نال مهرجان دونالد ترامب الصحافي في البيت الأبيض حقّه في التصفيق الذي علا بين جملة وأخرى. لا مثيل لهذه الحماسة المفرطة في إعلان مبادرة القضم وترسيخ يهودية الدولة بورقة عمل أشرف على إعدادها ثلاثيّ «لن يتكرّر في المستقبل» (جاريد كوشنر، جايسون غرينبلات وديفيد فريدمان). حماسةٌ بقيت حبيسة القاعة التي خطب مِنها الرئيس في البيت الأبيض، ولم تنسحب على «الإعلام الليبرالي» الأميركي الذي بنى جلّ استراتيجيته ورهاناته، منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض قبل ثلاث سنوات، على ما افترض أنّها «أخطاء قاتلة» مِن شأنها أن تُضعف الرجل، وربّما تنهي رئاسته، بدءاً بـ«المؤامرة» الروسية، وصولاً إلى القضية الأوكرانية التي تجرى محاكمته على خلفيتها. تضخيم الأحداث، كما هو جارٍ راهناً، في سياق المحاكمة، وكما جرى سابقاً في قضية «التدخل الروسي» في انتخابات 2016، قابَله تهميشٌ برز جلياً في تعامل الإعلام الأميركي مع اعلان «صفقة القرن» في التوقيت «الخطأ». غابت أيّ إشكالات يمكن منابر «الليبرالية» طرحها في هذا السياق، باستثناء بعض التحليلات البليدة التي تشابهت مضامينها إلى حدّ التطابق.لا حدث في أميركا، الآن، بعيداً مِن الجلسات الفولكلورية المتواصلة في الكونغرس. لم يتمكّن ترامب من تغيير موضوع الساعة في واشنطن، بقراره إعلان الصفقة في هذا التوقيت، وسط حضور رسمي عربي وإسرائيلي. تحويل مناسبة إطلاق «مبادرة السلام» إلى حدث داخلي «يصرف الانتباه، لو قليلاً، عن إجراءات المحاكمة»، فشل، لأن أولويات الإعلام ظلّت على حالها. فضائية «سي إن إن»، اضطرّت إلى قطع بث جلسات المحاكمة في أسبوعها الثاني والحاسم، لتنقل مهرجان ترامب ـــــ نتنياهو، قبل أن تعود سريعاً إلى قاعات الكونغرس. انسحب ذلك أيضاً على كبريات الصحف، أمثال «واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز» و«وول ستريت جورنال»، التي لم يكن لديها ما تقدّمه باستثناء البديهيات، كالقول إن الخطة ستكون ذات فائدة عالية لترامب، وإنها تميل بشدّة نحو الموقف الإسرائيلي من القضايا الرئيسية!
اللافت أن صفقة ترامب لم تلقَ أيّ اعتراضات تُذكر مِن خصومه الديموقراطيين سوى من باب المناكفات السياسية، كإشارة رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب، إليوت إنغل، إلى ضرورة إيجاد مخرج على أساس «حلّ الدولتين». الرئيس الأميركي نفسه أشار في بداية خطابه أمس، إلى أن خطته تحظى بمباركة الحزبين. كما استبق الدبلوماسي السابق مارتن إنديك، نشر مضمون الصفقة بالتنبيه من «تجاهل الطرف الفلسطيني في أي تسوية»، ورأى في تصميم ترامب على إعلان الخطة قبل انتخابات إسرائيل دليلاً على أنها «ليست خطة للسلام بل لعبة هزيلة من بدايتها لنهايتها»!
على المنوال نفسه، شكّك العضوان السابقان في فريق التفاوض الأميركي، هادي عمر وإيلان غولدنبرغ، في الخطة التي جاءت في وقت يحتاج فيه ترامب إلى صرف الانتباه عن إجراءات مساءلته، ويتصارع فيه نتنياهو مع تهم الفساد؛ بهذا «يكون توقيت خريطة الطريق هذه مشكوكاً فيه». ويضيف الاثنان، في مقالة لهما في مجلة «فورين بوليسي»، إن ما يجعل الخطة «مهزلة» أن أحد أطراف النزاع لم يُشرَك في مضمون الاقتراح. «وول ستريت جورنال» ذكرت بدورها أن الإعلان الداعم بقوّة لإسرائيل، في خضمّ المحاكمة البرلمانية، سيكون له فوائد لترامب على صعيد تحشيد كتلة ناخبيه الوازنة من الإنجيليين البيض، وبعض أفراد الجالية اليهودية ــــ الأميركية.