نور أبو أحمد (من مدينة الناصرة) درست لمدّة سنة كاملة من أجل تحصيل نتائج عالية في امتحان «البسيخومتري». كان هدفها أن تُقبل للدراسة في إحدى الجامعات الإسرائيلية. ولكن بعد بذلها جهداً مضاعفاً عمّا بذلته لامتحانات «البغروت» (التيرمينال)، يئست من النتيجة التي حققتها في «البسيخومتري»، فقرّرت، كما آلاف من أترابها، التوجه إلى الجامعات الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة. تشرح الطالبة أبو أحمد أنها «درست على مدار الأيام والليالي من أجل تحصيل نتائج تمكّنها من القبول في الجامعة الإسرائيلية؛ فامتحان البسيخومتري يمثل نسبة 70 في المئة من علامة القبول، والبغروت يمثل فقط 30 في المئة... في نهاية المطاف، لم يكن لديها خيار آخر. والآن أكملت اللقب في الجامعة الأميركية في جنين».
أمّا محمد درويش (من جديدة - المكر الجليل الغربي)، فهو أيضاً يدرس في جنين، يشرح أنه «مع تحصيله نتائج عالية في امتحان البغروت، كان لديه أمل بدراسة اختصاص له سوق عمل في إسرائيل»، ولكن «تطلّب مني الحصول على نتائج بسيخومتري عالية جداً من أجل موضوع ليس له أساساً سوق عمل».
نور ومحمد هما اثنان فقط من بين آلاف الفلسطينيين من الأراض المحتلة عام 1948 (يملكون هوية وجنسية إسرائيلية) الذين يحصّلون دراستهم الجامعية في الضفة الغربية المحتلة؛ ففي الوقت الذي يستمر عدد الطلبة الفلسطينيين في الجامعات الإسرائيلية بالانخفاض، يُظهر تقرير صادر عن وزارة التربية والتعليم التابعة للسلطة الفلسطينية، أن عدد الطلبة (من فلسطينيي الـ48) في الجامعة الأميركية في جنين، قفز من 36 طالباً إلى 5294 خلال عقد.
الأسباب وراء ذلك، بحسب صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية كثيرة، أهمها أنّ «وسائل النقل والسفريات منظمة وهي تنقل الطلاب من مناطق المثلث والجليل إلى الضفة بأسعار جيدة ومعقولة»؛ الأمر الذي يُشير إلى «ارتفاع ملحوظ واستثنائي في عدد الطلبة من فلسطينيي الـ48 في الضفة إلى الحد الذي وصل فيه عدد الطلبة في مبنى أكاديمي يقع في منطقة (أ) في قلب الضفة الغربية (تابعة للسلطة)، إلى أكثر من عدد الطلبة الفلسطينيين من الضفة أنفسهم».
الجامعة الأميركية جنين

ما رأي «القانون» الإسرائيلي بالموضوع؟
في الواقع، يُعتبر ممنوعاً (رسمياً) على الإسرائيليين الدخول إلى مناطق (أ) التابعة للسلطة، ولكن جيش الاحتلال لا يطبّق المنع على فلسطينيي الـ48 (الذين يعتبرون بحسب القانون مواطنين إسرائيليين). ومن المعطيات والبيانات التي تظهر في تقرير وزارة التربية الفلسطينية، يتبين أن 8000 فلسطيني من حَمَلة الجنسية الإسرائيلية، يدرسون السنة الدراسية الحالية في الضفة. 66 في المئة من هؤلاء، يدرسون في الجامعة الأميركية في جنين. مُعطى حوّل هذه الجامعة إلى التجمع الأكبر للطلبة من فلسطينيي الـ48 في الضفة الغربية المحتلة.
الطلاب الذين حاورتهم الصحيفة العبرية، تحدثوا عن شبكة علاقات طيبة ووطيدة مع أبناء شعبهم من الفلسطينيين، إلى جانب ظاهرة «الغيرة» والتنافس من أجل تحصيل نتائج أكاديمية أعلى. غالبية هؤلاء الطلاب يعيشون في وحدات سكنية مملوكة من فلسطينيين من الـ48 بالقرب من الحرم الجامعي، وهي محاطة أيضاً بمقاهٍ ومطاعم مثل «بار الزبابده» الذي يديره فلسطيني من الـ48 أيضاً. كما أن أكثر من 2 في المئة من موظفي الجامعة المتفرغين هم فلسطينيون يحملون أيضاً الجنسية الإسرائيلية.

