غزة ــ أسماء شاكر
لا لون يليق بالحزن، ولا شعارات ثائرة تكفي لتضميد الوجع ولفّه، كما تلفُّنا الأخبار العاجلة التي تحترفُ مهنة تشكيل الوجوه والقلق بصمت، عابرةً نبضنا وشتائمنا بحياد مستفز. ولا دمَ يكفي لديمومة الاحتراق فينا، كل شيء بات مؤقتاً: الغضب والثورة والحداد، والوجع كذلك، نملّه بمجرد الانتهاء من طقوس ولادته، ومن ثم نسجل تاريخه فى أجندة أعيادنا ونكباتنا احتفاءً، لنصبح نحن شواهد المقابر والمجازر التاريخية، تاركين الفسحة الباقية لحداد آخر آتٍ!
هكذا علمتنا مبادئ الخذلان الجديدة، تماشياً مع الواقع الجديد وفكرة الوطن الجديد وحسابات مصالحنا الإعلامية الجديدة. ليبقى نصف الحقيقة فقط، أما النصف الآخر فهو حصراً لأصحاب الامتياز والمناصب والثوابت الوطنية!
لا أحد شرعيّاً لا الحصار ولا الاتفاقيات، لا حكومة رام الله ولا دولة غزة، لا الرئيس عباس ولا المفاوضات، لا إسرائيل ولا ضحايا أسطول الحرية، جميعنا/جميعهم غير شرعيين. ولم يخترعوا بعد قانوناً فوق القانون يحلل الـDNA الشرعي.
نحن لسنا شعباً جائعاً، كل ما في الأمر أننا لا نملك هواءنا ولا حدودنا ولا بحرنا، ولن تصل إلينا أية حرية خارجية تعطينا وطناً، بما أننا لا نملك بقياداتنا وأحزابنا العظيمة سوى باقات شجب واستجداء وشكر وتقدير، هكذا نصبح أبطالاً.
لم يعد الحصار سوى ديباجة نوقع بها مطالباتنا ودعاياتنا، إضافة إلى الخدمات التسويقيّة الأخرى لبعض الأحزاب، وحجج مبرّرة لأحزاب أخرى. ومن ثَمّ نبدأ الولولة على الدول العربية الجاحدة، إلى أن تستنكر بخجل وترمي لنا بحفنة أموال فنسكت، و«يا حيف علينا»!
لا فائدة من فك الحصار إذا لم نكسر حصاراتنا الداخلية الكثيرة ونعيد تأهيل وطنيتنا وحريتنا وصيانة أفكارنا ومبادئنا. فالمشكلة ليست بالمساعدات والأدوية، ولا بنسبة التضامن الدولي الجميل، لكن المسألة تتعلق بالحقيقة. حقيقة الهوية والقضية، وحقيقة الانحياز السياسي والأخلاقي لموازين القوى
الخارجية.
غزة لم تعد سوى مسرح كبير للصور والأحداث والحكايات الكثيرة، ولسنا صامدين كما نقول، لكننا ننتظر معجزة من السماء ومعبراً للسفر، ولسنا أبطالاً، غير أننا لا نملك خيار آخر سوى اختراع الحياة ما دمنا لم نمت بعد.
«ليس وطني دائماً على حق»، هذا ما أدركه محمود درويش حين قال: «ثمة شيء ننساه في زحمة التسابق على حفظ الجمل الثورية الجميلة. هذا الشيء هو الكرامة البشرية».