رام الله | مباشرة بعد الانفجار الذي استهدف موكب رئيس الوزراء الفلسطيني، رامي الحمدالله، في آذار الماضي في قطاع غزة، تعرّض الرجل لسلسلة تسريبات صحافية تمسّ سمعته، وهي التسريبات التي تتهم أوساط فتحاوية تيار القيادي المفصول من حركة «فتح» محمد دحلان، بإطلاقها ونشرها عبر مواقع إلكترونية، وقد مثّلت في الوقت نفسه محط اهتمامٍ لمواقع «حماس» التي نقلتها أيضاً.
أبرز تلك الأخبار جاءت بعنوان «فضيحة جنسية للحمدالله في فندق ملينيوم في رام الله»، ورُبطت بقضية مقتل الشاب رائد الغروف (من مدينة أريحا). الخبر نشره في البداية صحافي إسرائيلي يدعى روني بن مناحيم، نقلاً عمّن وصفه بـ«مسؤول فلسطيني»، وقال فيه إن «قتل الشاب كان للتغطية على الفضيحة»، بعدما عمل على تصويرها، ثم عمّم الخبر موقع «أمد» المقرّب من دحلان، وتناقلته بقية المواقع، لينفي أخيراً المكتب الإعلامي للحكومة في رام الله كل ما ذكر، قائلاً إنها أنباء تستهدف ضرب صورة رئيس الوزراء. وعملياً، لا تزال قضية مقتل الشاب غير معروفة الأسباب والمجريات، فيما تقول الجهات الرسمية إنها عملت على كشف الجناة، وذكرت اسم أحدهم، لكن دافعت عنه عائلته ببيان قالت فيه إن ابنها «تعرض لأبشع صور التعذيب والممارسات غير القانونية».
في مسار آخر أكثر أهمية، تداولت في الأسبوع الماضي الأوسط الفتحاوية أخباراً تتعلق بأن رئيس السلطة، محمود عبّاس، يتجه نحو تشكيل حكومة جديدة، وهو الأمر الذي لم يحدث بعد. وكان موقع «أمد» قد قال بداية الشهر الجاري، إن «أبرز الشخصيات المرشحة لرئاسة الحكومة هي عضو مركزية فتح ومسؤول التنسيق المدني (مع العدو)، حسين الشيخ، وأيضاً رئيس صندوق الاستثمار ومستشار عباس الاقتصادي ورئيس مؤسسة عباس الخيرية، محمد مصطفى». الموقع نفسه نقل عن مصادر ترجيحها تسلُّم الشيخ لرئاسة الحكومة بهدف «توصيل رسالة من عباس لإسرائيل بأنه ليست لديه نيات حقيقية لفك الارتباط أو قطع العلاقة»، كذلك قالت تلك المصادر إن إزاحة الحمدالله هي «نتيجة تقارير أمنية وتنظيمية تؤكد أنه بات يتصرف كخليفة (لعباس)، ويعمل على خلق ولاءات خاصة به بعيداً عن الرئيس».
بمراجعة أوساط فتحاوية كثيرة، قالت لـ«الأخبار» إن المشكلة الأساسية التي تواجه الحمدالله هي التي كانت تواجه خلفه سلام فياض، وتحديداً الرفض الفتحاوي له، خاصة في أوساط «اللجنة المركزية» للحركة، التي ترشح أيضاً اسم محمد شتية لرئاسة الوزراء وصيفاً للشيخ. أياً يكن، تضيف المصادر، فلا تزال التوازنات التي تحكم استمرار الحمدالله في منصبه قائمة، رغم التخوفات من الدعم الدولي الذي يحشده، إضافة إلى الصورة الإسرائيلية الإيجابية عنه. وأمس، قال مراسل الشؤون العربية للقناة 11 الإسرائيلية، جال بيرغر، إن «ضغوطات فتحاوية كبيرة على أبو مازن تجرى لإقالة الحمدالله»، وإنه «كان من المقرر أن يتم ذلك الأحد وتم تأجيله بسبب صحة عباس». وأضاف أن الأوروبيين لا يعارضون هذه الخطوة، كما سبق مع فياض، بسبب «مساهمة الحمدلله في تجفيف (الرواتب والأموال عن) غزة».

