لم يخرج الرد الرسمي الإسرائيلي عن اتفاق المصالحة بين حركتي فتح وحماس في غزة، عن الإطار المتوقع، ولا عن الثوابت التي تقارب من خلالها إسرائيل الساحة الفلسطينية. ولم يدم طويلاً الصمت الإسرائيلي الذي ربما اختار هذه المرة التريّث قليلاً قبل إطلاق مواقف مضبوطة بالثوابت التقليدية الإسرائيلية.
في الوقت نفسه تواصل إسرائيل مراقبة ما ستؤول إليه المصالحة على المستوى الميداني. ومقارنةً بمصالحات سابقة بين الطرفين الفلسطينيَّين، يصح القول إنّ إسرائيل اختارت هذه المرة أن تكون أقل حدة وعدوانية، مع أنها من حيث الجوهر لم يتغيّر موقفها.
لم يكن وصف نتنياهو للمصالحة الفلسطينية بالوهمية إلا تجسيداً لجوهر الموقف الإسرائيلي الذي يقارب كل خطوة على الساحة الفلسطينية قياساً بمفاعيلها على الاستراتيجية والمصالح الإسرائيلية. وهو ما أوضحه نتنياهو، متابعاً، أنّ هذا الرفض ينبع من المصالحة «التي تبدو كما لو أنها على حساب وجودنا». أما محور المعايير التي تحدد الموقف الإسرائيلي، فهو الاعتراف بإسرائيل دولةً يهودية. تهدف مواقف نتنياهو، وغيره من المسؤولين الإسرائيليين، إلى محاولة منع حركة حماس وفصائل المقاومة من الاستفادة من المصالحة بما يعزز مكانتها وحضورها في الواقع السياسي والشعبي الفلسطيني. وفي تل أبيب يرون أن ما دفع حركة حماس هو استمرار الضغوط، وتحديداً لجهة الحصار الذي طاول الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. ولا يتوقع أحد في تل أبيب أن تكون هذه الخطوة تعبيراً عن تراجع من قبل حماس عن ثوابتها المتصلة بالموقف من تحرير فلسطين ومن المقاومة، بل هي أقرب إلى الخطوات التكتيكية الذي يحاول الالتفاف على الضغوط المتصاعدة، من دون تجاهل حقيقة أنها تشكّل أيضاً تراجعاً ما، لكون المصالحة قد انطلقت من قرار بالتنازل عن حكم القطاع والسماح لسلطة محمود عباس بالعودة وأن يكون لها حضورها الذي سيتعزز لاحقاً على كافة المستويات.
القلق الإسرائيلي من كل هذا المسار، عبَّر عنه العديد من المعلقين الذين قدروا وتخوفوا من أن يكون الهدف الحقيقي لحركة حماس، ومعها بقية فصائل المقاومة، محاولة تقليد استراتيجية حزب الله. وتتخوف تل أبيب من أن تسلبها المصالحة هامشاً واسعاً من الضغوط على الشعب الفلسطيني ويحرر الحركة من المسؤولية التي باتت على عاتقها منذ حكمها للقطاع. وفي الوقت نفسه، تحافظ فيه الحركة على ثوابتها وخياراتها، وقدراتها التي ستحافظ عليها وعلى تطويرها، مع ما ينطوي هذا السيناريو على تهديد للأمن الإسرائيلي. في ضوء هذه الرؤية الإسرائيلية، بادر الرئيس الفلسطيني محمود عباس، إلى محاولة طمأنة كل من يعنيه الأمر، وعلى رأسهم إسرائيل، بإعلان أننا لن نقبل بتكرار تجربة حزب الله.
في مواجهة هذا المسار المقلق لإسرائيل، يأتي دور الشروط التي وضعها نتنياهو للموافقة على هذه المصالحة والتعامل معها، «الاعتراف بإسرائيل، تفكيك الجناح العسكري لحركة حماس، وقطع العلاقات مع إيران التي تدعو إلى إزالة إسرائيل...».

تواصل إسرائيل مراقبة ما ستؤول إليه المصالحة على المستوى الميداني

ويبدو واضحاً أن ما يخشى منه نتنياهو أن تتحول المصالحة إلى فرصة للمقاومة يتكرس ويتشرعن في ظلها وجودها ودورها في التصدي للاعتداءات الإسرائيلية ومواصلة عملها المقاومة للتحرير، من دون أن يقترن ذلك بتحمل المسؤولية عن الشؤون الحياتية للفلسطينيين. ويحضر في هذا السياق شبح حزب الله كحركة مقاومة تؤدي دوراً دفاعياً وردعياً بعد استكمال عملية تحرير الأراضي اللبنانية، باستثناء مزارع شبعا، ومن دون أن تكون بديلاً للدولة اللبنانية.
لذلك، رغم أن شروط نتنياهو باتت من ثوابت الخطاب الإسرائيلي، إلا أن إعادة طرحها في هذه المرحلة تهدف إلى قطع الطريق على التهديد الكامن في هذه المصالحة. ويأتي جزء من مساعٍ إضافية للضغط على السلطة بهدف دفعها إلى مزيد من الصدام مع حماس ومنعها من التوظيف الإيجابي لهذا الاتفاق. وأيضاً، للتذرع بوضع المزيد من العراقيل أمام السلطة التي لم تقبل منها إسرائيل كل التنازلات التي قدمتها حتى الآن. وفي هذا الإطار يواصل نتنياهو التشدّد على المسار الفلسطيني، من أجل القفز باتجاه المسار الاقليمي بعيداً عن أي أثمان جدية لمصلحة السلطة، وهو ما دفع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بحسب صحيفة «هآرتس»، نقلاً عن مصادر غربية وإسرائيلية مطلعة، إلى القول للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، على هامش الجمعية العامة، إن نتنياهو هو الطرف الأكثر صعوبة في الإقناع في كل ما يتعلق بجهود التسوية على المسار الفلسطيني الإسرائيلي.
وكما هي العادة في كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية والتسوية، لم يفوِّت رئيس البيت اليهودي اليميني المتطرف، نفتالي بينيت، الفرصة للمزايدة على نتنياهو، بدعوة المجلس الوزاري المصغر إلى وقف فوري لنقل أموال الضرائب إلى الحكومة الفلسطينية. ورأى في المصالحة مع حركة حماس، أن ما جرى هو ارتباط لأبو مازن بمنظمة إرهابية قاتلة. ويتوقع أن يعمد بينيت إلى طرح ثلاثة شروط لنقل الأموال، هي إعادة جثث الإسرائيليين، واعتراف حماس بإسرائيل ووقف دفع الرواتب من السلطة للمعتقلين في السجون الإسرائيلية.