لماذا يستخدم الشبان الفلسطينيون الواقيات الذكرية في وجه إسرائيل؟منذ 11 عاماً، تفرض إسرائيل حصاراً بريّاً وبحريّاً على قطاع غزة. طوال هذه الفترة، جرّبت المقاومة أكثر من طريقة للفت أنظار العالم، وأخرى لكسر الحصار، من بينها (على سبيل المثال والاختصار) حفر أنفاق تمتد إلى داخل شبه الجزيرة المصرية، سيناء، من أجل إدخال البضائع التي تمنعها إسرائيل، وحاولت أن تستعين أيضاً ببدائل أخرى عن تلك الممنوعة. أخيراً، قلّصت إسرائيل من إدخال البضائع إلى حدّ بات فيه القطاع في أزمة إنسانية خطرة. إلى جانب ذلك، أتت العقوبات التي فرضتها السلطة على غزة، لتجهز على القطاع نهائياً. وطوال هذا العقد، شنّ العدو الإسرائيلي ثلاث حروب مدمرة، آخرها كان عام 2014. وبعد أربع سنوات من الهدوء الحذر، والمحاولات الإقليمية والدولية لتصفية القضية الفلسطينية فعليّاً، بدأت المقاومة في غزة تفكّر بطرق سلمية للنضال، لعلّها تلفت أنظار العالم إلى ما يحصل هناك.
ومنذ الثلاثين من آذار الماضي، يخرج عشرات آلاف الفلسطينيين إلى الشريط الفاصل بتظاهرات سلمية في وجه جنود الاحتلال وقناصته. أمّا العنوان العريض لهذه التظاهرات، فهو «العودة وكسر الحصار». ومنذ انطلاقتها حتى اليوم، سقط 129 شهيداً، وأكثر من 13 ألف جريح. كذلك، خلال التظاهرات، أبتكر الشبان الفلسطينيون طرقاً عدّة للفت أنظار العالم، ولكن واحدة منها على الأقل حظيت باهتمام إعلامي لافت: الطائرات الورقية والـ«condoms». والأسباب لذلك كثيرة، أوّلها: استغلال العناصر الماديّة المتوافرة في الواقيات الذكرية، وتحويلها من غرض يُستخدم أثناء ممارسة الجنس، إلى أداة مقاومة مبتكرة في وجه الاحتلال. ثانياً: تكلفتها البسيطة جداً، مقابل الضرر الاقتصادي الهائل الذي كبدته للاحتلال، إلى الحد الذي أطلقت عليه وسائل إعلام عبرية عنوان «طائرات ورقية خفيفة مع تداعيات ثقيلة».

كيف يُعدّ الشبّان البالونات والواقيات الحارقة؟
زجاجة بلاستيكية معبّأة بالماء يُلصق على فوهتها واقٍ ذكريّ، وبمجرد أن يرفع مُعد البالون الحارق إصبعه عن الفوهة يُسقط المسحوق الكيميائي، الذي يستخدم عادة في أعمال التنظيف، داخل الزجاجة، ليتفاعل سريعاً مع الماء ويبدأ بالغليان مولداً كمية من الغاز تتصاعد وتنفخ البالون. بعد ذلك، ينزع الشاب البالون من الزجاجة بحذر شديد ــ لأن المحلول الذي بداخلها قد يحرق أصابعه لو أصابها ــ ثم يحكم إغلاق فتحة البالون بخيط مربوط بأقرب حجر (كي لا يطير بسبب خفة الغاز). وبعدما ينتهي من صنع عدّة بالونات، يُخرج قطعة قماش ويحشوها بمواد مشتعلة استخرجها مسبقاً من الألعاب النارية، ثم يغمرها بمادة البنزين سريعة الاشتعال. هذا الفتيل، الذي صنعه الشاب الفلسطيني سيحظى في النهاية بحاضنة خفيفة من الأسلاك المعدنية الرقيقة تتخذ شكلاً أسطوانياً، يُحكم ربطها بطرف خيط البالون الشفاف الذي نُفِخ مسبقاً. وقبل أن يحلّق البالون أو (الواقي الذكري المنتفخ) عالياً، حاملاً معه الفتيل المشبع بالمواد الحارقة باتجاه المستوطنات المحاذية لقطاع غزة، يوصل الشاب طرف الفتيل بسيجارة أو عود بخور ويشعله.
ويتلخص دور السيجارة هنا في كونها مؤقتاً للاشتعال؛ إذ بمجرد وصول شرارتها إلى الفتيل، يشتعل الأخير، مولّداً موجةً ناريةً تفجّر الواقي الذكري في الأجواء، لتسقط أخيراً كرة لهب على أحد الحقول الزراعية في الأراضي التي تحتلها إسرائيل، مسببةً حريقاً كبيراً.

