أظهرت النتائج النهائية لانتخابات «الكنيست الـ23»، والتي أعلنتها لجنة الانتخابات المركزية أمس، فوز حزب «الليكود» بـ36 مقعداً، بفارق ثلاثة مقاعد عن خصمه، حزب «أزرق أبيض» (33). كما أظهرت تفوّق المعسكر اليمني بفوزه بـ58 مقعداً، ما قد يُسهّل على رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، مهمّة تشكيل الحكومة. لكن «القائمة المشتركة»، التي بيّنت النتائج نيلها 15 مقعداً لأول مرة في تاريخها، ترى أنها استطاعت سحب مقعدين من معسكر اليمين، وهو ما تعدّه إنجازاً سيُمثّل عقبة في درب نتنياهو.في أسباب تحقّق ذلك الإنجاز، يمكن القول إن جولة ثالثة من الانتخابات في أقلّ من عام واحد كان يفترض أن تولّد قناعة لدى الناخبين الفلسطينيين بعبثية التصويت، وخصوصاً في ظلّ ما تؤكّده التجارب من عجز الأحزاب العربية عن التأثير في السياسات الإسرائيلية مهما كان وزنها داخل «الكنيست». لكن ما حصل كان العكس تماماً، وخصوصاً أن تلك الأحزاب عمدت في خلال حملتها الانتخابية إلى التكثيف من الشعارات الشعبوية التي من شأنها توحيد المقترعين، وإخفاء الفوارق الأيديولوجية داخل القائمة. أيضاً، يبرز من بين أسباب ارتفاع نسبة التصويت في صفوف الفلسطينيين (وارتفاعها عموماً إلى أعلى مستوى منذ عام 1999)، تحسّبهم لإمكانية الوصول إلى وضع لا مجال فيه إلا لانتخابات رابعة. أما اللافت في خريطة توزّع أصواتهم فهو منحهم «المشتركة» غالبية ساحقة (89% من مجمل المقترعين)، ما يشير إلى أن الناخبين الذين اقترعوا سابقاً لصالح الأحزاب الصهيونية حوّلوا أصواتهم هذه المرّة إلى «المشتركة».
لا تُقرأ التبدّلات في التصويت الفلسطيني على أنها استجابة لخطاب وطني


هذا التحوّل لا يُقرأ على أنه استجابة لخطاب وطني أيديولوجي، بقدر ما هو نتيجة للتأثر بخطاب شعبوي، عرف أصحابه كيفية الاستثمار في الرأي العام السائد داخل مجتمعهم، والحفر عميقاً في نقاط ضعفه. تجنّبت الأحزاب العربية، مثلاً، إظهار الخلافات الجوهرية بين مركّباتها، خوفاً من تنفير الجمهور من التصويت. تكتيكٌ دَفَع، إلى جانب غياب البدائل النضالية في الداخل، جزءاً كبيراً من الفلسطينيين إلى التصويت على قاعدة «فَلْنجرّب مرة أخرى»، على رغم تزعزع ثقتهم بقدرة «المشتركة» على التأثير إيجاباً لصالح قضاياهم، وعلى رأسها السكن، والتعليم، والصحة، والبنية التحتية، إضافة إلى تفشّي العنف وجرائم القتل.
يضاف إلى تلك الأسباب تزايد الخطاب العنصري في إسرائيل، والذي شكّل مادة خصبة لـ«المشتركة» من أجل تخويف الناخبين من صعود اليمين (على طريقة الإبرة تحت الجلد)، وإقناعهم بقدرتهم على إسقاطه أو أقلّه وضع العصيّ في دواليب مهمّته الحكومية، علماً أن هذا الخطاب أدّى في الوقت نفسه إلى ارتفاع مقاعد «الليكود»، الذي لجأ إلى إعادة تحفيز جمهوره (بعدما انكفأ عن التصويت في انتخابات الكنيست الـ22) بالتشديد على أنه أفضل مَن يمثّل الصهيونية. كذلك، يُعدّ الإعلان عن «صفقة القرن»، وما تضمّنته من طرحٍ لتبادل الأراضي، أحد أسباب ارتفاع نسبة تصويت الفلسطينيين؛ إذ مع استشعار هؤلاء تعاظم التهديدات المحدقة بهم، والتي قد تؤدي إلى تعميق حرمانهم من حقوقهم الجماعية كشعب، لم يجدوا بدّاً من التصويت لـ«المشتركة» اعتقاداً منهم بأن ازدياد عدد مقاعدها قد يعرقل المخططات الأميركية - الإسرائيلية.
على أيّ حال، تلقي الدفعة الإضافية التي منحها الناخبون الفلسطينيون لـ«المشتركة» مسؤولية أكبر على كاهل الأخيرة، التي أثبتت منذ عام 2015 أن قدرتها على التأثير داخل «الكنيست» لا تفتأ تتراجع. فهل تستطيع هذه المرة استثمار ما حَقّقته؟ أم أنها ستظلّ في دائرة المراوحة والعجز؟ وهل سيدفعها إنجازها الجديد إلى إعادة النظر في نهجها، بما يجعلها أقرب إلى شعبها، ويستعيد لها مكانتها السياسية ووزنها المجتمعي؟