على رغم عودة العدو الإسرائيلي إلى سياسة الاغتيال المباشر ضد المقاومين الفلسطينيين لأول مرة منذ الحرب الأخيرة عام 2014، باغتياله الشهيد حامد الخضري (34 عاماً) المتهم بالمساهمة في نقل أموال من إيران إلى غزة، وهو من أكبر الصرّافين في القطاع، بدا واضحاً تجنب الجيش الإسرائيلي إحداث مجازر كبيرة بين المدنيين مثلما كان يحدث في الحروب الماضية، خشية رد فعل المقاومة التي أظهرت قدرتها على إصابة الجنود والمستوطنين في الجولة الجارية. فمنذ بداية المواجهة، أول من أمس، اعتمدت المقاومة تكتيكات جديدة، ولا سيما في الصواريخ التي باتت تطلَق بأعداد أكبر في وقت متزامن، مع التركيز على مدينة واحدة، وهو ما أدى إلى إحداث أضرار كبيرة ووقوع قتلى وعشرات الإصابات. الأخطر على العدو في هذا الأسلوب أنه يجري بصورة مشتركة وجماعية بين الفصائل كافة، وبخاصة «كتائب القسام» الجناح العسكري لحركة «حماس»، و«سرايا القدس» الجناح العسكري لـ«الجهاد الإسلامي»، وهو ما لم يتعامل معه بهذه الصورة من قبل، ويناقض محاولاته منذ بداية المواجهة بثّ رسائل فرقة بين الحركتين عبر تركيز المستويات السياسية والإعلامية الإسرائيلية على «الجهاد».
مجدّداً، أخفقت «القبّة الحديدية» في التصدّي لصواريخ المقاومة الكثيفة (أ ف ب )

ومجدداً، استعملت المقاومة التدرج في الاستهداف، وتوسيع البقعة التي تصل إليها الصواريخ تناسباً مع الاعتداءات الإسرائيلية، إذ بدأت باستهداف مستوطنات «غلاف غزة» برشقات صواريخ على نحو متفرق، لكنها سرعان ما اتجهت إلى إطلاق الصواريخ بكثافة أكبر وتركيز جغرافي محدد بعدما عمد العدو إلى قصف المباني، في رسالة من المقاومة بقدرتها على تهجير مدن بأكملها وإحداث أضرار كبيرة فيها، وهو ما أشار إلى بوادره الإعلام العبري عندما ذكر أن نحو 35% من سكان المستوطنات القريبة من القطاع تركوا منازلهم. أيضاً، تأكد ــــ كما في الجولتين القتاليتين الأخيرتين خلال الشهور الماضية ــــ أن صواريخ المقاومة صارت ذات دقة أفضل وقدرة تدميرية لافتة، وباتت تحمل رؤوساً متفجرة أفضل مما كانت عليه.
الأساليب المستخدمة تهدف إلى رسم خطوط حمر يكون ثمن تجاوزها كبيراً


من جهة ثانية، حمل استهداف ناقلة جند وجيبين عسكريين بصواريخ «كورنت» موجّهة شرق القطاع، رسائل بقدرة استخبارية عالية لدى المقاومة، وإمكانية توجيه ضربات مؤلمة إلى الجيش في منطقة «غلاف غزة»، وأيضاً الرد على عودة سياسة اغتيال المقاومين بضربات نوعية تهز المنظومتين الأمنية والعسكرية، مثلما أظهر مقطع مصور باسم «غرفة العمليات المشتركة» لعملية استهداف حدودية، علماً بأن إحدى ضربات أمس أدت إلى مقتل جندي واحد على الأقل.
وعلى رغم أن هذه التكتيكات ميدانية، إلا أن الخلفية التفاوضية مع الاحتلال واضحة، لأن الأساليب المستخدمة كانت تهدف إلى رسم معادلة وخطوط حمر أمام العدو يكون ثمن تجاوزها كبيراً، مع إدراكها (المقاومة) أن هناك سوء تقدير لدى الاحتلال نابعاً من إحساسه بخشية الفصائل من تدهور الأوضاع ودخول مواجهة شاملة، وهو ما ثبت أنه غير صحيح، بعدما نفذت الأذرع العسكرية ضربات ضاغطة أظهرت أنها غير آبهة بإمكانية حدوث حرب، الأمر الذي أكده المتحدث باسم «الجهاد الإسلامي» مصعب البريم، عندما قال إن «المقاومة على عتبات مرحلة جديدة في جولة صدّ العدوان ربما تفضي إلى حرب مفتوحة».
عموماً، يمكن وصف طريقة عمل المقاومة خلال هذه الجولة بالاتزان وممارسة الضغط على الاحتلال بقدرة عالية، كونها تدرك أن الخيارات ضيقة لدى العدو الذي يريد إنهاء المواجهة في أقصر وقت، وهو يضغط في سبيل ذلك عبر عودة الاغتيالات واستهداف المنازل والأبراج من أجل إنهاء الجولة من دون الالتزام بشيء، الأمر الذي شرحه المحلل العسكري أمير بوخبوط في موقع «والا» العبري، بالقول: «إسرائيل في هذه اللحظات أصبحت في حالة جنون، وخاصة أنها كانت تبني على أن ينتهي التصعيد مع قدوم رمضان، لكن توقعاتها فشلت، لذلك لجأت في الساعات الأخيرة إلى استهداف منازل ومبانٍ وربما تتطور الى أبراج في الساعات المقبلة، وذلك من أجل دفع الفصائل الفلسطينية الى طلب وقف إطلاق النار، الأمر الذي لم يحدث». وأضاف بوخبوط: «بما أن الثمن الذي تدفعه إسرائيل بدا من اللحظات والأيام الأولى للتصعيد باهظاً، فإن (بنيامين) نتنياهو والجيش يخاف من عملية برية لا يريدها، ولذلك يطلق الجيش والإعلام شائعات تستهدف الفلسطينيين في غزة».