رجل «السلام الاقتصادي»!
حرص رامي الحمدالله في السنتين الأخيرتين على أن يتصدر المشهد في العلاقة الاقتصادية مع العدو، فقد سجّل عدة لقاءات مع وزير المالية، موشيه كحلون، وشخصياتٍ إسرائيلية أخرى، وذلك حتى في المدة التي أعلن فيها أبو مازن قطع الاتصالات مع العدو ومع الولايات المتحدة احتجاجاً على القرار الأميركي بشأن القدس المحتلة. ورغم أن الإعلام العبري بدأ الحديث عن «السلام الاقتصادي» و«التسهيلات» بالتزامن مع لقاء الحمدالله الأول الذي عُقد في بداية حزيران الماضي، نفى المتحدث باسم «التوافق»، إبراهيم المحمود، الصبغة الاقتصادية عن مضمون اللقاءات، وأكد آنذاك أن اللقاء تضمن «تأكيد موقف القيادة بوجوب الحل السياسي لأنه يشكل جوهر أي عملية، ولا حل اقتصادياً كما تروِّج له بعض الأطراف الإسرائيلية». مع ذلك، ناقض المتحدث باسم الحكومة نفسه، وأكد في بقية التصريح أن اللقاءات شهدت عدة اتفاقات تتضمن فتح «معبر الكرامة» بين الأردن وفلسطين على مدار الساعة منذ بداية العام الجاري، وأيضاً «تفعيل اللجنة الاقتصادية المشترك، وتوسيع صلاحيات السلطة الوطنية في الأراضي المصنفة (ج)». بعد ذلك، كشف المحمود عن اتفاقٍ مع كحلون على «إقامة منطقة صناعية في ترقوميا في محافظة الخليل، تضم منطقة تخليص جمركي ومخازن للبترول والغاز».
والملاحظ منذ ذلك الوقت (2016) حتى الأسابيع الأخيرة أن الحمدالله يخوض مباحثات «السلام الاقتصادي» شخصياً بنفسه، وذلك للمرة الأولى منذ تسلّمه منصبه عام 2014، إذ من المعتاد أن يلتقي الوزراء الإسرائيليين غالباً حسين الشيخ، أو مسؤول «لجنة التواصل»، محمود المدني.
تركز التسريبات الفتحاوية الداخلية على استبداله بالشيخ أو شتية


تُشبه المرحلة الحالية لرئاسة رامي الحمدالله حكومةَ «الوافق الوطني» الظروف التي سادت مناطق السلطة الفلسطينية بين عامي 2007 و2013، حينما تولّى سلام فياض رئاسة حكومة «الطوارئ» في الضفة المحتلة عقب الانقسام الداخلي وسيطرة حركة «حماس» على قطاع غزة. الشبه بين الرجلين والمرحلتين يعود إلى كونهما قادمين من خلفياتٍ غير عسكرية أو حتى سياسية، فالحمدالله أكاديمي فلسطيني كان يترأس جامعة «النجاح» عندما شكّل حكومة خلفاً لفياض المستقيل (أو المقال ضمناً) عام 2013، وفي 2014، توافقت «فتح» و«حماس» على الحمدالله رئيساً لحكومة «الوحدة الوطنية» أو حكومة «التوافق الوطني» تنفيذاً لبنود اتفاق المصالحة الذي وُقِّع في مخيم الشاطئ نهاية أيار 2014، واللافت أن الرجل لا يزال يحتفظ بمنصبه في الجامعة، رافضاً التخلي عنه، بل اشترط ذلك ليقبل رئاسة الحكومة، وهو ما يشير إلى إحساسه بإمكانية تكرر سيناريو فياض، وضمانه لذلك «خط رجعة».
