لم يتوقع أحد أن تتحول التكتيكات التي يستخدمها الشباب على طول حدود قطاع غزة، ضمن فعاليات «مسيرات العودة» و«كسر الحصار»، إلى مصدر خسارة فعلية وقلق متصاعد في شأن مستقبل الزراعة وحياة مستوطني «غلاف غزة»، إذا أكلت «الطائرات الحارقة» المصنعة محلياً بتكلفة زهيدة المحاصيل الزراعية التي انتظر المستوطنون شهوراً عدة لنضوجها، فيما تسبب حرق الإطارات (الكوشوك) في أضرار أخرى شملت الزراعة ومعدات الجيش، فضلاً على تصاعد عمليات قص السياج الحدودي و«التسلل»، وهو ما يضع قوات الجيش الإسرائيلي في حالة استنفار دائمة.الأساليب التي يستخدمها الشبان ضد قوات الاحتلال تندرج في إطار المواجهة بأقل تكلفة، وذلك في ضوء الوعي الجماعي لدى الغزيين بصعوبة الذهاب إلى مواجهة عسكرية حالياً. فمع مرور القطاع بثلاثة حروبٍ، لا تزال الفجوة في السلاح والعدة مع العدو كبيرة ولا تُقارَن. واللافت أن الاحتلال حاول مراراً نسب هذه التكتيكات إلى فصائل المقاومة المسلحة من دون أن يقدم دليلاً واضحاً، لا سيما أن الوقائع تثبت أن من ينفذ هذه الأعمال هم شبان مدنيون وإن كانوا قد لبسوا ألثمة سوداء لإخفاء وجوههم في تقليد يشبه المقاومين، لكن ذلك لدواع أمنية ولحمايتهم من الاستهدافات والاغتيالات.
أما «التكتيك» الأبرز والمؤرق للمستوطنين منذ أكثر من شهر، فتمثل في الطائرات الورقية المحملة بالمواد الحارقة، وأيضاً لم يتوقع أحدٌ نجاح هذا الأسلوب في بدايته، لكن تسببها في حرق مناطق واسعة من حقول وأحراش المستوطنين أدى إلى تكثيف استخدامها. حتى اليوم، على رغم محاولة الجيش الإسرائيلي ابتكار أساليب لمحاربتها، لم يستطع ابتكار حلّ ناجع، على رغم أنه شوهدَت طائرات إسرائيلية مسيّرة تُحاول إسقاط طائرات ورقية فلسطينية أكثر من مرة. والشبّان استخلصوا من جهتهم الدروس، وأتبعوا الطائرات الورقية ببالونات محمّلة أيضاً بمواد حارقة.
لم يتوقع أحد أن ينجح أسلوب الطائرات الورقية بهذه الطريقة والكمية


خلال الأيام الماضية، سجلت عشرات الحرائق في مستوطنات الغلاف، ووفق إحصائية، أُطلقت أكثر من 300 طائرة ورقية أسفرت عن إحراق أكثر من 3000 دونمٍ من حقول المستوطنين، وفق صحيفة «يديعوت أحرونوت». ويعتاد المستوطنون تأخير حصد القمح، لكن «كابوس الطائرات الورقية» جعلهم يُعجّلون الحصاد ويسرقون الوقت قبل احتراق المزيدٍ من محاصيلهم. «طائرة ثمنها نحو 10 شيقل (أقل من 3 دولارات) تحرق محاصيل بخسائرٍ تُقدّر بعشرات آلاف الشواقل في المرة الواحدة»، هذا ما كرره أكثر من مستوطنٍ في لقاءاتٍ متلفزةٍ عبر الإعلام العبري خلال الأسبوع الماضي. كما حمل أحد أعضاء الكنيست بقايا طائرة ورقية قائلاً إنها لا تقل ضرراً عن الصواريخ.
في المقابل، حاول أحد المستوطنين نقل التجربة إلى غزّة، لكنه فوجئ أن «الرياح لم تجر كما تشتهي طائرته»، فانقلبت الآية لتحرق أحراشاً جديدة للمستوطنين، كما أن المستوطن ذاته أصبح محط سخريةٍ، إذ عقّب الفلسطينيون بأنه «يحتاج إلى دروس في غزّة، لأنه لا يوجد شيء لإحراقه، فالمحاصيل على الحدود تم قطف ثمارها وحصادها مع الأيام الأولى لمسيرات العودة تحسباً من ضياعه.
وبدأت هذه الأساليب المستحدثة منذ انطلاق «مسيرات العودة» في 30 آذار الماضي، وهي تطورت تدريجاً بعدما نجح عدد من الشبان في اختراق الحدود، وسجلوا أربع عمليات دخول على الأقل في غضون ثلاثة أيام آنذاك، وأشعلوا النار أكثر من مرة في حفّاراتٍ بناء الجدار الإسرائيلي، كما أحرقوا معدّاتٍ ونقاطاً عسكرية، ثم عادوا بسلام. والحادثة الأخطر هي التي أشار إليها الإعلام العبري عندما تسللت مجموعة من الشبّان نحو مستوطنات «غلاف غزة»، وبقوا يمشون لأكثر من أربع ساعاتٍ داخل فلسطين المحتلة قبل أن يتمكن العدو من اكتشافهم واعتقالهم. وقبل ذلك، كان تكتيك «الأعلام الملغومة» أخطر ما يخشى منه الاحتلال، خوفاً من تكرر انفجار عبواتٍ ناسفة مربوطة بعلم فلسطين على الحدود، لكن لم تُعرف الجهة التي تقف خلف هذا الحدث.
وبعد انتباه الشبان إلى أن اتجاه الرياح غربية (من البحر المتوسط إلى فلسطين المحتلة) في غزة، استخدم الفلسطينيون أسلوب حرق القمامة على الحدود كأحد تكتيكات المقاومة الشعبية، فتنقل الرياح دخان الحرائق ورائحتها الكريهة إلى المستوطنات، بجانب حرق الإطارات لحجب الرؤية عن القناصة واحتماء الشبّان. أما «وحدة قص السلك»، فهي مجموعة شبّان يحملون مقصّات حديدية ومهمتهم قص أجزاء من السلك الحدودي لسحبه وإزالته أو لإحداث ثغرة تتيح عبور الحدود نحو الأراضي المحتلة.