* أسيل هو الشهيد أسيل عاصلة استشهد في 2 ــ 10 ــ 2000 إثر مواجهات مع العدو في قريته عرابة في الجليل الأعلى.
أخوي أسيل:
ليك من آخرها وبحكم كتير أسباب رح أحكيك بلهجتنا، حتى ولو كانت رسالة بالعلن ورح تنشر بجريدة، بس إنه يعني لازم أحكيك بالعامية.
أخوي بعرف إنك بالجنة. كيف بعرف؟ عادية، يعني الشهداء وين بدهم يروحو؟ أصلاً الشهدا ما إلهم مكان يروحوا عليه غير الجنة. المهم هلق أكيد مش رح نقعد نتناقش أنا وإنت وين الجنة؟ وكيف شكلها؟ وانشالله رح نطلع عليها وهاي القصص، احنا تبعون الجنة اللي على الأرض كمان، وإلا انت ليش استشهدت، وأنا ليش ناطر؟
المهم أخوي، هاي لازم أخبّرك كتير اشيا، يمكن الشباب اللي عم يطلعوا جديد لعندكم على الجنة ــ وهن كتار ــ بيخبروكوا شو عم بيصير بفلسطين. شو بدك، ما رح أخبّرك عن الوطن العربي وقصصه، بلاها، شي بيسمّ البدن، فبلاها، وما تسألني ما رح أجاوبك، لإنه شو بدي أقولك لأقولك، خلينا بفلسطين أحسن.
هادا من يوم استشهادك لليوم والحالة زي ما انت بتعرف، بس والله شبابنا جدعان يا أسيل، يعني واحدهم ــ من وين ما كان بفلسطين نفس الشي ما في منطقة أحسن من التانية بهاي الشغلة ــ يا زلمة بيطلعوا من البيت، بيطعنوا الصهيوني، أو بيدهسوه بالسيارة، أو بيفجروا حالهم، أو حتى بيصرخوا عليه ليخوفوه ويرعبوه، بيضربوه بالحجار، بس هيك ليحطوا على عينه وبيتظاهروا من دون ما يعملوا شي، بس هيك لمجرد «التنكيد» عليه. يعني هو بس بيعرف ينكّد علينا؟ إيه والله احنا بنكّد على بلد بأكملها.
يا أسيل، ما بتصدّق شبابنا شو شجعان، يعني شي ما بيتصدّق، انت عارف أنا دارس علم نفس، وبضل أتابع علم النفس وهيك قصص والخبريات تبعون الدراسات، لغاية الآن في أكتر من خمسين دراسة نفسية بس عن العقلية الفلسطينية وكيف إنه هيدول الشباب بيكونوا عاديين وطبيعين، وبيحبوا أهلهم، وبيحبوا «الحياة» وبيكونوا أصلاً يعني مش «يائسين» من الحياة.
يا أسيل، هيدول نفسهم، بيقرروا «يواجهوا» وعارفين إنهم رح يستشهدوا، ومع هيك ما بتفرق معهم، يعني واحدهم مثلاً بيكون بطل بالبينغ بونغ، أو بالفوتبول، أو بشي رياضة، أو بيكون عنده عيلة وولاد وأهل وبيحبهم، يعني مش انه «زهقان» ومش طايق الحياة. وبعد كل هادا بينزل وبيواجه الصهاينة وبيستشهد، وما بيطلب من حدا شي. هيك بس لإنه بيحب بلاده. بس لإنه بيحب فلسطين.
آه، على الهامش، دخلك ابراهيم العكاري عندكو صح؟ يا زلمة قله إنه يعني اللي خلف ما مات، قله إنه ولاده ببيضوا الوجه، قله إنه عنجد هدول رجال من ضهر رجال، يا زلمة عاملين قال هدول الهبل تبعون القناة التانية بالتلفزيون العبري، آه ما غيرهم، مقابلة مع الولاد، فبيسألوهم الأسئلة الغبية ما غيرها تبعيت التعايش وإنه معقول هيك أبوكو عمل! فبيردوا الولاد اللي بيرفعوا الراس، ما أحلاه حدا يقولنا أبونا غلط؟ أصلا أبونا بطل وشهيد. وأكتر من هيك لما سألوهم ما في تعايش بيناتنا؟ قالوله لأ ما بينفعش، احنا وانتوا ما بنعيش سوا.
يا أخوي شو هدول الولاد؟ خبره للعكاري إنه ولاده بيكملوا الطريق. خبره يا أسيل، إنه احنا عم نشوف كمان، وبننطر دورنا بهاي الطريق، خبره إنه ولاده مش لحالهم، وإنهم على راسنا من فوق. آه، وصح، شفته لمصباح أبو صبيح؟ بعرف عندكو ما في تلفزيون، ولا شفت كيف بنته رفعت راسه بعد استشهاده. بحياة الله إذا شفته خبره أديش اللي ربّى هيك بنات بيعرف طريق فلسطين أحسن من كل الزعما والقيادات. يا أسيل عشان هيك فلسطين حلوة، عشان هيك فلسطين رح ترجع لصحابها ولناسها، وهيدول الصهاينة راحلين راحلين.
ليك ما تغيرت كتير اشيا من لما رحت أسيل، بعدنا «عائدين» وعايشين بمخيمات بلبنان وبغيرها من الدول، بس هاي المرة يعني هالأكم دولة اللي عندها فلسطينية كل ما لها بتضيق عليهم عشان يا اما يهجّوا من هالبلاد يا إما يموتوا. وبكل الحالات يعني ما انت بتعرف الخبرية، شو بدي أخبر حدا عايش بالجنة؟
المهم أخوي أسيل، شو بدي أقولك بعد، آه، آه، قبل ما تسالني عن حالة التنظيمات؛ بعدهم بنفس القرف، وحنا أسوأ من حنين بكتير. يعني ما تفكّر إنه الإسلاميين أو الشيوعيين أو حتى اللي مش عارفين قرعة أبوهن وين أحسن، كلهن أسوأ من بعض. والشباب اللي بيطلعوا بالهبات كل فترة هدول أصلاً لا بينتموا لهالأحزاب التافهة ولا للتنظيمات اللي ما إلها فوايد. وأحلى شي بس شي واحد من هالمسؤولين يطلع زي الطاووس اللي نافش ريشه على شي تلفزيون، يا زلمة بتحسه محرر فلسطين شي تلات مرات ورجع قدمها للصهاينة هدية عشان يحررها مرة رابعة. بيستحوش يا أسيل، والله العظيم بيستحوش.
الحمدلله ما عندكو تلفزيون فوق، والله العظيم الحمدالله. لو بتشوفهن؟ ما بتصدّق اللي بيحكوه. يعني بيجيك واحد منهم مثلاً بيحكي وبيحلل عن الهبات الفلسطينية والعمليات الاستشهادية، وبيقعد قال شو بيسميها ساعة انتفاضة، وساعة الغليان الشعبي وساعة مش عارف شو، وبينظّر بالخبرية وهو أصلاً ما بيمون على أهل بيته. شو بدنا بهالحديث أصلاً بعرفك ما بتحب لا تحكي على حدا، ولا بتحب تجيب سيرة حدا. المهم أخوي، خلينا على تواصل. رح أضل أكتبلك، وانا عارف إنك بتقراهن، يمكن مش متلنا بتقراهن، بس والله القلوب عند بعضها.
أخوي أسيل؛ تحياتي
أخوك عبد الرحمن