم (لها، لا للشعب السوري) داخل مجلس الأمن. أي أنّ الجامعة العربيّة باتت أكثر طواعيّة لأميركا من الأمم المتحدة. إنّ فكرة إدماج إسرائيل (قبل زوالها المحتوم) في إطار الجامعة لم تعد بعيدة التحقيق. وقد عبّر وزير خارجيّة القمع البحريني عن ذلك قبل أعوام (والتملّق البحريني نحو إسرائيل أوتي ثماره عندما ساهم الصهاينة في واشنطن بتجميل القتل البحريني للمتظاهرين). قد تدخل إسرائيل إلى الجامعة وتخرج منها سوريا. مرحباً بكم في «الربيع العربي». وأبواق آل سعود وآل ثاني وآل الحريري (الملحقين) تسارع إلى التهليل بالعدد (18) في قرار الجامعة التاريخي للتدليل على شعبيّة القرار، وكأنّ تلك الأنظمة تملك ما يخوّلها النطق باسم شعوبها. عندما تكون دولة السودان ذات التاريخ العريق في جرائم الحرب العنصريّة ضمن المجموعة، تعلم أنّ أميركا دخلت (ولا تدخّلت فقط) في التصويت. مجرم الحرب المطلوب في الخرطوم غُفرت جرائمه، بعدما أهدى إلى دولة العدو الإسرائيلي شطراً من السودان، وقد يعرض شطراً من كبده لإرضاء واشنطن. والملك الخارج من قمع البحرين صار حجّة هو الآخر في التقرير في مسائل الحريّات. ولكن متى اتخذت الجامعة قرارات تاريخيّة أو جديّة؟ حتى قرار نبذ السادات لم يكن جديّاً (تأسّف ليبرالي عربي في مضرب الأمير خالد بن سلطان على قرار إخراج مصر من الجامعة وتناسى أنّ السعوديّة ودول الخليج شاركت في القرار آنذاك ـــــ حتى لو أبقت علاقة سريّة معها). أمراء النفط وملوكه وشيوخه باتوا القيّمين على الديموقراطيّة وعلى الثورات العربيّة وعلى الحريّات (سأل الرفيق الصحافي سام حسيني الأمير تركي الفيصل أمام جمهرة في واشنطن عن حقّه بالتنظير في شؤون الثورات العربيّة وهو يمثّل نظاماً فاقداً للشرعيّة). هل هناك ما يوحي السورياليّة أكثر من ذلك؟ أمراء النفط العربي وشيوخه حملوا لواء الاستعمار البريطاني والأميركي في الحرب الباردة، وحاربوا كلّ محاولات التحرير والاستقلال العربيّة باسم الإسلام آنذاك. ضد القوميّة ذات المنحى العلماني، هبّ شيوخ النفط وأمراؤه باسم الدين الحنيف ـــــ هؤلاء الذين يرتكبون موبقات وفواحش لا تتضمّنها قوائم الممنوعات في الكتب الدينيّة مهما كانت متزمّتة ـــــ كي يقوّضوا دعائم حركات التقدّم والاشتراكيّة ومساواة المرأة (العورة في عقيدتهم). هؤلاء كفّروا عبد الناصر وكلّ من حاول أن ينظّم العمل العربي المشترك من أجل فلسطين، وقدّموا سيوفهم المسلولة هديّة للرجعيّة الأميركيّة لا في مواجهة الاتحاد السوفياتي فقط، بل بوجه حركات التحرّر والتنوير العربيّة أيضاً. أمراء النفط وشيوخه الذين يتربّعون على آبار نفط عملاقة ويتعاملون مع ثروات شعوبهم مثلما تعامل المُستعمر مع ثروات شعوبنا، يسخّرون مواردهم في حرب جديدة تُشنّ ضدّنا، وبالنيابة عنا، وبتهليل من برنار هنري ليفي (لماذا لا يصبح الأخير أميناً عاماً للجامعة العربيّة؟) إذا كان الاستعمار ينشر جناحه وينثر قنابله باسم الشعوب المُستعمَرة، فإنّ أنظمة الخليج التي تنتمي الى زمن يفصلنا عنه قرون ـــــ على أقلّ تقدير ـــــ تحمل اليوم لواء جديداً من القيم السامية التي تتعارض مع عقائدها ومع مسلك حكمها الجائر. هي اليوم تحمل لواء الثورات وحركات الشعوب العربيّة. عندما تقرأ مناشير أمراء آل سعود (لا تستحق تلك المناشير صفة الصحف احتراماً للصحافة) تقرأ وعظاً للشعوب العربيّة في