لم يثنِ التاريخ الحافل بنكث العهود أيّاً من الأحزاب السياسية العربية في الكنيست الإسرائيلي (البرلمان) عن مجازفة الدخول من جديد في قائمة انتخابية موحَّدة عام 2015. ربما استطاع صنّاع القرار في ذلك اليوم تصدير مشهد مغاير يُنظر عبره إلى فلسطينيي الـ48 على أنهم «منارة لأبناء أمتهم»، كما صورهم بعض «المثقفين» البعيدين جغرافياً و«عضوياً» عن الواقع الفلسطيني. إذ اجتمع الشيوعيون والقوميون والإسلاميون في «القائمة العربية المشتركة»، وباتوا بموجب الانتخابات الإسرائيلية قوة ثالثة داخل الكنيست.
لكن يبدو أن هناك من تفوق على هؤلاء جميعاً، مختصراً قضية التحالف بأنها مجرد «قائمة صنعها أفيغدور لبيرمان»، في إشارة إلى قانون الانتخاب الإسرائيلي الجديد الذي رفعت بموجبه نسبة الحسم، وفي النتيجة وجدت الأحزاب العربية نفسها أمام مأزق: إما الاتحاد في «القائمة المشتركة»، وإما خسارة المقاعد.
ذلك لا ينفي حقيقة أن تغليب المصلحة العامة والوحدة الوطنية على التناقضات الأيديولوجية والفكرية بين الأحزاب العربية، دوماً كان مطلباً جماهيرياً وشعبياً، وبارقة أمل بالنسبة إلى كل من يعاني الاضطهاد ويرزح تحت حكم المنظومة الاحتلالية نفسها. وبرغم أن الأسابيع المقبلة قد تسجل «إخفاق» مشروع الوحدة، نتيجة رفض بعض القوى التزام اتفاق التناوب، قد يجوز القول إن جوهر المشروع وروحه سيظلان مطلباً جماهيرياً ما دام هناك احتلال.
مع ذلك، كان لا بدّ لكل من قرر خوض هذه التجربة أن يتعلم من «كيس» أسلافه. فعام 1981 شهد اغتيال عضو الكنيست حمّاد أبو ربيعة على أيدي أبناء زميله في القائمة نفسها، جبر معدي، نتيجة رفض الأول تقديم استقالته لتنفيذ اتفاق التناوب بينهما. بعد 11 عاماً من تلك الحادثة، لم يفِ النائب طلب الصانع بوعده لمحمد زيدان (كان الأخير آنذاك رئيساً لحركة المستقلين)، الوعد الذي يتناصفان بموجبه المقعد البرلماني، فقد تذرع الصانع بأنه ممثل النقب الوحيد في الكنيست.

الطيبي يراهن على تفكك الحكومة الإسرائيلية والدعوة إلى انتخابات مبكرة


بعد ذلك، طاول نكث الوعود كلاً من النائبين واصل طه وسلمان أبو أحمد. إذ تحالف حزب «التجمع الوطني الديموقراطي» مع «الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة» عام 1996، وكان يفترض بالنائب أحمد سعد («الجبهة») أن يقدم استقالته لمصلحة طه، لكنه لم يفعل. تماماً كما نكث عباس زكور من «الحركة الإسلامية» وعده لزميله أبو سليمان، ووصل الخلاف بينهما إلى أروقة «المحكمة العليا»، حتى «دار الدولاب» أخيراً فامتنع النائب السابق في «التجمع»، سعيد نفاع، عن تقديم استقالته عام 2010 لمصلحة زكور الذي كان قد انضم إلى «التجمع» بعدما ترك «الإسلامية».
تاريخ الأحزاب السياسية في الكنيست شهد إخفاقات كثيرة لناحية التحالفات ونكث العهود. لكن أحداً لم يُعد النظر في تلك التجارب، ولم يستخلص منها العبر أيضاً. فقد أثبتت هذه التجارب أن الشراكة بين الأحزاب لا يمكن أن تكون شراكة بين رفاق ورجال يتفوهون بكلمة قاطعة لا رجعة عنها، بل يجب أن تكون شراكة قائمة على اتفاق واضح وصريح يعالج الحالات كافة التي قد تترتب أقله عن موت أحد هؤلاء الشركاء، إن لم نقل سجنه كما حدث مع النائب المستقيل والأسير في سجون الاحتلال، باسل غطاس.
فمنذ نحو شهرين، تعيش «القائمة المشتركة» مخاضاً قد تكون نتائجه «كارثية»، إذ يرفض أصحاب الشراكة تطبيق بنود الاتفاق الموقع عام 2015 برعاية «لجنة الوفاق». وبموجب هذا الاتفاق، الذي كان يجب أن يطبق منذ أكثر من شهر، يجب أن يقدم النائب أسامة السعدي، عن «الحركة العربية للتغيير»، استقالته، وأن يسحب كل من إبراهيم حجازي، ويوسف العطاونة، ووائل يونس ترشحهم حتى يتسنى لمرشحة «التجمع» نيفين أبو رحمون استلام مقعدها المرتقب، تحقيقاً لمعادلة نائب واحد لـ«التغيير»، وأربعة لـ«التجمع»، وأربعة لـ«الجبهة»، وأربعة لـ«الإسلامية الجنوبية».
وشهدت الأسابيع الماضية اجتماعات ماراثونية بين مركبات «المشتركة» كافة، ليتضح وفق مصادر «الأخبار» أن مواقف كل من «التجمع» و«العربية للتغير» تتفقان لناحية ما يسمى تطبيق الرزمة كاملة، لكن «الجبهة» تصرّ على أنه بعد تقديم نائبها أبو معروف استقالته تكون من جانبها قد التزمت الاتفاق. علماً أنها، وفق المصادر نفسها، «لا تزال متمسكة بفكرة أن سحب ترشيح العطاونة ليس أمراً بديهياً، بل يجب أن يُدرس ويناقش في الاجتماعات الداخلية».
من جهة أخرى، لفتت المصادر إلى أن رئيس «العربية للتغيير»، أحمد الطيبي، «يعمل في الكواليس لمنع تقديم نائبه السعدي الاستقالة»، موضحةً أن الطيبي صرّح في جلسات مغلقه بأنه «يستطيع بحزبه منفرداً خوض الانتخابات وتحصيل ثلاثة مقاعد». وأضافت أن «الطيبي يراهن على تفكك الائتلاف الحاكم في إسرائيل، وبالتالي الدعوة إلى الانتخابات المبكرة». وقد تشير نتائج هذه الاجتماعات إلى أن اتفاق التناوب قد يؤجل حتى بدء الدورة الشتوية للكنيست في تشرين الأول المقبل. علماً أن تقديم الاستقالات من الناحية التقنية أو سحب الترشيحات ليس مرهوناً بالعودة إلى الدورة المقبلة.