علاء العلياسترقت بيسان النظر إلى جهاد من مقعدها في ساحة الجامعة، وهو يتحدث إلى رفاقه. بدا منهمكاً في النقاش بحدته المعروفة. كان يلوح بيديه حتى بدا كأنه يحاول معاركة الغيوم المنثورة في السماء صبيحة ذلك اليوم. تمنت أن تعرف مضمون الحديث.
أتراه يحدثهم عن رغبته في ترك الكتب وامتشاق البندقية؟ لقد مر أسبوع على الخصام بينهما. طالت المدة هذه المرة عكس ما جرت عليه العادة. ولم يبادر هو إلى المصالحة. وأدركت أن عناده تفوّق على عنادها هذه المرة. وما إن هم بدخول قاعة المحاضرات حتى لحقت به. «كيفها الحاجة أم علي»، سألت. أخفى ابتسامته وهو يجيب «بتسلم عليكِ سألت عنك كذا مرة». جلست بقربه إلى المقعد واستغلت تأخر المحاضر لتفرغ ما في جعبتها «جهاد أيش رأيك نجمع رفقاتنا ونحتل مدرسة الأنروا يلي بالمخيم؟!»، قالتها بحماسة. أجابها متسائلاً «ليش يعني؟»، فتابعت شرح فكرتها «يا زلمة ما أنت عارف هدول بالوكالة بيدرسوا اشيا فاضية. تخيل يعني انهم بيدرسوا جغرافية اميركا وجغرافية فلسطين لأ؟ لازم الولاد يعرفوا هني ليش هون!».
يدخل المحاضر الى القاعة فينقطع الحديث بينهما. ومع ذلك، أصرت على إيصال فكرتها. فكتبت على ورقة «أم سعد»، وناولته إياها. فكتب عليها علامة سؤال، وردّها إليها. كتبت له مجدداً «عم بفكر ندرّس ام سعد، او شي رواية لغسان كنفاني». فتمتم «خلينا بالدرس وبعدين بنحكي». مع مرور الوقت، كانت تنظر إلى ساعتها فبدا الوقت ثقيلاً. وما إن انتهت المحاضرة حتى عادت إلى حديثها: «بتعرف انو رواية رجال في الشمس بتشبه وضعنا هللأ اكتر؟ على كل حال بنفكر فيها مظبوط لازم نكون كتار». ولكنه رد عليها بجواب كاد يشعل النار في صدرها من الغيظ: «انا مش معك». لم تصدق، فأين ذهبت حماسته واستعداده الدائم للمغامرة؟ كادت تصرخ في وجهه. ولكنها كتمت نيرانها المتأججة. حملت كتبها وجلست في آخر القاعة لتبتعد عنه. وحاولت أن تركز في الدرس دون جدوى. كانت مصممة على الفكرة. وعلى إيجاد طريقة لإقناعه.
هل تحدثه مجدداً؟ أم تلجأ الى إقناع الرفاق الآخرين أولا؟ لمَ لا «شو واقفة عليه القصة»، قالت لنفسها. بقيت على حالها في حديثها مع نفسها حتى انتهت ساعات الدرس. وإذ به يقترب منها قائلاً «يللا تعالي نحكي مع الشباب والصبايا».
ازداد غضبها وصرخت في وجهه «على أساس مش عاجبتك الفكرة! وللا هيي القصة مجاكرة وخلص؟»، فرد عليها وهو يغادر القاعة ملوحاً بيده طالباً منها اللحاق به. «أنا مش ضد فكرة احتلال المدرسة، ان ضد التسمية هادا ما اسموش احتلال هادا تحرير».