لا تزال العملية الفاشلة لوحدة «سييرت متكال» (وحدة هيئة الأركان) الإسرائيلية في خان يونس جنوب قطاع غزة، في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، تتفاعل في المؤسستين الاستخبارية والعسكرية، كما لا تزال تداعياتها تتوالى على الداخل الإسرائيلي؛ فلا الجمهور اقتنع بما تلقّاه من تفسيرات، ولا المؤسسة الرسمية اكتفت بالنتائج الأولية التي خلصت إليها لجنة التحقيق في العملية السرية. ومع أن تقليد جيش العدو في مثل هذه الحالات يقتضي تشكيل لجان مختصة من أجل استخلاص العبر، في نهج ينطوي على الكثير من الإيجابيات، إلا أن بعض التفاصيل التي نشرها الجيش هذه المرة كانت مراميها أبعد مدى، إذ هدفت إلى تقديم تفسير مقنع للجمهور، ومحاولة احتواء اللغط الذي عمّ وسائل التواصل الاجتماعي، وتقديم صورة مدروسة عمّا جرى، بما من شأنه أن يولّد انطباعاً بأن هذه الوحدة استعادت عافيتها بعدما شخّصت أخطاءها، وباتت تعلم كيف ينبغي تلافيها مستقبلاً.لم يكن إخفاق «سييرت متكال» في خان يونس الأول لها، بل سبق أن واجهته في لبنان، وتحديداً في صيف 2006 في البقاع اللبناني. لكن الأزمة في فشل تشرين الثاني، الذي لا يبدو أنه سيكون الأخير، أنه طاول أهم وحدة نخبة في الجيش، في مواجهة فصيل مقاوم في منطقة محاصرة تتمتع فيها إسرائيل بإطباق استخباري، وفي ظلّ وجود تصوّر لدى العدو بأن «حماس» لا تمتلك المؤهلات والقدرات التي تسمح لها بمواجهة مثل هذه العمليات الخاصة التي تختلف عن العمليات العادية؛ «ففي الحرب تنفيذ المهمة هو القيمة العليا، بينما في العمليات الخاصة لا يوجد هذا الإلحاح. أنتَ تختار التوقيت المناسب، والقيمة العليا هي الحفاظ على أمن القوات وسرّية منهج العمل، ولاحقاً يكون التنفيذ».
أكد التحقيق أن المهمة لم تُنفّذ، فضلاً عن انكشافها، وسقوط ضابط رفيع في خلالها، عُزي مقتله إلى رصاص جندي آخر من القوة نفسها عن طريق الخطأ. مهمة القوة الخاصة، التي تم الإعداد لها على مدى أشهر قبل تنفيذها، وكانت ذات أهمية عملانية واستخبارية عالية، تخلّلتها إخفاقات أدت إلى ما أدت اليه، وحالت دون أن يتمكن الجيش من إنجازها. وفي هذا الإطار، كشف التحقيق بعض التفاصيل المتصلة بكيفية اعتراض القوة من قِبَل عناصر «حماس» الذين سرعان ما شرعوا في التحقيق مع العناصر الذين كانوا على متن سيارة تقلّهم، وفي مرحلة معينة بدا واضحاً لقادة القوة أنه تم كشفهم، ثم تدهور الوضع ليسحب المقاتلون المسدسات ويباشروا إطلاق النار على مسلحي «حماس» الذين كانوا على جانبي السيارة. بعد الاشتباك، أدرك مقاتلو القوة الخاصة أن المهمة فشلت، وشرعوا في تحميل المصابين في سيارة «الترانزيت»، وخرجوا من المكان بسرعة. القوة سارت إلى نقطة متفق عليها، وهناك انتظرت مروحية «يسعور» تم استدعاؤها، وهبطت إلى الأرض من أجل إنقاذ المقاتلين. ووفقاً للتحقيق، العملية، منذ بدء الاشتباك حتى خروج القوة من القطاع، استغرقت 20 دقيقة فقط.
إثر ذلك، عيّن رئيس هيئة الأركان العامة السابق، غادي أيزنكوت، فريقاً خاصاً برئاسة اللواء نيتسان ألون، لدرس ما حدث وصوغ توصيات للجيش. وقد قدم الفريق نتائج إلى رئيس هيئة الأركان الحالي، الجنرال أفيف كوخافي. وقال بيان صادر عن المتحدث باسم الجيش إن كوخافي صدّق على نتائج التحقيق، لافتاً إلى أنه بتحليل تسلسل الأحداث في العملية، ارتُكبت أخطاء أدت إلى كشف القوة في الميدان، متحدثاً عن «ثغرات في طريقة التنفيذ وعملية الإعداد».
المعطى الأبرز في التداعيات المحتملة للعملية كشفه المعلق العسكري في صحيفة «معاريف»، ألون بن ديفيد، الذي قال إن رئيس الأركان سيحسم قريباً هل سيطيح رئيس «شعبة الاستخبارات» (أمان)، تمير هايمن، من منصبه، أم سيدعمه. وذكرت «معاريف» أن انكشاف أمر القوة الخاصة في غزة أدّى إلى «ضرر عميق وخطير لأمن لإسرائيل، بمستويات لا يمكن التفصيل فيها». وأشارت إلى أن «أمان» أجرت تحقيقاً أوردت فيه جملة طويلة من الأخطاء التي أدت إلى الإخفاق، «جزء منها أخطاء ارتُكبت على مدار سنوات قبل العملية الفاشلة نفسها». لكن هذا التحقيق غابت عنه معظم الأخطاء التي ظهرت في التحقيق الأصلي.