غزة | على مدى العامين الماضيين، ناقشت المخابرات العامة المصرية، لمرات متتالية، ملف الجنود الإسرائيليين الأسرى لدى حركة «حماس» في قطاع غزة، مع وفود قيادية من الحركة زارت القاهرة، لكن من دون التوصل إلى صفقة. في الأيام الماضية، طرأت مستجدات على هذا الملف، وفق ما علمته «الأخبار»، بعدما أبلغ المصريون «حماس» بـ«وجود نية إسرائيلية لبدء مباحثات إجراء صفقة تبادل جديدة» قريباً. وتقول مصادر في الحركة إن القاهرة نقلت إليها أن العدو معنيّ بفتح ملف الجنود بعد تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، ولذلك هو مستعدّ لـ«بحث الشروط المسبقة التي تضعها حماس قبل بدء أي مفاوضات».في المقابل، جددت الحركة للوسيط المصري تشديدها على ضرورة أن يلتزم العدو شروطها قبل مفاوضات الصفقة، وهو ما وعد الوسيط ببذل الجهود من أجله، أو بالحدّ الأدنى الوصول إلى حلول يقبلها الطرفان. وبحسب المصادر، كررت القاهرة نقاشاتها مع «حماس» حول الجنود الأسرى في غزة أكثر من تسع مرات خلال العام الماضي. وبدأ النقاش بطلب مصري بمعرفة مصير الجنود الذين تقول إسرائيل إنهم مفقودون في القطاع، وهو ما قوبل دوماً بالرفض، على اعتبار أن المعلومات إحدى أوراق التفاوض في هذه القضية.
خلال مباحثات العامين الماضيين، التي حضرها كبار قادة «حماس» بِمَن فيهم أعضاء في «المجلس الأعلى للجناح العسكري» للحركة، «كتائب القسام»، جدد هؤلاء التمسك بموقفهم، لكنهم أفصحوا عن معلومة وحيدة تتعلق باعتراف واضح بوجود أربعة جنود لدى «حماس»، من دون معلومات إضافية عن حالتهم. وفي مباحثات سابقة، اقترح المصريون تأجيل الشروط «الحمساوية»، على أن يكون تنفيذها بالتزامن مع تنفيذ صفقة التبادل الجديدة، وهو ما قبلته الحركة بعد ضغط مصري، لكن هذا الاقتراح رفضته الحكومة الإسرائيلية، وهو ما سبّب استقالة مسؤول «ملف الأسرى والمفقودين (الإسرائيليين)» في مكتب بنيامين نتنياهو، ليؤر لوتان، في آب/ أغسطس 2017، معللاً ذلك بـ«جمود الحكومة (الإسرائيلية) في التعامل مع الملف». وتبعت هذا الأمرَ عرقلةُ «المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر» (الكابينت) تمرير مسودة الصفقة التي كانت تحوي أعداد الأسرى المطلوب الإفراج عنهم وتفاصيل في شأنهم، بعد رفضه عدداً من الأسماء على رأسها الأسير حسن سلامة المعتقل منذ نحو 21 سنة، وهو ما أعاد القضية إلى المربع الأول (راجع العدد 3444 في 2018/4/17).
بعد ذلك، رفضت المقاومة عروضاً نقلها المصريون برفع الحصار عن غزة كلياً وإنعاش القطاع اقتصادياً، مقابل الإفراج عن الجنود الأسرى خارج إطار صفقة تبادل، لكن «حماس» رفضت هذه العروض. وهي حالياً تعوّل على أن تسبق الصفقةَ الأساسية خطواتٌ من قبيل «تقديم الاحتلال تسهيلات ثابتة إلى الأسرى، والإفراج عن الأطفال والنساء»، لقاء تقديمها معلومات عن مصير الجنود، ومن ثم التباحث في عدد الذين يجب على العدو الإفراج عنهم مقابل الأربعة، طبقاً للمصادر. ولا يزال مصير الجنود الأسرى لدى «كتائب القسام» مجهولاً، على رغم إصدار الأخيرة أكثر من شريط مرئي يخصّ القضية ويحمل بعض التخمينات، فيما تشكّك عائلتا الجنديَّين، هدار غولدن وشاؤول أرون، في ما أعلنه الجيش الإسرائيلي من أن المقاومة اختطفت جثتَيهما، لكن الجيش لا ينفي أن الجنديين أبراهام منغستو وهشام السيد (من أصل إفريقي وعربي) أُسرا وهما على قيد الحياة.
