حرصاً على التفاهم
ما من شك أن التفاهم ـــــ التحالف الذي جرى بين مكوّنين رئيسيين من مكونات هذا البلد، حزب الله والتيار العوني، كان استثنائياً بكافة المقاييس، وكم كنا سعداء لو انسحب الى آخرين، أو حتى إلى كافة الفرقاء اللبنانيين، لكنا قد تجنبنا الكثير من المشاكل القائمة اليوم. والحقيقة أن كافة الجهات التي تعلن دعمها، بل ولاءها لحزب الله، حتى إن كان هذا الدعم نابعاً من قناعة بوجوب الاصطفاف في هذا الموقع الوطني، الى جانب المقاومة وسوريا وكل فريق الممانعة والمواجهة، تستفيد من منعة هذا الحزب وصلابته، بل من قدراته العسكرية والمالية والتنظيمية الهائلة، حيث كان حزب الله يتشارك تلك القناعات مع كل حلفائه، باستثناء التيار العوني، الذي راهن الكثيرون على خروجه من هذا التفاهم ـــــ التحالف عاجلاً أو آجلاً، لكن ما الذي حصل؟؟؟
إن ما حصل هو ثورة بكافة المقاييس، فما لم يعد سراً أن هذا التفاهم استطاع، للمرة الأولى في تاريخ هذا اللبنان، أن ينتقل بفريق من ضفة إلى أخرى تماماً، وأن يصبح جميع محازبي ومناصري هذا الفريق شكلاً ومضموناً، يفاخرون بانتمائهم الى موقعهم الجديد، ويصرّون على مشرقيتهم (اقرأ سوريتهم أو عروبتهم) التي تصالحوا معها، وبعدائهم لإسرائيل ولجميع المخططات الغربية، التي لم تجلب لهم إلا الويل والهجرة القسرية، وترك الديار، مما أدّى الى تراجع عديدهم، وبالتالي دورهم. ونقول صراحة ما جرى جعلهم يتخلّون ضمناً عن قناعاتهم السابقة، التي بقوا عليها عقوداً طويلة، وهذا هو لسان حال من نتحدث إليه منهم اليوم.
لذلك نوجّه نداءً إلى الحريصين على منعة النهج المقاوم وقوته، الى أيّ حزب أو حركة انتموا، أن لا يفرطّوا بهذا التفاهم مهما يكن من أمر، وخاصةً أن عنوان الخلاف، أو سوء التفاهم الحاصل في الأيام القليلة الماضية، كان خدماتياً وإصلاحياً ومحارباً للفساد والمفسدين، وما الى ذلك من شؤون تعد من أولويات المواطن. هذا إن كنا فعلاً مقتنعين بأننا على حق في الموقع الذي نحن فيه، ونتمنى أن يلاقينا إليه كل الوطن.

نجيب سلمان مداح