لماذا للجامعة الأميركية كل هذا الرواج؟
الجامعة الأميركية هي مؤسسة خاصة وتدرس باللغة الإنكليزية.
تبلغ قيمة القسط الدراسي ألفين إلى ثلاثة آلاف دولار أميركي وتختلف بحسب نوع التخصص الدراسي والنتائج التعليمية.
موقع الجامعة في شمال الضفة الغربية المحتلة؛ أي بالقرب من منطقة المثلث والجليل ويسهل الوصول إليها من خلال المواصلات العامة بسعر منخفض ومعقول.
تبلغ قيمة الإيجار شهرياً حوالى مئتي دولار فقط، تشمل الخدمات مثل الكهرباء والماء والإنترنت.
الوصول من السكن الجامعي إلى الجامعة نفسها يكلف فقط دولاراً واحداً إلى ثلاثة دولارات.
الأمن والحراسة موجودان طوال الوقت، وبحسب ما قاله الطلبة، فإنهم يشعرون بأمن وطمأنينة في تنقالاتهم حتى أثناء ساعات الليل، من دون خوف أو قلق.

رئيس قسم العلاقات العامة في الجامعة فتحي العُمَر (عن الانترنت)

شروط القبول سهلة مقارنة بالجامعات الإسرائيلية
على ما يبدو، فإن العامل الرئيسي وراء جذب فلسطينيي الـ48 إلى الجامعة الأميركية في جنين هو شروط القبول؛ إذ تكفي شهادة البغروت (الثانوية العامة). ضمن هذا الإطار، يشرح رئيس قسم العلاقات العامة في الجامعة، فتحي العُمَر، أن هذا امتياز للطلبة من فلسطينيي الـ48. ويوضح أن «الجامعة لا تطلب اختبارات نفسية، أو إجراء مقابلات، فشهادة الثانوية العامة هي الشرط الرئيسي للقبول»، مشيراً إلى أن «المؤسسة تعامل الطلاب بالتساوي بغض النظر عن الهوية التي يحملونها، وتنطبق على الجميع المعايير نفسها، سواء بالنسبة إلى القسط الدراسي أو العلامات».
أمّا مجلس التعليم العالي، فيقدّر أن السبب وراء «ظاهرة دراسة طلاب الـ48 في الضفة» ينبع من ثلاثة عوامل رئيسية؛ أولاً: الخوف من الدراسة باللغة العبرية. ثانياً: ارتفاع الطلب على المهن الطبية ومتفرعاتها من العلاج الوظيفي وعلاج النطق والسمع والتمريض. ثالثاً: المخاوف والصعوبات التي ترافق إجراء امتحان «البسيخومتري».

بيانات وزارة التربية والتعليم الفلسطينية

التخصصات التي يدرسها طلاب الـ48
مجال التخصص الأكثر طلباً بالنسبة إلى الطلاب الفلسطينيين من الأراضي المحتلة عام 1948 في الجامعة الأميركية هي تخصصات ذات صلة بالطب.
يدرس تخصصات في مجال الطب حوالى 2255 طالباً، أي ما نسبته 43 في المئة من مجمل عدد الطلبة. وفي المرتبة الثانية يحلّ تخصص التمريض حيث يدرسه 1599 طالباً.
أمّا بالنسبة إلى العلوم الإنسانية فهي ليست ذات طلب مرتفع، فمثلاً التربية والتعليم، والرياضة يدرسها فقط 13 في المئة من هؤلاء الطلاب.
ثمانية في المئة فقط يدرسون طب الأسنان، وهناك العشرات يدرسون تخصصات في مجالات الهندسة والتكنولوجيا والعلوم، وإدارة الأعمال والاقتصاد.
ستة وعشرون طالباً يدرسون حالياً الدراسات العليا.

