أن تكون حليفاً للولايات المتحدة الاميركية، وأن تكون متوهّماً أنها حَكَم بينك وبين أعدائك، فهذا لا يعفيك من تبعات غضبها، حتى لو قررتَ أن تلعب لعبتها، وتعتقد أنك عضو في العالم الذي أعادَت تنظيمه بعد انهيار الحرب الباردة. إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب قررت أمس قلب الطاولة في وجه منظمة التحرير الفلسطينية، وطردها من واشنطن، في الذكرى الـ25 لتوقيع اتفاق أوسلو بينها وبين العدو الإسرائيلي. لم يشفع للمنظمة، وخاصة رئيسها الحالي محمود عباس، كل ما قدّمته من تنازلات، ولا تخلي «أبو مازن» عن المقاومة المسلحة وتسخير أجهزة أمن السلطة لملاحقة أي احتمال للعمل الفدائي، ولا التشبّث بالتنسيق الامني مع العدو، ولا إحباط عشرات العمليات ضد الاحتلال في الضفة الغربية، ولا مباركته لكل إجراءات خنق قطاع غزة، ولا كونه الأكثر تفريطاً في الحقوق الفلسطينية. بشحطة قلم، قرر ترامب طرد من ظن نفسه «شريكاً استراتيجياً» للولايات المتحدة في عملية السلام. كل ما في الأمر أن عباس لم يعد قادراً على التنازل أكثر. فما هو مطلوب منه ليس توقيعاً لإسقاط حق عودة اللاجئين، واعترافاً بحق إسرائيل في الوجود، وحسب. تريد واشنطن، بصفقة القرن التي شرعت في تطبيقها، تخليه عن كل شيء. حتى وهم الدويلة الخاضعة أمنيا وسياسياً ومالياً للعدو، يُراد منه أن يتنازل عنه، لصالح بؤر في الضفة الغربية، تشبه ـــ في أحسن الاحوال ـــ محميات السكان الأصليين في الولايات المتحدة الاميركية.قرار الإدارة الأميركية أمس إغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، إنهاءٌ ـــ من جانب ترامب - لاتفاق أوسلو نفسه، ورفضٌ لـ«غصن الزيتون» الذي رفعه الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في الامم المتحدة عام 1974، ولقبول منظمة التحرير حل الدولتين عام 1988. وآنياً، بدا كما لو أن الإدارة الأميركية تقول لعباس إن «تلويح مقربين منك بحل السلطة لن يجدي نفعاً». هي خطوة مكملة لقرار نقل السفارة الاميركية من تل أبيب إلى القدس، قبل وقف تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأنروا)، في إطار التنفيذ التدريجي لـ«صفقة القرن». ذريعة ترامب لتنفيذ «انقلابه» على من توهّم الشراكة مع الولايات المتحدة، أن السلطة الفلسطينية قررت اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية لملاحقة إسرائيل! هذه المحكمة التي جرى إنشاؤها عام 2002، كواحدة من أدوات العالم الغربي في عالم ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، ممنوع لها أن تكون سوى عصا لضرب خصوم الدول الغربية، لا أداة يمكن شعوب الأطراف استخدامها لتحصيل فتات الحقوق. حتى هذه الهيئة الدولية نالت نصيبها من «الانقلاب الأميركي»، بإعلان واشنطن نيتها محاكمة قضاتها ومعاقبتهم إن هم تجرأوا على المس بإسرائيل، أو فتحوا تحقيقاً بشأن الجرائم الأميركية في أفغانستان.
عباس: مستعدون للتنسيق مع كوريا الشمالية لمواجهة «الخطر المشترك»


وأعلنت واشنطن رسمياً، أمس، إغلاق أبواب المكتب التمثيلي لـ«منظمة التحرير الفلسطينية» في واشنطن، بعدما كانت، في 18 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، قد سلّمت رسالة لها برفض تجديد الترخيص للمكتب، الذي كان خطوة تتكرر كل ستة أشهر. وقالت الخارجية الأميركية، في بيان أمس، إن «هذا القرار يتطابق مع مخاوف الإدارة والكونغرس من المحاولات الفلسطينية لإجراء تحقيق (عن) إسرائيل عبر المحكمة الجنائية الدولية»، متهمة المنظمة بأنها «لم تتخذ خطوات للدفع من أجل بدء محادثات مباشرة مع إسرائيل، بل ندّدت بخطة السلام الأميركية قبل أن تطّلع عليها».
في المقابل، وصف أمين السر لـ«اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير»، صائب عريقات، الخطوة الأميركية بأنها «هجمة تصعيدية مدروسة ستكون لها عواقب سياسية وخيمة في تخريب النظام الدولي برمّته من أجل حماية منظومة الاحتلال الإسرائيلي وجرائمه». وقال إن «القيادة ستتخذ التدابير الكافية لحماية الفلسطينيين الذين يعيشون على الأراضي الأميركية في الوصول إلى خدماتهم القنصلية»، في إشارة إلى الدور الذي كان ينفذه مكتب المنظمة في غياب سفارة فلسطينية في الولايات المتحدة.
في سياق آخر، وفي خطوة تكشف مدى سوء العلاقة بين واشنطن ورام الله، سلّم وزير الخارجية الفلسطينية، رياض المالكي، رئيس كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، رسالة خطية من رئيس السلطة محمود عباس، يعلن فيها استعداد فلسطين لـ«التنسيق وفتح باب التشاور المستدام» مع كوريا الشمالية في مواجهة «الخطر المشترك»، و«رفع مستوى الجاهزية والتعاون إلى أعلى درجاتهما».
وشرح عباس ما فعلته وتفعله إدارة دونالد ترامب من خطوات «خطيرة» هدفها تصفية القضية الفلسطينية وتحويلها إلى قضية ذات طابع إنساني فقط، محذراً من «تبعات قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس واعتراف إدارة ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل». في المقابل، أكد كيم، وفق المالكي، وقوف بلاده مع «عدالة القضية الفلسطينية».



واشنطن ستلاحق قضاة «الجنائية الدولية»!
قال مستشار الأمن القومي الأميركي، جون بولتون، إن واشنطن «ستقف دوماً إلى جانب إسرائيل (لذلك) أعلنت إغلاق مقر منظمة التحرير»، مضيفاً أن المحكمة الجنائية الدولية «غير مسؤولة وغير فعالة، بل خطيرة، والولايات المتحدة تراها ميتة». وأوضح بولتون أمس أن «الجنائية» كانت قد «هدّدت إسرائيل بتحقيقات حول إجراءاتها في الضفة الغربية وغزة، وهي (إسرائيل) تدافع عن مواطنيها ضد هجمات إرهابيين». وفي انقلاب على كل مزاعم الولايات المتحدة الاميركية بشأن مؤسسات «العدالة الدولية»، هدّد بولتون بأن بلاده ستطبّق إجراءات ضد المحكمة ـــ في حال لاحقت أميركيين أو اسرائيل أو «أيّ حليف من حلفائنا» ـــ منها «منع دخول قضاة المحكمة الجنائية الدولية وممثلي الادعاء إلى الولايات المتحدة، وفرض حظر على أموالهم، ومحاكمتهم أمام القضاء الأميركي». وجدّد التأكيد أن بلاده لن تنضم إلى المحكمة، ولن تتعاون معها وستتركها لتموت وحدها!