ما حجم الخسائر التي سبّبها الواقي الحارق؟
منذ أكثر من شهرين، باتت الواقيات الذكرية مصدر إزعاج وإرباك للحكومة الإسرائيلية، إلى الحد الذي خصّصت له الأخيرة أكثر من جلسة للمناقشة قضت آخرها (اليوم)، بعدم منع إدخال الواقيات إلى غزة من منطلق أن الشبان هناك سيبتكرون طرقاً أخرى، والمنع سيكون بلا نتيجة. البالونات الحارقة سبّبت أكثر من 400 حريق، وأتت على آلاف الدونمات الزراعية، وكلّفت مواجهتها ومحاولات إخمادها أكثر من نصف مليون دولار أميركي، وذلك بحسب معطيات كشفتها لجنة الأمن والخارجية في الكنيست، منتصف الشهر الحالي.

ظاهرة البالونات الحارقة والطائرات الورقية، مموّلة؟ وهل تتوقف؟
للمفاجأة، فإن البالونات غير مموَّلة. والسبب أن تكلفة الواحد منها شيقل فقط (3.8 شيقل= 1 دولار أميركي)، أمّا كمية «الصودا الكاوية» المطلوبة لنفخ بالون واحد، فلا تتجاوز تكلفتها الشيقل أيضاً، وثمن البنزين وأعواد الكبريت ومواد الألعاب النارية تبلغ 2 شيقل. وبحسب مقابلة أجرتها وكالة «الأناضول» مع أحد الشبان الذين يطلقونها، فإن «البالونات والطائرات الورقية الحارقة هي الوسيلة الوحيدة للفت انتباه العالم إلى ما يعانيه القطاع من حصار خانق، منذ أكثر من عشر سنوات». ويؤكد هذا الشاب أنه «لا يمكن أن نتوقف عن إطلاق البالونات باتجاه إسرائيل، قبل أن ترفع حصارها عن غزة»، شارحاً أن «الفقر، والبطالة، والمرض، والأزمات الإنسانية أنهكت الفلسطينيين في القطاع، والآلاف من الأسر لم تعد تجد طعاماً لأطفالها... فكيف نصمت عن كل هذا؟ سنواصل إشعال الحرائق حتى تنتهي هذه المأساة».

كيف يمكن أن تواجه إسرائيل البالونات؟
في الأسبوع المنصرم، سبّبت البالونات والطائرات الورقية الحارقة موجة تصعيد محدودة بين المقاومة وإسرائيل؛ حيث شنّت الأخيرة أكثر من 25 غارة على مواقع لحركة «حماس»، بهدف الضغط عليها لإيقاف الظاهرة، فيما ردّت الأخيرة بقصف المستوطنات الإسرائيلية المحاذية للقطاع. ويسود جدل في إسرائيل بشأن سبل مواجهة مطلقي الطائرات الورقية والبالونات المشتعلة، لكن حتى الآن لم تعلن الحكومة أية قرارات تتعلق بها، وبحسب آخر ما رشح من معطيات إسرائيلية، فإن هذه البالونات الحارقة قد تشعل مواجهة عسكرية بين غزة وإسرائيل.