حافظت إسرائيل الرسمية على صمتها إزاء قضية تسريب المعلومات التي انفجرت في الولايات المتحدة برغم تأكيد تقارير إعلامية أميركية أنها «الدولة» التي حصل منها الرئيس دونالد ترامب على المعلومات، التي أفصح عنها أمام وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في البيت الأبيض.
وباستثناء تغريدة مقتضبة لوزير الأمن الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، لم يدلِ أي مسؤول إسرائيلي بأي تعليق حول الحادثة التي ذكرت محطة ABC الأميركية أنها تعرض حياة الجاسوس الذي يعمل لمصلحة إسرائيل داخل تنظيم «داعش» للخطر. وعلى «تويتر»، أكد ليبرمان متانة العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة، مبيناً أن العلاقات الأمنية بين الجانبين «عميقة ومتجذرة وعلى مستوى غير مسبوق عما كان، من حيث النطاق ومساهمتهم في تعزيز قوتنا، كان ذلك سابقاً، وسيستمر لاحقاً».

لا يمكن اتخاذ موقف قبل تحديد حجم الضرر وطبيعة المعلومات

لكن، في موازاة الصمت الرسمي، تصدى مسؤولون أمنيون إسرائيليون للتعبير عن «تخوفهم الخطير» من الحادثة، ومطالبين، وفق صحيفة «يديعوت أحرونوت»، «بإعادة فحص كل معلومة كهذه نقلت إلى الأميركيين». «يديعوت» نقلت عن مصدر أمني إسرائيلي قوله، إن «المشكلة ليست المعلومات، وإنما المصادر الحساسة جداً في الوصول إليها، وبعض هذه المصادر جرى الاستثمار فيها لسنوات. الروس ليسوا أغبياء، وسوف يفهمون من أين جاءت، وسوف يرتبون، هم أو حلفاؤهم الأعداء لإسرائيل، الخطوات اللازمة على ذلك».
وقال مصدر آخر للصحيفة: «هذا بالضبط ما حذر منه الأميركيون قبل دخول ترامب البيت الأبيض»، في إشارة إلى اجتماع شارك فيه مع نظراء أميركيين للمصدر في كانون الثاني، ونُشر مضمونه في «يديعوت» حينذاك. ووفق ما نُشر، قال مسؤولين استخباريين أميركيين لنظرائهم الإسرائيليين، بعد وقت قصير من انتخاب ترامب، إن لديهم معلومات بدرجة عالية جداً من الموثوقية عن أن «جهاز الاستخبارات الروسي الداخلي، FSB، والاستخبارات العسكرية، GRU»، هما المسؤلان عن اختراق خوادم الحزب الديموقراطي وتسريب محتوياتها إلى «ويكيليكس» بهدف التأثير في الانتخابات الأميركية.
آنذاك، طلب المسؤولون الأميركيون من زملائهم الإسرائيليين التزام الحذر في المعلومات الاستخبارية التي ينقلونها إلى البيت الأبيض ومجلس الأمن القومي الخاضع للرئيس مباشرة. كما قالوا إنه ما لم يتضح أن ترامب غير مرتبط بأي جهة روسية أو خاضع للابتزاز، فإنهم يقترحون تجنب الكشف عن معلومات من شأنها الكشف عن مصادر كهذه، لأنه من المحتمل تسريبها من المحيط القريب للرئيس.
ووفق مسؤول في المؤسسة الاستخبارية الإسرائيلية، «إذا كان ترامب سرّب للروس معلومات، حتى لو فعل ذلك بخلفية ساذجة أو جاهلة، فإن ذلك يعرض للخطر مصادر وأساليب عمل جرى العمل عليها لسنوات». وأضاف المسؤول: «علينا أن نعيد النظر في تحويل المعلومات إلى الأميركيين... وإلى أن يتضح أن قناتنا معهم آمنة، علينا ألا ننقل إليهم مجوهرات التاج الخاصة بنا».
في السياق، ذكرت تقارير إعلامية في تل أبيب أمس، أن ترامب اتصل هاتفياً برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وبحث معه الاستعدادات لزيارته المرتقبة إلى إسرائيل. ووفق التقارير، إن الاتصال، الذي استمر 20 دقيقة، جرى فور انتهاء ترامب من مخابرته الهاتفية مع ملك الأردن، عبد الله الثاني، عند الخامسة من عصر الثلاثاء. وكان لافتاً تجنب إعلان الاتصال من الجانبين الإسرائيلي والأميركي، في حين أن مسؤولاً إسرائيلياً أكد حدوثه، مشيراً إلى أن «موضوع البحث الوحيد كان الزيارة المقبلة».
في غضون ذلك، أعرب رئيس «جهاز الأمن العام» (الشاباك) السابق يعقوب بيري، عن قلقه حيال المعلومات الاستخبارية التي قدمها ترامب إلى الروس. وقال بيري، وهو عضو حالي في الكنسيت، لموقع «i24NEWS»، إنه يشعر بالقلق إزاء مصير الجاسوس الذي أعطى إسرائيل معلومات، مضيفاً أن تسريب ترامب مصدر قلق لأجهزة الاستخبارات... «وآمل ألا يسبب ضرراً حقيقياً». لكن خبراء أمنيين إسرائيليين استبعدوا أن يتسبب ما حدث في ضرر في العلاقات مع الولايات المتحدة، مرجحين أن ذلك سينحصر في مصدر إسرائيل «الحساس»، للمعلومات التي سربها ترامب.
في المقابل، قلل معلقون إسرائيليون من أهمية التداعيات التي ستخلفها الحادثة، كما رأوا أنه من المبكر حصر حجم الضرر الاستخباري، لأن «إسرائيل لا تعلم حتى الآن النص الدقيق الذي قاله ترامب للافروف». ورجح هؤلاء أن الحادثة ستتسبب في الحرج لا أكثر بين إسرائيل والولايات المتحدة، مشيرين إلى سوابق شبيهة. كما رأى المعلقون أن إثارة هذه القضية بالطريقة التي حدثت تأتي في سياق التناحر الداخلي في مؤسسة الحكم الأميركية وسعي جهات داخلها إلى الإطاحة بترامب.