قد يكون النموذج التركي المطلوب أميركياً لا يشبه الإسلام التقليدي الذي عرفته المنطقة، فهو إسلام حديث. وعندما نقول إنه حديث، فهذا يعني إنّه الإسلام الذي يتطابق مع المواصفات الاقتصادية والسياسية التي يتوخاها منه الغرب. الغرب الذي بدأ منذ زمن بمحاولة ترويض الإسلام، وذلك منذ ما قبل سن قوانين الإرهاب واضطهاد المسلمين في أوروبا وأميركا، في السجون السرية في غوانتنامو، مع حرق المصحف ورميه في المراحيض.من المفيد إعادة قراءة صموئيل هانتنغتون في مؤلفه «صراع الحضارات» الذي شهد استنكاراً من بعض المثقفين العرب الذين دأبوا على كتابة نصوص مضادة له تسفّه كلامه وتتحدث عن حوار الحضارات، لا صراعها، ما يثير الدهشة، ولا سيما أنّ محور سياسة الغرب ركز على العداء للإسلام، في محاولة لإخضاعه من أجل السيطرة على منابع البترول والغاز، ومحاولات إبعاد الصين عن مصادر الطاقة والتحكم فيها. فهانتنغتون، وهو استراتيجي التفكير، تحدث عن صراع مع الاسلام وآخر مع الكونفوشية، بعد هزيمة المنظومة الاشتراكية، والحاجة إلى خلق عدو خارجي من أجل تماسك الكتلة الليبرالية. ولعلنا شهدنا، ونشهد اليوم، ذلك الصراع، عارياً حتى من التبرير، في أفريقيا ومناطق وجود الطاقة وطرق إمدادها.
قد يكون إسلام العدالة والتنمية المرتبط بالأطلسي هو المطلوب في هذه المرحلة من أجل حكم الدول العربية. هذا الإسلام الذي تجري من خلاله محاولة إعادة رسم خريطة جنوب غرب آسيا وأفريقيا الشمالية. وهو إسلام تتطابق مواصفاته مع المصالح الغربية الليبرالية التي تريد استغلال المنطقة اقتصادياً، وضمّها إلى منظومتها بمعنى الاستتباع الكلي.
هذا ما يحاولون اليوم فرضه على مصر، وما النموذج الذي يحاول فرضه البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية تحت شعارات براقة كالإصلاح الديموقراطي سوى استتباع للشعوب التي تريد التغيير والانعتاق، فيطرح عليها بدائل تحمل في طياتها استعماراً أكبر من السابق، بأدوات وإيديولوجية هدفها التحكم في الموارد المادية والبشرية ووضعها في تصرف الذين يحاولون إبقاء العالم تحت سيطرتهم. وما إنشاء مصرف الشرق الأوسط للتنمية، بواسطة البلدان الخليجية (التي أرسلت قوات درع الجزيرة من أجل ضرب قيام ديموقراطية في البحرين) سوى تنفيذ لهذا الغرض، عبر إقراض الدول المنتفضة والمديونة في الأساس، من أجل الحرية والديموقراطية للسيطرة على قراراتها سياسياً، ووضعها تحت طائلة الديون وبيع أصولها.
قد لا يبدو الأمر مستغرباً أن نرى أميركا تدعم تقسيم السودان، وقد يطاول الأمر بلداناً غنية بالنفط مثل العراق. ما يجري اليوم في العالم العربي هو فخ كبير، لأنّه حتى لو تسلّم الإسلاميون السلطة، فستتمرد فئات كثيرة معارضة عليهم، وهكذا ستشهد المنطقة عدم استقرار إلى ما لا نهاية، وستكون مواردها من الغاز في خدمة من يعرف كيفية إدارة مصالحه. وإذا تعذرت السيطرة كما يريد الغرب، فقد يمتد التقسيم إلى أفريقيا. ولا يضير الغرب التعامل مع طوائف أو إثنيات، فالنموذج اليوغوسلافي غير بعيد عمّا يطبخ للمنطقة.
