علا صوت المفرقعات النّارية ابتهاجا بانتخاب رئيس للجمهورية الّلبنانية بعد طول انتظار. كانت العتمة، كما في كلّ مساء، إيذانا بإشعال «منقل الفحم» وتجهيز «الأراغيل»، للبدء بسهرة تطول أو تقصر طبقاً لأهمية الأحداث التي شهدها النهار. على سطح المبنى المتهالك، كان الموعد اليومي، حيث يمكن رؤية الأضواء البعيدة للألعاب النّارية، ويمكنك أيضا أن تريح نظرك بالشرود إلى البعيد البعيد. بدا موضوع انتخاب الرئيس السيرة الرئيسية لليلة، لكن أحاديث كثيرة تفرّعت، وتعليقات ساخرة أطلقها الساهرون حول أداء النوّاب وردود الناس. «يا زلمة ما كنت منتبه انو شي ممكن يكون مفرح يعني انو يكون في رئيس بالبلد»، ما كاد «أبو سمرا» ينهي تعليقه حتى صفعه أحمد ممازحا: «مش فرحان بأبو مازن انت؟ واضحة الشّغلة».
أحمد، الهازئ بطبعه، لم يكن طبعا من محبّي رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، حاله كحال أغلبية الشعب الفلسطيني. وقعت كلماته تلك كأنها مطلع أغنية تناوب الشبّان الخمسة على إكمالها، بكثير من السخرية الحزينة والغضب. «ايه يابا! انا فرحت اكتر شي لمن راح يعزّي بصاحبو بيريز.. تقول هالحنون هاد قلبو ارق من نسمة».
يستلم علاء الدفة، فينتزعها منه «أبو سمرا» مردّدا: «اه! حنون وقلبو ما طاوعو يجيب سيرتنا بكل هالعمر، مضحّي بطبعو هو».
استمر «التنغيم»، ومعه علا منسوب الحزن في الأصوات والكلمات التي بدأت تنساب في ذاكرة كلّ منهم وتبحث عن مآثر «أبو مازن» بحقّهم وبحقّ فلسطين. ففي لقاء تلفزيوني مع عمرو أديب، قال الرجل إنّه ضد الكفاح المسلّح وضد الانتفاضة المسلّحة، ووصف صواريخ المقاومة بالعبثية لأنّه «يريد لشعبه أن يعيش».
وصْف عباس بـ»الرئيس» كان مصدراً للوجع بسبب مواقفه، وقانونياً لا يمكن اعتباره كذلك، لأنه يحتلّ هذه الصفة «دستوريا» منذ انتهاء ولايته في 2009.
استمرّت أصوات الضحك المغالي في السخرية حتى دوّى صوت سعال «أبو أمجد»، الجار المسنّ الذي شاركهم دوماً ذاكرته المليئة بالمعلومات عن سائر الأسماء الفلسطينية التي اعتادوا سماعها في نشرات الأخبار. عرفوا من اقتراب صوت السّعال أنّه متوجه إليهم.
«ليكو قلبو، قلو انو أبو مازن مزيّن سهرتنا الليلة»، يعلق أحد الشبان ساخراً.
«الله يلعنكم ويلعن المذكور بليلة وحدة قلقتو نومي»، يرد أبو أمجد.
في هذه الأثناء، نهض أحمد مجهّزاً الكرسي لـ«أبو أمجد»، غامزا للشباب استفزازه، وذلك لمعرفته المسبقة أنّ في جعبة هذه «الذاكرة المتنقلة» الكثير من الأخبار عن «الرئيس»، قبل أن يصير «خلفا» لأبي عمّار، لكن أبو أمجد، وما إن جلس حتى بقي صامتا.
حاولوا استفزازه، أو لنقل استدراجه إلى بوح ما، بحكاية غير متداولة عن الرئيس الذي يصر على تسميته «الصبي»، لكنه لم يتجاوب، وبقي يردد: «الله يرحمك يا ختيار. رميت غصن الزيتون من يدك قلنا يجرّب.. بس هالمسدّس اديش كان في بجنبك ناس بتستاهل رصاصو!».
كان الليل قد تجاوز المنتصف، والسهرة شارفت على الانتهاء. لم يرو أبو أمجد أي قصة واكتفى بتمتمات غاضبة عاتبة على «الختيار».
أحمد، الهازئ، التفت ناحية «أبو أمجد» وبدأ يردد كلمات: دحلان، أبو مازن، دحلان، أبو مازن. الكلمات استفزت «أبو أمجد» هذه المرة. التفت إلى الشبان، سألوه: «قلّبنا عليك المواجع ها؟»، أجاب: «ايّ مواجع انت وياه. هادا كلو فيلم بينعاد وصرنا نعرفهم. الوجع الي منهم ما عاد يوجع، الي بيوجع هلق انو هدول بيلعبوا على بعض وعلينا. واحنا لي مش طايلين حتى شوفة البلد».