جدّد الكنيست الإسرائيلي والمحكمة العليا الإسرائيلية، أخيراً، التمديد لـ«قانون المواطنة»، أو ما يُعرف بقانون «منع لمّ الشمل»، الذي يُعتقل سنوياً العشرات بموجبه، ثم يُرحّلون عنوة إلى الضفة الغربية أو قطاع غزة، بعد أن يُمنعوا من دخول الأرض المحتلة عام 1948 ولقاء عائلاتهم فيها. هؤلاء فلسطينيون من الضفة وغزة، تزوّجوا بفلسطينيين آخرين من الـ48 (يحملون المواطنة الإسرائيلية)، وأرادوا الانتقال للعيش بينهم، لكن القانون المذكور يمنعهم من ذلك. وعلى رغم أن المحكمة العليا عقدت أخيراً جلسة للنظر في إمكانية إلغائه، بعد اعترافها بأنه يتناقض مع حقوق الإنسان والمواثيق الدولية، إلا أن القاضي رأى أن الإلغاء بمثابة دعم «لانتحار جماعي» للإسرائيليين.منذ عام 2003، تعاني أكثر من 30 ألف عائلة عربية من تأثيرات القانون، الذي لا يسمح لحاملي هوية السلطة الفلسطينية ــــ في حال زواجهم بفلسطينيين يحملون الجنسية الإسرائيلية ــــ بالحصول على «المواطنة»، المتمثلة ابتداءً في الجنسية، وما تستتبع من حقوق، كحق القيادة أو الحصول على تأمينات صحية واجتماعية، ويحصل ذلك أيضاً لأطفالٍ وُلدوا لهذه العائلات (حتى وإن وُلدوا في إسرائيل). وبما أن الكنيست يجدد سنوياً هذا القانون «المؤقت»، فإن مركز «مساواة لحقوق المواطنين العرب في إسرائيل» يتجند برفقة آلاف العائلات المتضررة من القانون، استعداداً لمنع تمريره في الكنيست الإسرائيلي من جديد. يرى «مُساواة»، في هذا الإطار، أن القانون «أحد أسباب إفقار المجتمع العربي، فهو يؤثر في المكانة الاجتماعية والاقتصادية للعائلات العربية، وفي الوضع النفسي والاجتماعي لأفرادها، الأمر الذي يعمّق الفقر ويمنع تأقلم النساء والأطفال في جهازي التربية والتعليم»‎.‎
إحدى المتضررات من القانون، الفلسطينية أسمهان جبالي التي ولدت في مدينة الطيبة (أراضي الـ48) لأبوين من بلدة طوباس في الضفة، هي اليوم أمٌّ لثلاثة أبناء، ومُدرّسة في التربية الخاصة، وناشطة اجتماعياً وسياسياً. صحيح أنها أنهت «البكالوريا» في الطيبة، لكن عدم امتلاكها الهوية الزرقاء منعها سابقاً من إجراء امتحان «البغروت» (يوازي الترمينال)، الذي يؤهلها لاستكمال تعليمها الأكاديمي؛ إذ ينصّ «قانون المواطنة» على أنه إذا كان أحد الأبوين أو كلاهما لا يحملان الهوية الإسرائيلية، فلا يحق للولد أن يكتسبها، حتى وإن وُلد في إسرائيل.
لم تقف معاناة أسمهان عند هذا الحدّ، فعدم حملها الهوية الزرقاء منعها أيضاً من تلقي الرعاية الطبية والصحية عبر صناديق المرضى مجاناً، أو بتخفيضات معينة. تشرح جبالي، في حديث إلى «الأخبار»، قائلة: «قبل أن ألد أبنائي، أودعتُ شيكاً في المستشفى حتى يسمحوا لي بدخول غرفة العمليات، وعندما ولدتهم مُنحوا الجنسية الإسرائيلية لأن والدهم يحملها»، كان هذا قبل أن يُصدَّق على القانون في عام 2003، لكن بعد التصديق عليه، لم تُعطَ لأحد من أبناء زواج مشابه شهادة ميلاد أو هوية. ولتسجيل الطفل باسم الوالدين، تطلب وزارة الداخلية الإسرائيلية من الأهل إجراء فحص إثبات نسب، الأمر الذي يتطلب سلسلة من الإجراءات البيروقراطية.
