في ظلّ الالتباس الذي لا يزال يلفّ مصير مشروع القرار الذي كانت السلطة الفلسطينية تدفع باتجاهه عبر تونس وإندونيسيا، جاء خطاب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، في الأمم المتحدة، أمس، دون المستوى شعبياً وفصائلياً، وحتى دون مستوى ما تحدّث به هو نفسه في رام الله ليلة إعلان «صفقة القرن» الأميركية. وبعيداً عن تكراره أدبيات رفض الصفقة ومواجهتها، قال عباس إن «السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين ما زال ممكناً، وجئتكم لبناء شراكة دولية لتحقيق السلام الشامل والعادل والدائم كخيار استراتيجي... إذا توصّلنا إلى السلام مع الإسرائيليين، فسيحقق ذلك أجمل وضع بيننا، ولكن دعونا نتوصل» إليه. هكذا، آل رفض الصفقة إلى إعلان عباس «تنظيم مؤتمر للسلام عبر الرباعية الدولية، لكن لن نقبل الولايات المتحدة الأميركية وسيطاً وحدها»، بحسب ما قال، مضيفاً: «أمدّ يدي قبل فوات الأوان إلى أيّ شريك يقبل السلام في إسرائيل». وإذ جدّد إشارته إلى أنه «لم يُعرض علينا في الصفقة ما يلبّي الحدّ الأدنى من العدالة»، طلب من الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن «يكون منصفاً». كما شدّد على التزام السلطة بـ«اتفاق أوسلو بكلّ بنوده وتفاصيله»، وهو ما يعني اعترافاً منه بأنه لم يتخذ أيّ قرار في شأن الاتفاقات مع العدو.
تتواصل الاحتجاجات على «صفقة القرن» في الضفة وغزة


في المقابل، ردّت المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة، كيلي كرافت، على كلام رئيس السلطة بالقول إن «الوقت حان للإعداد لمحادثات جديدة في شأن عملية السلام في الشرق الأوسط»، معتبرة أن «خطة السلام الأميركية (صفقة القرن) تختلف عن الرؤى السابقة، لأنها محدّدة وواقعية، وستؤدي إلى دولة فلسطينية (وعاصمتها) في القدس الشرقية». وأشادت كرافت بالصفقة التي قدّمها ترامب، لافتة إلى أنها «تقترح معدّلات استثمارات تاريخية في المناطق الفلسطينية... لن نفرض خطتنا على أطراف الصراع، بل هي مقترحات قابلة للرفض أو القبول». وإذ جدّدت موقف بلادها «الداعم لإسرائيل والحفاظ على أمنها»، خاطبت عباس بأنه «إذا اخترت مسار السلام، فإن العديد من الدول ستدعمكم».
ميدانياً، أُصيب اثنا عشر فلسطينياً على الأقلّ بجروح وحالات اختناق خلال مواجهات مع جيش العدو عند المدخل الشمالي لمدينتَي رام الله والبيرة وسط الضفة المحتلة. واندلعت المواجهات إثر محاولة جنود الاحتلال تفريق مسيرة مندّدة بـ«صفقة القرن»، باستخدام الرصاص الحيّ والمطاطي وقنابل الغاز المسيل للدموع. وكانت حركة «فتح» وإدارات السلطة الفلسطينية دعت إلى تلك المسيرة المركزية وسط رام الله، فيما نظّمت «القوى الوطنية والإسلامية» مسيرة احتجاج في ساحة حديقة النصب التذكاري للجندي المجهول في مدينة غزة.
في سياق متصل، طالبت «حماس»، عباس، باتخاذ «الإجراءات العملية» في إطار مواجهة الصفقة. وقال المتحدث باسم الحركة، فوزي برهوم، في تصريح أمس، إن «المطلوب من الرئيس عباس، وفي جميع أنشطته وتحركاته الإقليمية والدولية، اتخاذ مواقف عملية تتعدّى الأقوال، وترجمتها إلى أفعال، وفي مقدّمتها رفع الشرعية عن الاحتلال الإسرائيلي». ومن هذه الإجراءات، وفق برهوم، «إنهاء التنسيق الأمني مع العدو، وإعلان التحلّل من اتفاقية أوسلو وملحقاتها»، وكذلك «السماح للشعب في الضفة بالتعبير عن حالة الغضب تجاه هذه الصفقة، بأدوات وأشكال النضال والكفاح والمقاومة».