غزة | يوماً بعد يوم، تتضح ملامح الآليات الأميركية لإنهاء عمل «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا)، تمهيداً لتصفية قضية اللاجئين. بات جليّاً الآن أن واشنطن، التي كانت قد بدأت السعي إلى تشكيل ائتلاف دولي ــــ أوروبي لعرقلة استمرار عمل الوكالة كما كان سابقاً (انضمّت إليه أخيراً ثلاث دول إضافية)، تستغلّ التزام بعض الدول مبدأ الشفافية في تقديم المساعدات من أجل إنهاء وجود «الأونروا» أو ضرب مهماتها فعلياً، وذلك ضمن مخطط يبدأ بإضعاف مكانتها دولياً، وصولاً إلى إيقافها مؤقتاً، أو حتى عرقلة التجديد لعملها مستقبلاً، لينتهي هذا المسلسل بفرض واقع التوطين.في سبيل ذلك، تُستخدَم لجان التحقيق في «الفساد الداخلي» للوكالة، من أجل إضعاف التأييد الدولي لها. وهو هدف سرعان ما بادر مبعوث الولايات المتحدة لـ«عملية السلام» في الشرق الأوسط، جيسون غرينبلات، إلى التفاخر بتحقق خطوة أخرى على طريقه، متمثلة بانضمام بلجيكا قبل يومين إلى الدول التي أعلنت تعليق تمويلها لـ«الأونروا». إذ قال عبر حسابه في «تويتر»: «شكراً لبلجيكا للانضمام إلى الآخرين بعد إلقاء نظرة نقدية وتعليق تمويل الأونروا. يجب علينا كمجتمع عالمي ضمان استخدام المساعدات بنحو صحيح وإجراء التحقيقات على محمل الجدّ»، وذلك بعد أسبوع من إعلان هولندا وسويسرا خطوة مماثلة بسبب «الفساد».
تقول مصادر إعلامية في «الأونروا» إن الدول الأوروبية المذكورة تُقدّم للوكالة ما بين 20 و30 مليون دولار سنوياً، ما يعني في حال ترسُّخ تعليق مساعداتها، ولا سيما على أبواب الشهر المقبل، تعميق الأزمة التي تولّدت بعد إيقاف واشنطن دعمها نهاية العام الماضي. وقبيل أيلول/ سبتمبر بأشهر، سعت الإدارة الأميركية بصورة حثيثة، إلى جانب إسرائيل، إلى عرقلة تجديد التفويض الأممي لـ«الأونروا» (الذي سيكون التصويت عليه منتصف الشهر المقبل)، خشية من تكرار سيناريو موافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة على تجديد الولاية كما حدث في كانون الأول/ ديسمبر 2016، عندما وافقت 167 دولة على ولاية جديدة تنتهي في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019.
يعقد مؤتمر تجديد التفويض الأممي لـ«الأونروا» منتصف الشهر المقبل


ووفق معلومات حصلت عليها «الأخبار» من جهات فلسطينية مسؤولة، تسعى الولايات المتحدة إلى عرقلة التجديد، وإذا لم تستطع ذلك، فستقدم مقترح قرار جديداً يطالب بإعادة تصويب أوضاع الوكالة استناداً إلى لجان التحقيق حول «الفساد» فيها، ليكون ذلك بوابة لمنع عدد من الدول من تقديم مساعدات، ومن ثم التوقف المؤقت لخدمات الوكالة الدولية، فيما يتزامن ذلك مع إعلان الشق السياسي من «صفقة القرن» المتوقع حدوثه قبل نهاية العام الجاري. تقول الجهات نفسها إنها رصدت تحركاً في الأشهر الأخيرة قادته الخارجية الإسرائيلية مع عدد من الدول الأوروبية تحت العنوان نفسه، أي قضايا «الفساد»، وعقد مسؤولون من الوزارة لقاءات مع سفراء أوروبيين لدى تل أبيب في هذا الشأن.
وسبق ذلك مؤتمر خاص في كانون الأول/ ديسمبر 2018، عُقد في مقرّ «الخارجية» للسفراء الإسرائيليين العاملين في أوروبا وأميركا، خاطبت فيه نائبة وزير الخارجية، تسيبي حوطوبيلي، الحاضرين بأن دبلوماسية بلادهم لسنة 2018 هي «العمل على أن عهد الأونروا قد انتهى إلى الأبد». ثم في تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، التقت حوطوبيلي خمسين شخصاً يمثلون دولهم لدى حكومتها، وسلّمتهم رسالة بعد موافقة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو عليها، على أن يسلّموها بدورهم لحكومات دولهم، ومفادها أن «سياسة إسرائيل هي العمل على إغلاق الأونروا، لأنها أصبحت المشكلة وليست الحل»، وأن «الأونروا عملت على زيادة عدد اللاجئين بعدما نقلت مباشرة مكانة اللاجئ من جيل إلى جيل، ولا يوجد أي شبيه لذلك، وهذا يرسخ الصراع فقط» (راجع عدد 13 أيار 2019).
وإلى جانب الخطر الوجودي الذي يواجه «الأونروا»، تحذر أوساط فلسطينية من خطر آخر، هو انخفاض نسبة التمويل وعدد الدول المتبرعة فعلياً، إذ تكتفي بعض الدول بالمشاركة والاستماع إلى تقارير ممثلي الوكالة حول «الكارثة المستقبلية»، من دون أن تتخذ أي إجراء أو مساهمة في الحل. وعلى رغم مشاركة 27 دولة في مؤتمر نيويورك الأخير الهادف إلى جلب دعم، لم تُعلَن سوى مساهمات لدولتين، هما بلجيكا والمكسيك، وقد تراجعت الأولى الآن.