في السنوات السابقة، بُذلت جهود حثيثة ضد القانون، أثمرت منح بطاقات هوية ومكانة قانونية لأكثر من ‏‏2200 من الأزواج الفلسطينيين من مناطق الضفة وغزة. استطاعت أسمهان أن تحصل على الهوية بعدما أنجبت أولادها، لكن «فرحتها» لم تكتمل، لأنها لم تحصل على هوية عادية كالآخرين، بل أُجبرت على تجديدها سنوياً. تقول إنه «في البداية، هويتي كانت عبارة عن دفتر يُختَم سنوياً، وبعد ذلك أصبحوا يطلبون مني أوراقاً تثبت مكان سكني، وأوراقاً تفصيلية عن أولادي وأماكن دراستهم، وأين يتلقون التطعيمات الصحية... وهذه الأمور تتطلب أوراقاً ثبوتية من البلدية». وتضيف: «قبل شهرين من انتهاء العام، عليّ أن أتوجه إلى مكتب وزارة الداخلية، الذي يبعد مسافة طويلة عن بيتي. هناك أقف في طابور طويل منذ الثامنة صباحاً، حيث أمامي نصف ساعة فقط لأتمكن من الحصول على بطاقة مرقومة، فالحصول عليها يتوقف عند الثامنة والنصف صباحاً! هُنا أضطر إلى العودة في اليوم التالي». وتتابع: «إذا نجحت وحصلت على بطاقة مرقومة في اليوم نفسه، أضطرّ إلى الانتظار حتى الساعة الثانية عشرة ظهراً لأُستدعى، ومن ثم يعيَّن موعد، وبعد ذلك تصبح الطلبات تعجيزية، كفحص إثبات الأبوة وأمور أخرى. وإذا كانت هناك إشكالية معينة في بند من البنود بعد تقديم الطلب، يعيدون الملف كله». يضاف إلى ما تقدم، أن أغلبية الملفات ليست باللغة العربية، ما يُشكل عائقاً أمام المُتقدمين بطلب التجديد، لأن معظمهم لا يفهم العبرية، لكونهم من خارج «الخط الأخضر».
يحق لكل طفل (حتى 18 عاماً) في إسرائيل مبلغ مُعيّن من المال يُعَدّ بمثابة معونة للأهل. هذا المبلغ يُحوّله «التأمين الوطني الإسرائيلي» إلى حساب الأم أو الأب مباشرةً. لكن في حالة أسمهان، تعذّر تحويل المبلغ لأنها لم تملك الهوية الإسرائيلية في حينه. في حالات أخرى، ثمة زوجات يعاني أزواجهن إعاقة عقلية أو جسدية، الأمر الذي يمنعهم من إدارة حساباتهم البنكية. الأسوأ من ذلك أن القانون الإسرائيلي يمنع الزوجة التي لا تحمل الهوية الإسرائيلية من إجراء أي عمليات في حساب زوجها صاحب الإعاقة، بل يجبرها على فتح حساب بنكي باسمها، وهو ما لا تستطيع القيام به، لأنها أساساً لا تحمل «الهوية الزرقاء». تسمح السلطات الإسرائيلية لأسمهان بتجديد هويتها سنوياً، ولكن في حال حصول أي مكروه لزوجها، لن تسمح لها بذلك مرة أخرى. أيضاً، «رخصة القيادة مربوطة بالهوية، إذا لم تتجدّد هويتي لا أستطيع قيادة السيارة، لأن رخصتي لا تكون سارية المفعول» كما تقول أسمهان.
الطفل الذي يكون أحد أبويه غير إسرائيلي لا يُعطى «المواطنة» وإن ولد في إسرائيل


«بطبيعة الأحوال، المواطنة كمفهوم يتحدى المفهوم الاستعماري مرتبطة دائماً بالهوية، وإن كنت ترفض حملها، فأنت مجبر على ذلك»، يقول تيسير خطيب، ابن مدينة عكا في الجليل الغربي. هو متزوج امرأة من مدينة جنين في الضفة، ويعاني بسبب «قانون المواطنة» منذ 13 عاماً. يوضح خطيب أن القانون سُنّ بعد الانتفاضة الثانية، وتولّي أريئيل شارون زمام الحكم، وعليه فإن «جزءاً من الذين حصلوا على هويات ما قبل سَنّ القانون عُدّوا ضالعين في عمليات ضد وحدات إسرائيلية». يضيف خطيب أن «القانون سُنّ بغطاء أمني، لكن هدفه ديموغرافي، وهو الحدّ من الوجود الفلسطيني داخل إسرائيل»، متابعاً: «لا نستطيع أن نعيش حياتنا كما يجب، زوجتي ممنوعة من قيادة السيارة، ولم تملك قبلاً تأميناً صحياً، قبل عام فقط سمحوا بتأمين صحي بعد إجراء خاص ومنوط بالدفع». أما «قضية السفر والأولاد، فتلك معاناة يومية لا تقف عند فترة من العام فحسب، بل إن كافة الأمور التي تُعَدّ عادية بالنسبة إلى أي فرد في إسرائيل، تختلف لدى العائلات التي يكون أحد الأبوين فيها فلسطينياً من الضفة أو القطاع».
قضايا كثيرة وصلت إلى المحكمة الإسرائيلية العليا، غير أن «العدل» لدى هذا الجهاز القضائي مشروط بألا تكون فلسطينياً. فالمحكمة جزء من المنظومة الصهيونية، وتحكم لأجل استمراريتها. وما حديث قاضيها عن «الانتحار الجماعي» سوى تحذير مبطن من أنه «إذا اُلغي القانون، وسُهّل زواج الفلسطينيين، فإن عددهم سيرتفع، ما سيزعزع المكانة القومية لليهود». «قانون المواطنة»، والحال هذه، ما هو إلا جزء من منظومة قوانين كان آخرها «قانون القومية» الذي هدف بالأساس إلى تضييق الخناق على الفلسطيني، وحرمانه أبسط حقوقه.