في هذا الإطار يجري تأليف أحزاب إسلامية جديدة، في مصر وسوريا، ونرى ثواراً إسلاميين في ليبيا واليمن، بعضهم خرج من عباءة الإخوان المسلمين بإشراف الأتراك والسعوديين لتسلّم السلطة في البلدان المنتفضة، والبعض الآخر من بقايا القاعدة التي تعمل في خدمة الاستخبارات الأميركية. قد يكون شبح الإسلام الإخواني أو المتطرف ثقيلاً على الأقليات وغير المتدينين، ما يعزّز منطق الصراع والاقتتال المذهبي، وفي النهاية يأتي التقسيم كحل منطقي.تلعب أميركا وحلفاؤها بالنار، فهي وجدت فرصتها في سوريا للضغط على إيران وإمكان توجيه ضربة إليها، في ظل الرفض الإيراني للتمديد للأميركيين في العراق والتمتع بخروجهم مهزومين. في المقابل تجري تقوية المجموعات السلفية والجهادية في أماكن وجودها في العراق، حتى إذا ما جرى الانسحاب الأميركي فسيشعل هؤلاء حرباً مذهبية هناك. ولا نستبعد إثارة فتنة في الجزائر على خلفية أحداث ليبيا. لكن الثورات لن تنتهي في القريب العاجل، وقد بدأت تأخذ بعد راديكالياً في مصر مثلاً، حتى بدأت تلوح في الأفق الأخطار والمستقبل مجهول.
* أستاذة وباحثة في علم الاجتماع السياسي
2 تعليق
التعليقات
-
اين دينك يا محمداين الاسلام ؟ اين دين محمد خاتم النبيين .منذ تسلم الفئة الضالة الحكم بعد الخلفاء الاربعة واحوال الاسلام تتراجع مع تراجع التمسك باصول الدين واذ راحت الحكام واتباعهم يتمسكون بالقشور ويبذرون الاموال زادت نسبة الامية الى اعلى مستوى في العالم واين ؟ في اغنى بلاد العالم.الحكام يبذرون المال على ملذاتهم وعلى جمع الازلام لضرب الملتزمين باصول الدين حتى وصل الامر بالحكام وازلامهم مستعملين سلطان المال لقطع راس الحسين الذي اوصي بحبه في القرآن والسنة / احب الله من احب حسينا /فقتل ابناءه وسبيت نساءه ونساء بيته وسحبن جرا مقيدات بالسلاسل عطاشى حافيات حاسرات الرؤوس الى يزيد ابن معاوية لما يزيد على العشرين يوما .هذا ما جرى مع آل الرسول دون ان تذرف عين دمعة فيما يطاح بالحكام الظالمين فتراعى حرمات بيوتهم وتحفظ حقوقهم وحقوق ابنائهم ولا يجرح منهم احد بعد كل ما فعلوه بالبلاد وبالعباد.لا بل يتستر على ما سرقوه من اموال لقسمته معهم فيما بعد .من هنا كان شعار الحسين وانصاره في ذلك الحين وفي زمن لا يختلف بشيء عن زمننا هذا ، ان كان دين لا يستقم الا بدمي فيا سيوف خذوني.لو حل هذا الشعار في قلب كل واحد منا لن يبق حاكم ظالم على وجه هذه البسيطة.
-
أي ربيع عربي؟إنّه أي ربيع عربي؟إنّه الحصاد**** من خلال قراءة متأنية لصيرورة الأحداث التي عرفها ويعرفها العالم منذ سقوط الحائط/اللعنة المستباحة ضد الشيوعية،كل اليسار وجميع حركات التحرر وبالتالي نهاية مهمة الحركات الجهادية لخندقتها في لائحة الإرهاب والتشدد ،من هنا إستعمال الوسائل السمع_بصرية خاصة التلفزة كمصنع ل"لموافقة"/شرعية أي تدخل دولي "النظام الرأسمالي الشمولي"هذا ما دفع بجميع الحركات"الأحزاب"السياسية لإعادة النظر في ممارستها السياسية وإعتمادها البرغماتية كوسيلة للإنخراط فيما يسمى بمسلسلات الديمقراطية ،خاصة بعد العزوف الذي أصاب الأجيال الشابة وإنصرافها إلى العمل التطوعي الإنساني كبديل داخل ما يسمى بحركة المجتمع المدني التي يمكن إعتبارها (غالبآ) مشروعآ سياسيا كامنآ.بكل تداعياته وبالتالي إمكانية إنزلاقه تحت عباءةالتعددية الهجينة "تواجد التيارات الإسلاموية إلى جانب كل التيارات اليسارية" :إنه غياب مشروع مثقف عضوي ينخرط في واقع جماهيري دون تباهي او وصاية وبالتالي لغة الإقصاء التي تمارس من طرف جميع المنظمات السياسية "ليست هذه الرؤية:فوضوية/انارشية" ضد القاعدة بدعوى غياب الوعي السياسي لهذه الآخيرة. فقط بالعمل الأفقي وبإحترام جميع الحقوق :الإنسان/البيئة/حتى الحيوان، يمكن بناء مجتمع ديمقراطي، إنساني،حضاري