لا تُقرأ التبدّلات في التصويت الفلسطيني على أنها استجابة لخطاب وطني
هذا التحوّل لا يُقرأ على أنه استجابة لخطاب وطني أيديولوجي، بقدر ما هو نتيجة للتأثر بخطاب شعبوي، عرف أصحابه كيفية الاستثمار في الرأي العام السائد داخل مجتمعهم، والحفر عميقاً في نقاط ضعفه. تجنّبت الأحزاب العربية، مثلاً، إظهار الخلافات الجوهرية بين مركّباتها، خوفاً من تنفير الجمهور من التصويت. تكتيكٌ دَفَع، إلى جانب غياب البدائل النضالية في الداخل، جزءاً كبيراً من الفلسطينيين إلى التصويت على قاعدة «فَلْنجرّب مرة أخرى»، على رغم تزعزع ثقتهم بقدرة «المشتركة» على التأثير إيجاباً لصالح قضاياهم، وعلى رأسها السكن، والتعليم، والصحة، والبنية التحتية، إضافة إلى تفشّي العنف وجرائم القتل.
يضاف إلى تلك الأسباب تزايد الخطاب العنصري في إسرائيل، والذي شكّل مادة خصبة لـ«المشتركة» من أجل تخويف الناخبين من صعود اليمين (على طريقة الإبرة تحت الجلد)، وإقناعهم بقدرتهم على إسقاطه أو أقلّه وضع العصيّ في دواليب مهمّته الحكومية، علماً أن هذا الخطاب أدّى في الوقت نفسه إلى ارتفاع مقاعد «الليكود»، الذي لجأ إلى إعادة تحفيز جمهوره (بعدما انكفأ عن التصويت في انتخابات الكنيست الـ22) بالتشديد على أنه أفضل مَن يمثّل الصهيونية. كذلك، يُعدّ الإعلان عن «صفقة القرن»، وما تضمّنته من طرحٍ لتبادل الأراضي، أحد أسباب ارتفاع نسبة تصويت الفلسطينيين؛ إذ مع استشعار هؤلاء تعاظم التهديدات المحدقة بهم، والتي قد تؤدي إلى تعميق حرمانهم من حقوقهم الجماعية كشعب، لم يجدوا بدّاً من التصويت لـ«المشتركة» اعتقاداً منهم بأن ازدياد عدد مقاعدها قد يعرقل المخططات الأميركية - الإسرائيلية.
على أيّ حال، تلقي الدفعة الإضافية التي منحها الناخبون الفلسطينيون لـ«المشتركة» مسؤولية أكبر على كاهل الأخيرة، التي أثبتت منذ عام 2015 أن قدرتها على التأثير داخل «الكنيست» لا تفتأ تتراجع. فهل تستطيع هذه المرة استثمار ما حَقّقته؟ أم أنها ستظلّ في دائرة المراوحة والعجز؟ وهل سيدفعها إنجازها الجديد إلى إعادة النظر في نهجها، بما يجعلها أقرب إلى شعبها، ويستعيد لها مكانتها السياسية ووزنها المجتمعي؟