«إنه جندي يقوم بمهمته» أو «لا أفهم أين المشكلة بالتحديد؟» أو «هذا الجندي الغبي الذي صوّر سبّب إحراجاً للدولة أكثر مما فعله أليؤور أزاريا»، أو «من وثّق الحادثة بشريط فيديو مصوّر يجب معاقبته بالسجن»... هي تعليقات كثيرة لا تُحصى كتبها إسرائيليون في خانات التعليقات الموجودة تحت تقرير مُرفق بشريط فيديو يوّثق استهداف قنّاص إسرائيلي لفلسطيني حاول الاقتراب من السياج الفاصل، بين غزة وبقية الأراضي المحتلة عام 1948. في الشريط المصوّر، تظهر فوهة بندقية موجّهة نحو فلسطيني يمشي بالقرب من السياج الشائك، وعلى ما يبدو فإن أحد الجنود تولّى مهمة تصوير «الفيديو الأسطوري» كما وصفه. يسأل الأخير القناص: «أقتله برصاصة في الصدر... هل لديكَ رصاص في مخزنك؟». يجيب القناص: «نعم». بعد ثوانٍ يُسمع صوت جندي آخر، عبر اللاسكلي، طالباً من القنّاص قتل الفلسطيني الأعزل. هنا يرد القنّاص المُمسك ببندقيته: «الآن، غير ممكن بسبب الشريط الشائك». يتدخل جندي آخر: «تعال هنا أفضل (المكان من هنا أفضل للقنص)». يتحرك الشاب الفلسطيني، فيبدأ القناص بإطلاق الشتائم لأن حركة الشاب حالت دون قنصه، وبمجرد أن توقف عن الحركة يُطلق القنّاص رصاصته، فيهوي الشاب أرضاً. «يش يش (YES YES)»، يقول المُصور، ومعه الجنود غير الظاهرين في الشريط، ثم يُطلقون الشتائم من قبيل «إبن العاهرة»، فرِحين منتشين باستهداف الشاب الفلسطيني. هنا يقول المصوّر، الذي على ما يبدو أنه جنديّ يوثّق ما يحصل بواسطة هاتفٍ خليوي: «فيلم رائع جداً، صوّرته كما لو أنه أسطورة... لم أرَ مثيلاً له من قبل».

الشريط، إذاً، يوثّق واحدة من بين آلاف الفظائع والانتهاكات اليومية، التي يرتكبها جنود العدو الإسرائيلي بحق الفلسطينيين. لذا، من غير المنطق القول إن «هذا يشكل مفاجأة». مع ذلك، تنبع أهمية الشريط المصوّر في كونه يعكس مرحلة ما بعد عسكرة المشاعر عند الجنود الإسرائيليين في شكل خاص، وقادتهم، ومجتمعهم، في شكل عام. ولأن ما يجري في غزة، منذ أسبوعين، ليس حرباً معهودة يقودها جيش ضد آخر، وإنما جيش ضد شعب أعزل، فإن ما ظهر في الشريط يعكس الطبيعة العدوانية والإجرامية والسادية لهؤلاء، الذين ظهروا كأنما ببساطة يمارسون إحدى ألعاب العنف الإلكترونية، ولا يعدو الشاب الأعزل الذي يمشي أمامهم، مجرّد نقطة عبور إلى النشوة والشعور بتحقيق الذات.

التسريب لا الفعل هدفاً للتحقيق
على رغم أن التحقيقات التي يجريها جيش العدو في أحداث كهذه لا يمكن الوثوق بها، ولا بنتائجها، لم يعمد الجيش هذه المرّة إلى التحقيق في فعل جنوده بحد ذاته، وإنما فتح تحقيقاً داخلياً في كيفية تسريب الفيديو، ووصوله إلى وسائل الإعلام، وتناقله بين الإسرائيليين عبر التطبيقات على هواتفهم. وبحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت»، فإن قيادة الجيش أصدرت تعليمات تقتضي بالتحقيق في كيفية وصول مشاهد «العملية» التي استهدف فيها الشاب الفلسطيني الأعزل إلى أيدي الجمهور، من دون الإشارة إلى أي نيّة لـ«التحقيق في الأحداث التي جرى توثيقها». ولم تكتفِ قيادة الجيش «الأخلاقي» بذلك، وإنما ادعت بأن «شريط الفيديو يعود إلى شهور عدّة خلت، وليس أثناء مسيرات العودة التي بدأت منذ أسبوعين»، في محاولة فاشلة لتصوير الأمر وكأن «قتل الشاب الأعزل لا يخالف تعليمات إطلاق النار، ولا قوانينها المتبعة».

«ما فعله الجنود إنساني»

بالتوازي مع كل ذلك، قال وزير الأمن الداخلي، غلعاد إردان: «لقد وصلنا (الإسرائيليون) إلى مرحلة من الجنون والهلوسة». وتساءل في مقابلة له مع قناة «كان» الإسرائيلية: «ماذا، كان لدينا يوم ممل حتى يحصل الشريط على هذا الحجم من التناول؟ وهل يجب أن نحاكم جنوداً في ساحة المعركة يتعرّضون للرشق بالعبوات ويواجهون خطر التسلل، على ردّ فعلهم الإنساني من على مقاعدنا في تل أبيب؟». ورأى أن «لا دولة في العالم تحاكم جنودها على فعل كهذا»، مفضلاً «لو أن ضحكات الجنود لم توثق بالشريط، ولكن مع توثيقها لا يجب اعتبار أن هناك شيئاً ما خاطئ».
أمّا وزير التربية والتعليم الإسرائيلي، نفتالي بينت، فلم يكن ردّه مختلفاً أيضاً، وقال إنه «لا يمكن أحداً يجلس في إحدى مقاهي تل أبيب أن يدين أفعال الجنود، فنحن لا نتخلى عن جنودنا». وأضاف رئيس حزب « البيت اليهودي»، في مقابلة مع إذاعة الجيش، مدافعاً عن جنوده أن «كل من كان في الميدان يدرك تماماً أنه من غير الجيد لمن يجلس في تل أبيب وفي الاستديوات إصدار الأحكام على الجنود». وقال: «نحن نرسل جنودنا للحرب، ولذلك علينا الدفاع عنهم وحمايتهم... نعرف أن ذلك ليس أمراً بسيطاً، لكننا نواجه منذ أيام أشخاصاً يحاولون عبور السياج، ولذلك ليس من الحكمة انتقاد الجيش».