الديموقراطيّة. طارق الحميّد ينشر تعليمات للجيش السوري، ظنّاً منه أنّ فكر أمراء آل سعود هو محرّك الثورات والتاريخ. إنّ ثورة تُناصرها حكومات قطر والسعوديّة والكويت ليست ثورة بالتأكيد (بصرف النظر عن حوافز الجماهير المُنتفضة). والنقاش الدائر اليوم حول جدوى أو عدم جدوى التدخّل الأجنبي من أجل التغيير هو النقاش الذي دار في الدول المُستعمرة قبل قرنين أو أقلّ. وذلك النقاش عاد وتجدّد عندما استعدّت الولايات المتحدّة لغزو العراق في 2003. لكن اللبنة الأولى وضعها المُثلّث المُتسلّط في الجامعة العربيّة في التسعينات: النظام السوري والمصري والسعودي في 1990. أي أن النظام السوري ضحيّة للعبة شارك هو في صنعها وطبخها وإمرارها في الجامعة العربيّة في 1990. حينها، كان النظام السوري في معسكر أميركا، وكان هناك توافق سوري سعوديّ مصريّ على ضرروة دعم الغزو الأميركي للعراق. ذلك الغزو غيّر أصول لعبة العلاقات الدوليّة في الشرق الأوسط. (هل نسي البعض أنّ النظام السوري كان جزءاً من المُثلّث العربي غير الخيِّر؟) رتّب حسني مبارك البيت العربي ومنع حلاً عربيّاً من الجامعة كي يسمح للولايات المتحدة بغزو العراق. تلقّى الأوامر ونفّذ. شاركت قوّات مصريّة وسوريّة في الغزو المشؤوم الذي شكّل علامة فارقة ومُشينة في التاريخ العربي المعاصر. كان ذلك بداية الهجمة الأميركيّة لتطويع المنطقة العربيّة قبل حقبة بوش. والنظام السوري كان موافقاً، وتلقّى مكافأة سعوديّة سخيّة (ينقل جيمس بيكر في كتابه «اعمل بجدّ، وادرس، ولا تتدخّل في السياسة» عن سعود الفيصل نظرته إلى وسائل إقناع النظام السوري). الطبخة الأولى أعدّت على عجل، فيما كانت القوّات الأميركيّة تتأهّب للتدخّل. ارتدى الأمير خالد بن سلطان ثياب الميدان، فيما جنى ملايين من العمولات على الصفقات العملاقة لنشر القوّات الأميركيّة. لكن غزو العراق تعثّر وجاءت النتائج خلاف ما أُعلن عنه. حتى ليبراليّو مضارب أمراء النفط يخجلون اليوم من الترويج لنموذج الديموقراطيّة (المزعومة) في العراق كما فعلوا في بداية الغزو في 2003. علي السيستاني يسرّب جملة أو جملتين من الأوامر من خلال ابنه، وتصبح الأوامر قرارات نافذة عبر حكومة الاحتلال الطائفيّة. الحكم الطائفي المُتسلّط في العراق، وحكم مجرمي الحرب في أفغانستان هما نتاج التدخّل الخارجي الآتي باسم الديموقراطيّة. والنموذج الليبي خرج من الفرن: ميليشيات الأوغاد الظلاميّين يتقاتلون في الشوارع والحارات، ووزير المال الجديد في حكومة الناتو الليبيّة يبدي استغرابه لوجود إنفاق حكومي في ليبيا (في برامج اجتماعيّة) ويُبشِّر شركات الغرب وحكوماته بنيّة حكومته إلغاءها. وشركات النفط العملاقة هرعت لقطف الثمار، وطمأنهم الوزير الى أنّ حلفاء الناتو وقصفه سينالون حظوة. وقد وعى بعض قادة المجلس الحاكم الأخطار المحدقة، وحذّر أفراد من غير الإسلاميّين من السطوة القطريّة. لكن مصطفى عبد الناتو طمأن جنود جيش الإسلام الناتوي الى أنّ تعدّد الزوجات عائد لا محالة. ومع ذلك هناك من يتصنّع نسيان التاريخ ويعيد اجترار مقولات ومفاهيم وضح بطلانها في العراق وفي ليبيا، وحجّة حماية المدنيّين باتت معروفة. لكن أن يرفع متظاهرون في سوريا أو في أي مكان آخر شعارات عن التدخّل الخارجي وعن الحظر الجوّي هو استبطان لا لبس فيه للاستعمار. ألم تستعمر أميركا العراق بالتدريج في مسيرة بدأت بفرض الحظر الجوّي (بعدما قتل صدّام من قتل في 1991) وفرض عقوبات جائرة؟ والمجلس الوطني السوري دشّن عهده بالتحوّل إلى مجلس في يد الناتو (ووكلائه المحليّين). وقطر هي الوكيل الرسمي للناتو، والصهاينة والمسؤولون الأميركيّون باتوا يغدقون المديح على محطة «الجزيرة» التي كانت لسنة خلت مُتهمة بالإرهاب. إنّ كلّ المطالب المُتعلّقة بالحريّة والديموقراطيّة تتناقض مع أي قبول أو صمت عن نوايا التدخّل الخارجي بأي شكل من الأشكال. وهناك من لا يتورّع عن سوق حجج وذرائع لتسويغ التدخل الخارجي: وهي الحجج نفسها التي استخدمها سعد حدّاد وأنطوان لحد في تسويغ تحالفهما (الذيلي طبعاً) مع إسرائيل. إنّ الانتفاضات العربيّة تواجه مستويين من الثورات المضادة: تقود الولايات المتحدة بالاشتراك مع إسرائيل (وبتوكيل لقطر والسعوديّة) الثورة المضادة الإقليميّة التي تهدف إلى الحفاظ على كلّ الأنظمة الموالية لأميركا في المنطقة. وهي تهدف إلى تمييع الثورات وإجهاضها حيث تدعو الحاجة في دول فقدت فيها أميركا طغاتها (مصر وتونس مثلاً). المستوى الآخر من الثورة المضادة (الذي قد يتوافق أو يتعارض مع المستوى الآخر من الثورة المضادة) يقوم به النظام السوري أو أي نظام آخر يواجه انتفاضة للبقاء في السلطة. أي أنّ تحقيق الانتفاضة في سوريا أو في غيرها يتطلّب محاربة ثورتين مضادتين، وذلك ليس بالهين. لكن المعارضة المرتبطة بالسعوديّة في سوريا لا تستطيع تدعيم حججها عن حاجتها للاستعانة «بالشيطان» لحماية الشعب ـــــ هي مثل الطغاة تتكلّم باسم الشعب. لقد ارتبطت بالخارج قبل شهر آذار من العام الحالي. قد يكون مأمون الحمصي أفصح عن الكثير، عندما انتفض يدافع عن سعد الحريري بعدما سُئل في العام الماضي عن خبر تلقّيه مساعدات من الحريري. انتفض الحمصي ونفى أن تكون عائلة الحريري تتعامل بالمال. كان يجب أن ينفي أيضاً أنّ يوسف القرضاوي يتعامل بالفتاوى. إنّ وضع المعارضة السورية المُتمثّلة بالمجالس التي يسيطر عليها إخوان السعوديّة وإخوان قطر لا يحتمل التأويل: لم تنبت عفواً في لحظة تاريخيّة كما نبت مجلس مصطفى عبد الناتو في ليبيا. المفارقة أنّ حمد بن جاسم هو الذي أخرج مسرحيّة تدخّل الجامعة العربيّة في الشأن السوري. الوزير الذي دعا يوماً العرب إلى التوسّل لأميركا من أجل أن تخفّف عداءها للعرب، وهندس التطبيع القطري مع إسرائيل أصبح الناطق الرسمي باسم العروبة. وشريك السعوديّة في الاجتياح الخليجي للبحرين لقمع انتفاضة شعبيّة أصبح وكيلاً في الشأن الديموقراطي في العالم العربي برمّته. حمد بن جاسم أصبح حجّة في العروبة مثلما هو حجّة في التطبيع مع إسرائيل. استطاعت قطر أن تستفيد من شيخوخة أمراء آل سعود المنشغلين بالخلافة كي تتنطّح لاحتلال موقع القائد للنظام العربي المستبدّ. ستكون لحظة هامّة في التاريخ العربي المُعاصر. كان يمكن التنبّه لما يجري رسمه عندما وافقت الجامعة العربيّة بترتيب عربي وبحماسة من مهرّج الدبلوماسيّة العربيّة، عمرو موسى، على توكيل حلف الناتو، أمر قلب النظام الليبي. هل من فاته مغزى توكيل الجامعة العربيّة لحلف الناتو أمر قلب النظام الليبي؟ وهل من لاحظ أنّ حلف الناتو الذي رمى القنابل والصواريخ على رؤوس الشعب الليبي بذريعة حماية المدنيّين، بقي في ليبيا بعد قلب النظام دون ذريعة هذه المرّة؟ الجامعة العربيّة التي تبنّث ميثاق الدفاع العربي المشترك، عادت وأوكلت للناتو محاربة دولة عربيّة باسم دول عربيّة. من عدّل ميثاق الدفاع العربي المشترك؟ القرار لم يكن عاديّاً من جامعة يكاد العرب ينسون وجودها. لم تواكب الجامعة حدثاً عربيّاً معيّناً إلا قصّرت. لم تكن يوماً تعبيراً عن الرأي العام العربي. ولم تكن حتى تعبيراً حرّاً عن مصالح الأنظمة. إنّها أصغر من ذلك بكثير. الجامعة أنشأها الاستعمار البريطاني لقطع الطريق على حركة عربيّة قوميّة جامعة (كما أنشأ النظام الناصري منظمة التحرير الفلسطينيّة لكبح جماح العمل الفلسطيني الثوري). وكانت الجامعة في حقبة الحرب العربيّة الباردة ـــــ كما سماها مالكولم كير في كتاب له بهذا الاسم ـــــ مسرحاً لصراعات وخلافات وحروب. كان المعسكر الشخبوطي يعطّل كل إمكانيّة لبلورة قوّة عربيّة ضد إسرائيل. لكن دور الجامعة تغيّر منذ 1990، عندما استولت الولايات المتحدة عليها بعد انتهاء الحرب الباردة. كان ذلك في اجتماع الجامعة بعد غزو العراق للكويت كما أسلفنا. اليوم، يجتمع القادة لإصدار قرارات تطلبها واشنطن، مثل قمّة بيروت المشؤومة. لكن مطالب أميركا تزداد وتكبر، وهي منسّقة مع إسرائيل. القرار العربي الرسمي عن سوريا ينذر بمرحلة مقبلة من الثورة المضادة: الجامعة ستحمي الدول العربيّة المستبدّة من التي تنضوي في إطار تشكيلة خيمة مجلس التعاون الخليجي (الذي سيتوسّع نحو المغرب أو الصين أو السند على أن تكون الحكومة المعنيّة قامعة وموالية للسعوديّة)، وهي ستعمل بالاشتراك مع أميركا وإسرائيل على قلب تلك الأنظمة التي لا تنضوي تحت خيمة القمع السعوديّة. الجامعة العربيّة تطهّر نفسها من دول عاصية على الإمرة الخليجيّة. من المُحتمل أن تخرج دول من الجامعة وتدخلها دول أخرى، ومن المحتمل أن لا تكون العروبة أو النطق بالعربيّة شرطاً. قد يتغيّر اسم الجامعة بعد حين، لأنّ الاسم العربي لا يعني شيئاً للأنظمة الشخبوطيّة، وهو يثير حساسيّة الصهاينة. قد تصبح «الرابطة المتوسطيّة» وقد تنقل السعوديّة وقطر مقرّها من القاهرة إلى تل أبيب، طمعاً بمزيد من التطبيع. إنّ حجم المؤامرة كبير جدّاً وأخطارها تتعدّى حدود النظام المستبدّ، وكلّهم أنظمة مُستبدّة. مات القذّافي بعد تعذيبه واغتصابه من قبل عصابات الناتو الديموقراطيّة، لكن ليبيا ليست بخير، وخطر السيطرة الأجنبيّة وخطر العصابات الإسلاميّة الظلاميّة لا يزال ماثلاً. النظام السوري لا يستحقّ الدفاع عنه أبداً. إنّه يعاني نفاقاً وقمعاً وازدواجيّة وانغلاقاً وجبناً، ومن عنصريّة تفوح من إعلامه المبتذل الذي يختزن العنصريّة المشرقيّة نحو أهلنا في الخليج: تعبير «العربان» يرد على كلّ شفة في شاشات النظام. اكتشف فجأة أنّ قطر غير ديموقراطيّة وأنّ لتركيّا طموحات عثمانيّة. وهو لا يزال يتملّق النظام السعودي، بالرغم من قيادة السعوديّة للمؤامرة الجارية إقليميّاً بالنيابة عن الراعي الأكبر. ينقل سامي كليب في «السفير» ما يأتي: «تلك الرسالة «الحميمة» التي بعث بها الرئيس الأسد الى الأمير نايف بن عبد العزيز بعد تولّيه منصب ولاية العهد في السعودية مؤكداً له فيها عمق التقدير لشخصه ودوره في حل المشاكل الإقليمية». والنظام اكتشف لتوّه أنّ الجولان محتلّ، وهو لا يملك أي خطة لتحريره، باستثناء ضخّ الممجوج من الشعر. إنّ حق الشعب السوري في التحرّر من الظلم لا نقاش فيه، لكن حجم التدخّل الخارجي في الموضوع السوري ـــــ وقد ساهم المجلس الوطني السوري في زيادة حجمه ـــــ يحوّر وجهة الانتفاضة السوريّة الشعبيّة. قد يكون المجلس نجح (مع رعاته الخارجيّين) في الاستيلاء على الانتفاضة السوريّة، خلال ضح شعارات التدخّل الخارجي بتلاوين مختلفة. الموضوع السوري في بعده الخارجي (عربيّاً ودوليّاً) لا علاقة له البتّة بحريّة الشعب السوري. تعلم ذلك عندما تشاهد اهتمام محطة العنصريّة والطائفيّة والصهيونيّة، الـ«إم.