«الانتقام الانتقام، يا سرايا ويا قسّام». بهذا الهُتاف توجّه أهالي قرية كفر نعمة في قضاء رام الله (وسط الضفة المحتلة) إلى المقاومة الفلسطينية، بعدما استشهد فلسطينيان اثنان أمس، وأصيب ثالث بجروح خطرة، في حادث سيارة مع جنود من العدو، تزامناً مع تحذير أطلقته الأجهزة الأمنية الإسرائيلية إلى حكومتها من «مغبة القرارات» التي تتخذها في إطار الحملة الانتخابية. ففي الرابعة من فجر أمس، اصطدمت سيارة كانت تقلّ ثلاثة فلسطينيين، جميعهم في العشرينيات، بآليات لجنود العدو كانت قد اقتحمت قرية كفر نعمة لاعتقال عدد من الشبان.ووفق الإعلام العبري، نفذ الشهيدان أمير محمود درّاج، ويوسف رائد عنقاوي، والجريح هيثم باسم جمعة، «عملية دهس استهدفت الجنود». لكن رئيس المجلس القروي في كفر نعمة، نعمة خلدون، قال في تصريح صحافي إن «المكان الذي وقع فيه الحادث صعب من ناحية التضاريس الطبيعية، فضلاً عن أن المنعطف خطير ومعروف أن حوادث كثيرة تحصل عنده... يُستبعد أن يكون الشبان الثلاثة قد نفذوا عملية، ومن المُرجح أنهم أعدموا بالرصاص بعد اصطدام سيارتهم دون قصد».

الخوف أكبر في الضفة
على خط موازٍ، كشف المراسل العسكري لصحيفة «هآرتس» العبرية، يانيف كوبوفيتش، أن «قادة الأجهزة الأمنية حذروا الحكومة الإسرائيلية من احتمال تصعيد الأوضاع في الضفة الغربية بسبب القرارات التي اتُّخذت أخيراً خدمة لأجندات انتخابية، وعلى رأسها القرارات الاقتصادية». وفي التفاصيل، أكدت الأجهزة الأمنية أن قرار الحكومة خصم نصف مليار شيكل (نحو 138 مليون دولار) من عائدات الضرائب المستحقة للسلطة الفلسطينية «اتُّخذ لدوافع سياسية وحزبية ذات علاقة بالانتخابات»، في إشارة إلى خصم ما قيمته 20% من ميزانية السلطة، بحجة أن هذه الأموال تساوي ما دفعته الأخيرة للأسرى وعائلات الشهداء خلال 2018.
وأشارت «هآرتس» إلى أن الاعتقاد السائد لدى الأجهزة الأمنية، أن «السلطة لن تتوقف عن دفع المخصصات، خشية أن يثير ذلك نقمة الأسرى عليها»، وهو يطابق ما صرّح به رئيس حكومة تسيير الأعمال، رام الحمدالله، قبل يومين. ونقلت الصحيفة عن مصادر في أجهزة الأمن قولها إنه «قد يحدث تصعيد أمني في الضفة لأن القيادة الحالية (للسلطة) ضعيفة، ولا تقوم بخطوات فعلية ضد إسرائيل، الأمر الذي سبّب أزمة ثقة في الضفة يمكن أن تقود إلى انقلاب في السلطة واندلاع احتجاجات».
لن تتوقف السلطة عن دفع المخصصات خشية نقمة الأسرى عليها


