لعلّ الخناق الذي تشدّده إسرائيل على القرى والبلدات العربية في الجليل والنقب والمثلث هو ما يدفع عائلات عربية، وأزواجاً شباناً منها تحديداً، إلى السكن في مستعمرات مثل «كرمئيل» أو «معالوت» أو «نتسيرت عليت» أو «العفولة» وغيرها من المستوطنات (المدينية) القريبة من بلداتهم. فبعدما صادرت سلطات الاحتلال الجزء الأكبر من أراضيهم، ومنعتْهم من توسيع البناء في ما بقي لهم منها، مُجبرة إياهم على هدم بيوتهم «المبنيّة من دون ترخيص» أو دفع كلفة هدمها، لم يعد أمام هؤلاء إلا «غزو» المستوطنات اليهودية. منذ ثلاث سنوات، فازت عشرات العائلات العربية بمناقصات لشراء قسائم بناء ضمن مشروع يُطلَق عليه «العفولة الشابة». سادت في أعقاب ذلك حالة من الهلع بين المستوطنين الذين نظّموا تظاهرات عنصرية من أجل الحفاظ على «الطابع اليهودي للعفولة». على رأس هؤلاء كان رئيس البلدية الحالي آفي ألكباتس، ونائبه شلومو مليحي، وكبار مستشاري وزير الإسكان حينها ديفيد سويسا، ورئيس منظمة «ليهافا» اليمينية المتطرفة بنتسي غوبنشطاين. تحدث هؤلاء عن الخوف من احتمال أن يعيش عرب كثيرون في العفولة، وبالتالي إقامة مدرسة عربية لهم، ومن ثم مسجد وغيره من الأماكن التي ستغيّر طابع المستعمرة، وهددوا بحرق كل منزل يسكنه عربي في البلدية. لم يمضِ وقت قليل حتى جرّد القضاء الإسرائيلي الفائزين العرب من قسائمهم بـ«القانون». أمّا ألكباتس، فقد أعلن بعد فوزه في الانتخابات أن فلسطيني الـ48 ممنوعون وأطفالهم من الدخول إلى حديقة العفولة الشمالية، حيث ستُعزف موسيقى عبرية فقط.
هدد المستوطنون بحرق كل منزل يسكنه عرب


لم تكن تلك التظاهرة سوى حلقة واحدة من سلسلة تظاهرات شبيهة أقيمت في أكثر من مكان، متماهية مع أجواء العنصرية التي كرّستها سلطة الاحتلال. في اليومين الماضيين، تكرّر الأمر أمام بيت لعائلة عربية. وكما في كل مرّة، قاد التظاهرة رئيس بلدية العفولة ألكباتس، ونائبه مليحي، فيما شارك فيها مئات المتظاهرين، وبينهم أعضاء في المجلس المحلي، للاحتجاج على بيع منزل سبق أن ظهرت عليه كتابات عنصرية من قبيل «الموت للعرب»، لعائلة عربية. أمّا الدعوة إلى التظاهرة، فقد جرت عبر صفحة لفرع حزب «عوتسماه يهوديت» (قوة يهودية) في العفولة، وجاء فيها أنه «جرى بيع مدينتنا، لا يجب أن نساهم بذلك ولا يجب أن نبقى صامتين».
في الإطار نفسه، رأى عضو البلدية، إيتاي كوهن، في مقابلة مع «إذاعة الجيش»، أن «من يبحث عن مدينة مختلطة (مثل حيفا وتل أبيب واللد... حيث يعيش عرب ويهود)، فالعفولة ليست عنوانه. نحن (العفولة) مكان يميني مع طابع يهودي». أمّا النائب العربي في الكنيست، يوسف جبارين، فقد طالب المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية، أفيخاي مندلبليت، بـ«فتح تحقيق جنائي ضد رئيس بلدية العفولة ونائبه، ومنظمي التظاهرة العنصرية التي جرت مساء السبت أمام بيت لعائلة عربية». وبحسب المكتب البرلماني لجبارين، فإن الأخير أوضح للمستشار القضائي في رسالته أن «هذه المظاهرة ما هي إلا استمرارٌ للمظاهر العنصرية الخطيرة التي تشهدها العفولة في السنوات الأخيرة، والتي وصلت ذروتها بالاحتجاجات المستمرة ضد بيع البيوت للمواطنين العرب، وضد زيارة المواطنين العرب للحدائق العامة في المدينة، وهي حملة تحريضية خطيرة يقودها رئيس بلدية العفولة وإدارتها، الذين كانوا قد أقسموا الولاء العنصري في جلسة البلدية الافتتاحية للحفاظ على الطابع اليهودي للعفولة».