أيضاً ثمة قواسم مشتركة أخرى بين الاثنين، فكلاهما لا يتمتع بشعبية «جارفة» في الوسط الفلسطيني، وحتى الفتحاوي، وإن كان للحمدالله رصيد أفضل مقارنةً بفياض، خاصة أنه يمتلك «ماكينة إعلامية» تتبع له في جامعة «النجاح» التي لها وسائل إعلام قوية داخل الضفة، فضلاً عن أن مزاوجته بين منصبَين تجعل هذه الماكينة تسلّط الأضواء عليه دائماً، كذلك إن احتكاكه بالحركة الطلابية خلال رئاسته للجامعة منحه شعبية أقوى. أما فياض، فكان يركز على النخب السياسية والاقتصادية الأجنبية والإقليمية، ولم يعرفه الشعب الفلسطيني إلا بعد توليه رئاسة الوزراء، بل استفهم كثيرون خلال الانتخابات التشريعية (2006) عن اسمه في قائمة «الطريق الثالث» التي شكّلها مع حنان عشراوي.
أما نقطة التمايز لفياض، فكانت في نسبة الدعم الدولي، إذ مُنِح دعماً أميركياً وإسرائيلياً قوياً وغير مسبوق أتاح له ممارسة نفوذ وصلاحيات تجاوزت مسؤوليات رئاسته الحكومة. لكن الحمدالله خلال تكليفه تشكيل الحكومة، تلقى ترحيباً أميركياً عبر وزير الخارجية الأسبق جون كيري، فيما علّقت الصحافة بالإسرائيلية بالقول إن اختياره «مريح، وهو رجل جيد» («هآرتس»)، وإنه «يملك شخصية براغماتية، وهو من النخبة الفلسطينية المقبولة عند الغرب» («يديعوت أحرونوت»).
في النتيجة، انتهت مرحلة فيّاض القادم من البنك الدولي بإغراق السلطة والشعب في الديون والقروض، بحجج مكافحة الفساد وبناء مؤسسات الدولة. وعندما غضبت منه «فتح»، أقالته بإخراج مظاهراتٍ حاشدة ضدّه، وهاجمته الجماهير بشراسة احتجاجاً على الأوضاع المعيشية، الأمر الذي اضطره إلى تقديم استقالته إلى رئيس السلطة محمود عباس الذي وافق عليها فوراً.
الحمدالله، وإن كان يتمتع بقليلٍ من الشعبية في صفوف «فتح»، فإن الحركة تنقسم إلى تياراتٍ بشأنه. لكن المؤكد أن شعبية الرجل الحقيقية تتركز في مسقط رأسه في بلدة عنبتا، لكن حتى مدينته، طولكرم، تنتشر فيها تيّارات ضده. وهذا الرفض، يعود وفق معارضيه، إلى «كونه لم يضحِّ بمقدار ما ضحى آخرون في فتح وأُهمِلَت تضحياتهم»، ويتهمونه أيضاً بـ«توظيف أعداد كبيرة من أقاربه في الوزارات الحكومية المختلفة».
بناءً على ذلك، تبقى السيناريوهات المرسومة لمستقبل الرجل بين ثلاثة مسارات: إما أن يقود «السلام الاقتصادي» بعد عباس، أو أن يُقيله أبو مازن قبل رحيله، أو أن «يمثّل الفلسطينيين بأي صيغةٍ جديدة ليست سياسية». ويبدو تحت الضغط الكبير من «فتح» أن احتمال عودته إلى جامعة «النجاح» هو الأعلى، بعد أن يكرر ما فعله فياض بتقديم استقالته بنفسه، علماً أنه سبق أن استقال في مراحل أخرى ولم يقبلها رئيس السلطة.