تي.في»، بتطوّرات الوضع السوري، وعندما تبعث المحطة المذكورة بمندوب لتفقّد وضع اللاجئين السوريّين في لبنان. تعلم أنّ ذلك لا علاقة له بقضايا الشعب السوري. تعلم أنّ مجلس التعاون الخليجي يُجمع على قمع، لا على حريّة، الشعوب في أي مكان في العالم. عندما تشاهد وفداً من عتاة العنصريّين في 14 آذار يتفقّدون لاجئين سوريّين في وادي خالد تعلم أنّ القضيّة ليست ما يُعلن. وعندما يستيقظ وليد جنبلاط، الذي تحالف مع النظام السوري في أوحش حقباته وأكثرها دمويّة، على حق الشعب السوري في الحريّة ـــــ فيما هو يستجدي الملك السعودي كي يسمح له بجلسة طأطأة ـــــ تعلم أنّ وراء سوريا ما وراءها، وأنّ الرجل انخرط في فصل تآمر صهيوني جديد. وعندما ينطق الملك الأردني المحاصر بغضب شعبه بآراء في احترام حريّة الشعب السوري، تتبيّن ورود أوامر جديدة من مربّيه. لم يكن لهذه الجامعة العربيّة دور. جامعة ولدت هرمة ولم تزدها السنوات إلا شيخوخة. براميل النفط تقود العالم العربي. يريد أبواق أمراء آل سعود وآل ثاني أن يقنعونا بأنّ مجلس التعاون الخليجي لا يمثّل كل الدول العربيّة، بل يمثّل الرأي العام العربي. عبد الرحمن الراشد (كاتب في جريدة الأمير سلمان ومدير محطة صهر الملك فهد) يذكر في مقالاته عبارة «الأنظمة القمعيّة»، وهو يعني النظامين السوري والليبي البائد فقط. كاتب آخر في جريدة الأمير خالد بن سلطان يعود بالتاريخ القهقرى ليقول إنّ الأنظمة الشخبوطيّة هي الإجماع العربي منذ سنوات عبد الناصر الذي عكّر الصفو العربي «الليبرالي النفطي». الجامعة توحي أنّها تساهم في تعزيز انتفاضة الشعب السوري، فيما هي تستولي على الانتفاضة لتقودها في غير وجهتها الحقيقيّة والشعبيّة. إنّ الانتفاضات لم تثمر بعد: والدور القطري في تونس يوحي إصراراً على سرقة مآثر ثوّار تونس. الشعب السوري يعاني القمع والحصار والخداع، فيما يجول ممثّلون للمجلس الوطني السوري (مُنتقين بعناية من قبل الإخوان) في عواصم دول لم تأبه لمعاناة الشعب السوري يوماً. ماذا تقول لشعب مُنتفض؟ هل تقول له أن يتوقّف في ما يمكن أن يؤدّي التوقّف إلى إطالة أمد نظام متسلّط؟ هل تعترف لشعب منتفض بأنّ انتفاضته سُرقت منه وأنّ ما يعدّه الإخوان وحلفاؤهم الداخليّون والخارجيّون لا يبشّر بالخير؟ هل تساهم في دعم نظام لا يستحق البقاء؟ كيف تقول لمن يظنّ أنّه منخرط في ثورة أنّها ليست ثورة؟ تستطيع أن تستشهد بالمثال المصري وأن تشير إلى تربّع الطنطاوي. لكن الاستكانة لا تجوز. دخلنا في «لحظة الحماسة» الجماهيرية ولا يجوز الخروج منها. الثورة المضادة لا تريد الفوضى. الفوضى قد تصبح حاجة ضروريّة مؤقّتة للعبور إلى ما بعد الثورة المضادة. التاريخ لا يتوقّف، لكنّه قد يتراجع. * أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة كاليفورنيا (موقعه على الإنترنت: angryarab.blogspot.com)