للإجابة عن سؤال «لماذا فازت حركة النهضة الإسلامية بانتخابات المجلس التأسيسي التونسي؟»، ربما يكون مفيداً العودة إلى تاريخ 14 أيلول/ سبتمبر 2011، وهو اليوم الذي أعلنت فيه الحركة برنامجها الانتخابي المكون من 365 نقطة. برنامج يوضح رؤية الحركة، وبرنامجها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي و... إلخ. اختارت الحركة أن تطلق برنامجها الانتخابي بحضور سفراء وممثلين عن البعثات الدبلوماسية والهيئات الإقليمية والدولية، وهي دعوة واضحة لهؤلاء، ولكل من له مخاوف وهواجس من إسلامية الحركة، لرؤية ثوبها الأردوغاني الجديد، المعتدل، المنفتح والمتعدد الألوان. في ذلك السياق، أشار الأمين العام لحركة النهضة، حمادي الجبالي، الى أنّ نحو 182 خبيراً أشرفوا على إعداد البرنامج الانتخابي، وهم من مختلف الاختصاصات، وليسوا جميعهم من منتسبي الحركة. ليس دفاعاً عن حركة النهضة، التي لديها ما يكفي من المحامين، بل انحيازاً للموضوعية، يمكن القول، باستثناء ذلك الشك المشروع، بمدى التزام الحركة ببرنامجها، وبقدرتها على إنجازه، ولا سيما شقه الاقتصادي (التنمية، زيادة معدلات النمو، خفض معدلات البطالة، ... إلخ)، فقد كان من الصعوبة بمكان العثور في البرنامج على ما يمكن اعتباره نقاط اختلاف جوهرية مع مفاهيم الديموقراطية والحداثة. فإذا جاز لنا التلخيص والتكثيف، نقول إنّ من أهم النقاط في برنامج الحركة ورؤيتها لتونس ما بعد الثورة دعوتها إلى: إقامة نظام جمهوري برلماني ديموقراطي، بناء دولة المواطنة والمساواة، التداول السلمي على السلطة، الفصل بين السلطات الثلاث، المساواة بين المرأة والرجل، احترام الحريات الشخصية بما في ذلك حرية المعتقد واللباس، عدم استخدام دور العبادة للدعاية الحزبية، التنمية الشاملة لمختلف القطاعات، بما في ذلك تشجيع صناعة السينما والدراما التلفزيونية، وتطوير المسرح. إضافة إلى ما سبق، فإنّ البرنامج يدعو إلى ضرورة ربط الإسلام بالحداثة والانفتاح على مختلف الثقافات والحضارات. في هذا السياق، ربما يثير مخاوف البعض، ما جاء في البرنامج من أنّ الإسلام هو دين الدولة. إذ يرد في مقدمته، وكذلك تحت عنوان «المبادئ والموجهات العامة» أنّ تونس دولة حرة مستقلة، الإسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها، وتحقيق أهداف الثورة أولويتها. هنا، يمكن الزعم أنّ ما ورد أعلاه من أنّ الإسلام دين الدولة التونسية ليس أكثر من مسألة شكلية. ولتأكيد ما نزعم، نحيلكم إلى دستور تونس البورقيبية العلمانية، الذي نص في بابه الأول، وتحت بند أحكام عامة المادة 1، على أنّ «تونس دولة حرة، مستقلة، ذات سيادة، الإسلام دينها، والعربية لغتها، والجمهورية نظامها». بناءً على ما سبق، يمكن القول إنّه في ظل غياب قوى سياسية جماهيرية، فإنّ رؤية حركة النهضة وتوجهاتها التي عبّر عنها برنامجها الانتخابي، قد لعب دوراً أساسياً في فوزها بالانتخابات التونسية. لكن في الوقت نفسه، فإن تحليل العملية الانتخابية ونتائجها، تجعلنا نقول إنّ العلمانية هي الفائز الأول في هذه الانتخابات. فقد حصلت حركة النهضة على 89 مقعداً من أصل 217، أي حوالى 41% من مقاعد المجلس التأسيسي، بينما ذهبت معظم المقاعد الباقية إلى القوى السياسية العلمانية، الليبرالية منها واليسارية. هنا، يمكن للمتابع ملاحظة أنّ جزءاً من الذين ألقوا بأوراقهم في صندوق حركة النهضة، هم من غير الإسلاميين، بل إنّ بعضهم ربما يكون من العلمانيين. بينما من المستبعد أن يكون هناك إسلاميون قد صوّتوا للقوى العلمانية. وعليه، وبحسبة رياضية بسيطة، يمكن الاستنتاج أنّ عدد العلمانيين، انتماءً وتأييداً، ربما لا يقل عن 65% من مجموع الناخبين التوانسة. أي أنّ أنصار العلمانية هم الكتلة الأكبر في المجتمع التونسي. من هنا نقول إنّه على رغم فوز حركة النهضة الإسلامية بالانتخابات، إلا أنّ تونس العلمانية قد انتصرت، وهو ما سوف تؤكده، أو تنفيه، الأيام المقبلة ودستور تونس الجديد.
* كاتب فلسطيني مقيم في سوريا