مع اقتراب استنفاد المهلة القانونية لتحديد المسار النهائي في إسرائيل، إما باتجاه تشكيل حكومة أو إجراء انتخابات ثالثة خلال أقلّ من سنة، وفي ظلّ انسداد آفاق المخارج السياسية حتى الآن، يحاول كلّ من القيادات الإسرائيلية رمي كرة الضغوط على الآخر، على أمل أن يؤدي ذلك إلى تراجعه، ومن أجل التنصّل من مسؤولية تكرار الانتخابات. لم تعد الأزمة السياسية التي تواجهها إسرائيل مجرد أزمة موازين قوى في «الكنيست»، وتضارب مصالح يحول دون تشكيل الحكومة. كما لم تعد أزمة زعيم يأخذ دولة بكاملها رهينة مستقبله السياسي والشخصي. لقد أضحى ما تشهده إسرائيل، بحسب رئيس الدولة رؤوفين ريفلين، تعبيراً عن «أزمة دولة ونظامها»، في ظلّ مؤشرات «خطيرة وخطيرة جداً» متمثّلة في السجالات الجماهيرية والتظاهرات في ساحات المدن. وعلى هذه الخلفية، توجّه ريفلين إلى زعيم حزب «الليكود» ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ورئيس كتلة «كاحول لافان» بيني غانتس، مطالباً إياهما بعدم جرّ الدولة وراء «جنونكما». وإذ رأى أنه ما زال بالإمكان تصحيح الأمر والتوصل إلى تفاهمات، اعتبر أن هذه المحطة كشفت عن «ثغرات سياسية ودستورية»، ناتجة من صمت المشرّع عن أوضاع غير مسبوقة.من الواضح أن ريفلين هدف من النبرة العالية وغير المسبوقة، في هذا التوقيت بالذات، إلى تصعيد الضغوط على الأطراف كافة، وتحديداً الثلاثي نتنياهو وغانتس ورئيس حزب «إسرائيل بيتنا» أفيغدور ليبرمان، بهدف تفادي سيناريو انتخابات ثالثة. انتخاباتٌ يراهن الأطراف المعنيّون على «شبحها»، إلى جانب مفاعيل المستجدّات القضائية، من أجل دفع بعضهم البعض إلى تقديم تنازلات. ويستند كلّ منهم إلى ما يراه عناصر قوة تسمح له بمواصلة سياسة الابتزاز، سواء اتجهت التطورات نحو الانتخابات أم لا. بالنسبة إلى رئيس كتلة «أزرق أبيض»، ثمّة رهان على قلق «الليكود» من خوض انتخابات مع رئيس متهم بالرشوى وخيانة الأمانة، ومن تحمّل مسؤولية خوض استحقاق كان بالإمكان تجنّبه. وفي هذا الإطار، يأمل غانتس أن تؤدي تلك المخاوف إلى إحداث انقلاب داخل «الليكود»، الأمر الذي بدأت تظهر مؤشراته من دون أن ترتقي إلى المستوى الذي يزيح نتنياهو عن منصبه. وهي مؤشرات تَمثّل آخرها في إعلان رئيس مجموعة المنتسبين إلى «الليكود» في المستوطنات، يوسي داغان، الذي يُعتبر أحد القيادات القوية في الحزب، دعم عضو «الكنيست»، غدعون ساعر، في عزمه الترشّح لمنصب رئيس «الليكود»، والذي يعتبره نتنياهو وأنصاره محاولة للإطاحة به. وتضاف إلى ذلك الإعلان تقارير تتحدث عن أن «تيار الصهيونية الدينية منقسم حول مسألة ما إذا كان يتعين على نتنياهو الاستقالة، على خلفية تقديم لائحة اتهام ضده. وهو ما جرى التعبير عنه في عدة مقالات في صحف هذا التيار، وأبرزها ماكور ريشون».
يستغلّ نتنياهو هيمنته على حزب «الليكود»، من أجل ابتزاز القوى السياسية


في المقابل، يستغلّ نتنياهو هيمنته على حزب «الليكود»، وتكتّل معسكر اليمين حوله، من أجل ابتزاز القوى السياسية، ومحاولة فرض صيغة تفاهم تضمن له مستقبله الشخصي والسياسي. كما يراهن، شأنه شأن خصومه، على أن يساهم شبح الانتخابات الثالثة في الضغط على «أزرق أبيض» وعلى ليبرمان من أجل تليين مواقفهما والقبول بصيغة تلائم مصالحه وتشكيل حكومة برئاسته. أما ليبرمان فيسعى إلى لعب دور حاسم في تحديد المسار الحكومي، وهو يلوّح - على مسافة أيام معدودة من استنفاد المهلة القانونية - بتشكيل حكومة ضيقة، بهدف الضغط على «أزرق أبيض» للقبول بصيغة اتفاق تُنصّب نتنياهو رئيساً للحكومة لفترة محدّدة، وإلا فإنه سيذهب الى خيار الانضمام إلى حكومة برئاسة الأخير.
في المبدأ، لا تزال السيناريوات، كما كانت منذ اليوم الذي تلى الانتخابات في 17 أيلول/ سبتمبر، محصورة بين تشكيل حكومة وحدة، أو حكومة ضيقة برئاسة نتنياهو، أو الذهاب نحو انتخابات ثالثة. لكن المستجدّ الذي ألقى بثقله على هذه المعادلة تمثّل في توجيه ثلاث لوائح اتهام في حق نتنياهو. ومع أن السياق المنطقي يدفع إلى استبعاد تكرار الانتخابات، إلا أن إصرار نتنياهو على حماية نفسه من المحاكمة بأيّ ثمن، والتفاف «الليكود» واليمين من حوله، يعيدان قدراً من التوازن إلى الاحتمالات، ويجعلانها مفتوحة.