رفضت «القسام» الإفصاح عن أي معلومة سوى أنّ عدد الجنود 4


ومن ضمن الشروط المسبقة، تشدد المصادر على ضرورة إفراج العدو عن قرابة 60 أسيراً من مُحرَّري صفقة «وفاء الأحرار» المعروفة بصفقة «شاليط»، لكون اعتقالهما خالف الصفقة السابقة. لكن حكومة العدو نقلت إلى المصريين أن هناك قوانين إسرائيلية سُنَّت خلال السنوات الماضية تمنع تنفيذ صفقات مع «حماس» بأعداد كبيرة، وأن إمكانية تغيير هذه القوانين غير واردة إلا بعد تليين الحركة موقفها في هذا الملف. وكان الكنيست قد أقرّ، خلال الأعوام الستة الماضية، عدداً من القوانين التي تمنع الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين بموجب صفقات تبادل، وتفرض عقوبات على أسرى أيّ فصيل فلسطيني يُقدِم على عملية أسر لجنود، بالإضافة إلى احتجاز جثامين شهدائه إلى حين الإفراج عن الجنود.
في الوقت نفسه، روّجت تقارير إسرائيلية كثيرة أن 100 أسير من مُحرَّري «شاليط» عادوا إلى «ممارسة نشاطات إرهابية». ووفق تقرير للقناة العبرية السابعة، قال الجيش إن هناك أسرى «انتهكوا شروط الإفراج عنهم، وأعيد أكثر من 50 منهم إلى قضاء محكومياتهم السابقة، إلى جانب محكوميات إضافية لنشاطاتهم الجديدة». وادعت القناة أن هناك أسرى مُحرَّرين خارج المناطق التي تقع تحت السيطرة العسكرية الإسرائيلية «يمارسون نشاطات محظورة ومخالفة للصفقة»، لكن مصادر فلسطينية تؤكد أن جميع الأسرى المُفرَج عنهم في تلك الصفقة رفضوا التوقيع على أوراق تلزمهم بعدم ممارسة أي نشاطات تضرّ أمن إسرائيل. وأضافت تلك المصادر أنّ من بين 56 أسيراً هناك اثنان لا تزال قضيتهما عالقة أمام المحاكم ولجنة الاستئناف، فيما رفضت الأخيرة اتهامات ضد ثالث وقررت إطلاق سراحه، قبل أن يقدم الجيش التماساً أمام المحكمة العليا لم يُبَتّ في شأنه، ليبقى معتقلاً من دون قضاء محكوميته السابقة (بموجب حكم إداري).
في غضون ذلك، قالت عائلة الجندي الأسير لدى المقاومة، هدار غولدن، إنها لا تعتقد بقرب تنفيذ صفقة تبادل في هذه المرحلة، نافية وجود أي اتفاق في المرحلة الحالية. واتهمت العائلة، الحكومة الإسرائيلية، بـ«تضييع الكثير من الفرض للضغط على حماس من أجل إجبارها على إعادة الجنود الأسرى لديها»، كذلك هاجمت رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، بقولها إنه «يستسلم لحماس، فإدخال الأموال (القطرية) وزيادة مساحة الصيد وفتح المعابر يشكل استسلاماً غير مسبوق». أيضاً، اتهمت العائلة، «حماس»، بـ«التلاعب بأعصاب عائلات الجنود عبر إشاعة بعض المعلومات عن قرب تنفيذ الصفقة».