الجامعة الأميركية جنين()


التعاون مع الجامعات الإسرائيلية يعتبر تطبيعاً
برغم أن الجامعة الأميركية في جنين، تطرح تخصصات تلائم «احتياجات سوق العمل الإسرائيلية»، يؤكد فتحي العُمَر أنه ليس هناك أي أفق للتعاون مع الجامعات الإسرائيلية. ويشرح أن «هذا الموضوع غير مقبول (التعاون بين الجامعة والجامعات الإسرائيلية)، وهو أيضاً مسألة غير أخلاقية - ويعتبر بمثابة تطبيع». ويضيف أن «الجامعات الإسرائيلية موجودة في قلب منطقة محتلة، هذه مسألة إجماع وطني وليس خياراً فردياً».

الصعوبات ما بعد التخرّج
العقبات التي تدفع فلسطينيي الـ48 للدراسة في الضفة، تعود مرة أخرى لتواجههم بعد تخرجهم من الجامعة، وعودتهم إلى سوق العمل الإسرائيلية. «واحدة من المشاكل هي أن عدد الطلاب المقبولين للدراسة من مناطق مختلفة هو عدد كبير جداً قياساً بفرص العمل الموجودة»، يقول جمال كيال (27 عاماً وطالب سنة رابعة تمريض). وبحسب الأخير، فإن «طلبة الـ48 يُقدمون على إجراء التطبيقات والتجارب في مستشفيات بعيدة عن جنين وموجودة في الضفة على أمل أن يُقبل بهم بعد ذلك للعمل في مستشفى الناصرة». نور أبو أحمد، تشرح أن التحديات تكمن في التعامل مع السلطات الإسرائيلية، «حتى بعد مرحلة التجربة و(الستاج)... أنهيت تعليمي وأنا أدرس حالياً من أجل اجتياز امتحان الدولة، وقد أنهيت جميع الموافقات المطلوبة من الجامعة، ولكن المعادلة في وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية تتطلّب الكثير من الإجراءات البيروقراطية وتستغرق وقتاً طويلاً».
أمّا يوسف ندّاف، وهو طالب أنهى دراسته في تخصص العلاج الوظيفي من الجامعة الأميركية في جنين، واجتاز «امتحان الدولة» قبل سنتين، يعمل منذ ذلك الحين في مجاله. وقد تحدث عن «الصورة النمطية في عقول الناس؛ حيث يعتقد هؤلاء أن مستوى التعليم في الضفة ليس جيداً، ولذلك يفضل المشغلون هنا طلاباً تخرجوا من الجامعات الإسرائيلية وليس من جامعات الضفة». ويشير ندّاف إلى أن «غالبية الصوبات نابعة من التحدث باللغة العبرية وليس من المستوى الدراسي».


ما هو امتحان «البسيخومتري»؟
«البسيخومتري» هو امتحان قبول جامعي مُعتمد في دولة الاحتلال، وهو مشابه لامتحان «السات» الأميركي لكن نظام علاماته مختلف، وكذلك من حيث طرق القياس والفحص. علماً أنه مؤسَّس على الفكرة وطريقة عرض الأسئلة نفسها. وتبلغ تكلفته حوالى 120 دولاراً أميركياً.
يختلف امتحان «البسيخومتري» عن الامتحانات العادية لناحية نتائجة، حيث تتراوح النتيجة بين 200 – 800 (الـ 200 هي صفر والـ 800 هي النتيجة الكاملة). عدد الأسئلة يبلغ قرابة 164-168 سؤالاً. وبحسب إحصاءات المركز القطري للتعليم الإسرائيلي، فإن معدل نتائج الطلبة اليهود الإسرائيليين هو 560 من 800، بينما معدل الطلاب العرب هو 469 من 800. والسبب هو أن الطلاب اليهود يتدربون للامتحان في حصص دراسية في المدرسة، فيما فلسطينيو الـ 48 لا يدرسون ذلك، بالإضافة إلى الثغرات والضعف في تعلم اللغة الإنكليزية لدى الطلاب العرب، لأن التركيز يكون أكثر على اللغة العبرية.