ومن السيناريوات التي عرضتها الأجهزة الأمنية أخيراً أمام «المجلس المصغر» (الكابينيت)، أن يقود «حدث أمني أو مواجهات على خلفية دينية، أو أحداث داخل الأقصى» إلى سقوط أعداد من الشهداء، ثم إلى «احتجاجات عنيفة»، قد يسبّبها أيضاً «استياءُ الفلسطينيين من طرح صفقة القرن». كذلك، ذكرت الصحيفة نفسها أن الأجهزة الإسرائيلية ترى أن اندلاع احتجاجات يمكن أن يُعزز موقف محمود عباس، الذي «قد يستخدم ورقة سوء الوضع الاقتصادي لإثارة الغليان لدى الفلسطينيين ضدّ إسرائيل وحركة حماس على حدّ سواء».
في هذا السياق، نقلت «هآرتس» عن مصدر أمني إسرائيلي أنه «قد لا يخرج الفلسطينيون بجماهير غفيرة من أجل أمور سياسية، ولكنهم سيخرجون حتماً من أجل وضعهم الاقتصادي، والدليل ما حصل عندما جرى تعديل قوانين التقاعد والضمان الاجتماعي». من جهة أخرى، أوردت الصحيفة أن «جهاز الأمن الداخلي» (الشاباك) طلب تخفيف القيود المفروضة على نحو 100 ألف عامل فلسطيني داخل أراضي 1948، والمستوطنات في 1967، لتجنب تصعيد الأوضاع. أما بالنسبة إلى غزة، فإن الوضع الأمني «مرجح للاشتعال»، بل لم تستبعد الأجهزة الأمنية نشوب حرب هناك، خاصة بعد تصريحات رئيس هيئة أركان الجيش، أفيف كوخافي، حول الاستعداد في الأمد القريب للحرب على الجبهة الجنوبية، وأنه صدّق على خطة لشن حرب على القطاع.
في الوقت نفسه، نقلت الصحيفة عن دائرة البحوث التابعة لـ«شعبة الاستخبارات العسكرية» (أمان) أن «حماس» قد «تسعى إلى تصعيد الأمور وصولاً إلى الحرب، من أجل إعادة الحديث عن الوضع الإنساني الصعب في القطاع، بعدما وصلت هذه القضية إلى أفق مسدود». مع ذلك، تخشى الأجهزة الإسرائيلية أكثر من تفجّر الأوضاع في الضفة، لأنها تحتاج إلى عدد جنود أكبر لحماية المستوطنات والسيطرة على المواجهات والاشتباكات.
في شأن آخر، صدّقت «المحكمة العليا» الإسرائيلية، أمس، على الأمر العسكري القاضي بهدم منزل الأسير عاصم البرغوثي، منفذ عملية «غفعات أساف» قبل شهور في بلدة كوبر (قضاء رام الله)، على أن يُنفَّذ الهدم خلال أيام. يأتي هذا في وقت قال فيه «نادي الأسير الفلسطيني»، أمس، إن قراراً إسرائيلياً اتُّخذ بالإفراج عن الأسيرة سهير البرغوثي (59 عاماً)، وهي والدة الأسير عاصم (والشهيد صالح وزوجة الأسير عمر)، بعد اعتقال لنحو شهر.

معادلة جديدة في غزة
في غزة، استهدف العدو الإسرائيلي، عصر أمس، نقطتَي رصد تتبعان للمقاومة وسط قطاع غزة وجنوبه من دون وقوع إصابات، وذلك عقب يوم من قصف طائرة إسرائيلية نقطة للمقاومة شرقي بيت حانون (شمال). ويقول مراقبون ميدانيون إن العدو يحاول ترسيخ قاعدة جديدة استباقاً لحدوث موجة إضافية من البالونات مع تحسن الأحوال الجوية، علماً أن مستوطنين كثراً سارعوا إلى قطاف جزء من محاصيلهم قبل نضجها خوفاً من احتراقها، وخاصة القمح.
هذه المعادلة تقوم على الردّ الموضعي والسريع، ليس على الصواريخ فحسب، بل على البالونات التي تحدث انفجارات وخراباً في المستوطنات، وهو ما لم تردّ عليه المقاومة بعد، في وقت وصلت فيه رسائل من الوسطاء، الأمميين والمصريين والقطريين، بضرورة وقف ظاهرة البالونات مقابل عدد من التسهيلات.



التماس قانوني لـ«أسرى شاليط»


تقدّم 31 أسيراً فلسطينياً أفرج عنهم في «صفقة شاليط»، وأعيد اعتقالهم بعدها، بالتماس إلى «المحكمة العليا» الإسرائيلية أمس، للمطالبة بالإفراج عنهم. وقد وكّل هؤلاء محامياً إسرائيلياً يدعى أفيغدور فيلدمان، قال بدوره إن إسرائيل أعادت اعتقالهم لأسباب سياسية، رغم أنهم «لم يرتكبوا أي مخالفة أمنية، ولم يعرّضوا أمن الدولة للخطر»، مشيراً إلى تصريح سابق لوزيرة القضاء الإسرائيلية، أيليت شاكيد، قالت فيه إن الهدف من الاعتقال «إيلام الإرهابيين والضغط على أسرهم»، في إشارة إلى خطف ثلاثة مستوطنين في الخليل عام 2014.
ويربط كثيرون بين توقيت هذا الالتماس، واجتماع أخير لجهاز «الشاباك» مع هؤلاء الأسرى، على أنه «مخرج قانوني» ينهي الشرط الأساسي من شروط «حماس» لبدء الحديث في تبادل جديد، أي الإفراج عنهم، خاصة أن هذا الحراك يأتي بعد مرور خمس سنوات على حرب غزة الأخيرة، حينما فقد العدو عدداً من جنوده، وهي المدة نفسها التي كانت بين أسر جلعاد شاليط وإتمام صفقة تخصّه.
(الأخبار)