وسط الجموع، علت صرخة الطفل، مصطفى الرنتيسي (12 عاماً)، مختلطة ببكائه، بينما كان قد نسي تماماً أنه ممسك بهاتفه، ويوثّق لحظة عبوره السياج. «قطعوا قطعوا (دخلوا)... الله أكبر»، صرخ الطفل، غير مدركٍ أن ابن عمته الذي كان يركض إلى جانبه قبل لحظات، قد هوى أرضاً بفعل زخات الرصاص، واستشهد.كان ذلك قبل ثلاثة أيام، بينما كان الطفل الأصغر بين أخوته الخمسة، يشارك في «مليونية العودة وكسر الحصار»، مع عشرات الآلاف من الفلسطينيين في غزة. أمّا المقطع الذي التقطته عدسة الكاميرا في هاتفه المحمول، فقد أبكى كُثراً. ولذلك، ارتأت «الأخبار» محاورة الطفل «العائد» للوقوف على تفاصيل ذلك اليوم، والتعرف إليه عن قرب.

عشرات آلالاف شاهدوا المقطع الذي التقطته، واكتشفوا لاحقاً أنك مجرّد طفل ابن 12 عاماً فقط... هل يمكنك أن تعرّفهم عنك؟
اسمي مصطفى الرنتيسي، وأدرسُ في المرحلة الإعدادية وتحديداً في الصف السابع، وأنا أصغر أخوتي الخمسة.

ماذا تخطط للدراسة عندما تكبر؟
بصراحة، أحلم في أن أصبح صحافياً. لأنني أدرك أن كُثراً لا يعرفون كيف نعيش في ظلّ الحصار والاحتلال الإسرائيلي. وأنا أريد نقل الصورة لعلّي أساهم ولو قليلاً في كشف الحقيقة.

لا بد أنك شاهدت في التلفزيون المسيرات الداعمة في بعض الدول العربية والغربية... ماذا يعني ذلك بالنسبة إليك؟
أشكر هؤلاء المتضامنين مع قضيتنا، ومع حقنا، وأطلب منهم مساعدتنا والاستمرار في دعمنا والوقوف إلى جانبنا لأن ذلك يمدّنا بالقوة، ولأننا على حق قبل كل شيء وهم عليهم الوقوف إلى جانب الحق.

أنت طفل صغير، وكنت تشارك في مسيرة بين عشرات الآلاف، بينما خلف السياج كان هناك قناصون إسرائيليون يطلقون الرصاص الحي، وقنابل الغاز السام... هل خفت من ذلك؟
من ماذا أخاف؟ الموت؟ كان الرصاص ينهمر من كل حدب وصوب، ويقتل الناس بشكل عشوائي. لكن لا أعرف لماذا، كلّ ما كنت أفكر به هو أنني سأحقق حلمي وأدخل قرية جدي المهجِّر منها، التي طالما حدثني أهلي عنها، وهي قرية يبنا في قضاء اللد - والتي بالمناسبة - لا تبعد كثيراً عن غزة، حيث وُلِدتُ لاجئاً. وأريد أن أقول إن من عليه أن يخاف هو الجندي الإسرائيلي الذي يختبئ من ناس عزّل في قلب موقع عسكري محصّن. أنا لا أخاف لأننا على حق، هذه أرضنا وهو من عليه أن يخاف لأنه ليس على حق.

بفعل الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة، تنقطع الكهرباء معظم الأوقات، وكذلك الحال بالنسبة إلى المياه... اشرح للناس الذين لم يعيشوا حياة مماثلة كيف يقضي الأطفال في مثل سنّك أوقاتهم في هذه الظروف؟
العتمة مزعجة، لأنها تجعلك فاقداً لأبسط الأمور الحياتية، فمثلاً عندما يكون عليّ الدراسة من أجل الامتحانات، أمي تُشعل الشموع بسبب انقطاع التيار الكهربائي. أنا أعيش في بيت، بينما هناك كُثر في مثل سني ما زالت بيوتهم مهدمة منذ الحرب الإسرائيلية الأخيرة قبل ثلاثة أعوام. في الحقيقة نحن في غزة نعيش في مأساة. أمّا كيف نقضي أوقاتنا... نحن نلعب كرة القدم بجانب البيت مع أولاد الجيران والأقارب.

إذا كانت لعبة كرة القدم مفضلة بالنسبة إليك... فمن هو فريقك المفضل؟
ريال مدريد.

هل تحلم بالسفر إلى دولة معينة... ولماذا؟
لم أخرج من غزة مطلقاً. ولكن بصراحة أحلم بالسفر إلى تركيا، لأنها بلد جميل. وكذلك لأنني أريد أن أشكرهم على وقوفهم مع قضيتنا، وبالأخص الرئيس، رجب طيب أردوغان، الذي طرد السفير الإسرائيلي من تركيا.

هناك من يقول إن «المقاومة في غزة ترسلكم للموت من دون نتيجة»... ماذا تقول لهؤلاء؟
مش صحيح. لا أحد يرسلنا إلى مكان، نحن من يختار، ولا أحد يجبرنا على ذلك. والسبب بسيط هو أننا نريد استرجاع حقنا، ولا ننتظر من أحد أن يخبرنا عن الطريقة التي ستعيد لنا هذا الحق. نحن نحزن على الشهداء... ابن عمتي كان يركض إلى جانبي عندما عبرنا السياج، وقد استشهد وعرفت ذلك لاحقاً. وحزنت عليه وبكيت لأنني أحبه وكنا نلعب سوياً، ولكنه لن يعود معنا. وأتمنى أن يكون الآن في الجنة مع الشهداء. نحن تعبنا من هذه الحياة، شعبنا تعب من كلّ شيء لكن لدينا أمل أن الدماء التي تروي أرضنا ستعيد لنا الحق ونعود إلى قرى أجدادنا.
مصطفى الرنتيسي: فريق كرة القدم المفضل لدّي هو ريال مدريد (عن الإنترنت)