نابلس | منتصف ليلة الجمعة الماضي، بعد ساعتين على إعلان السلطة الفلسطينية «حالة الطوارئ» لمواجهة فيروس «كورونا»، اعتقلت قوة من جهاز «الأمن الوقائي» القيادي في حركة «فتح»، النائب السابق في «المجلس التشريعي»، حسام محمود خضر، من منزله في مخيم بلاطة في مدينة نابلس، شمالي الضفة المحتلة. تختصر ابنته أميرة مشهد الاعتقال بالقول إن دورية من «الوقائي» ترافقها قوة مشتركة (من «الأمن الوطني» والشرطة) اقتادتا والدها «بالقوة وبهجمية ووحشية شاهدتها في عامي 2003 و2011 عندما اقتحم العدو الإسرائيلي منزلنا لاعتقال أبي»، متسائلة: «تُرى من تتلمذ على يد مَن؟». وفق المعلومات، حرصت قوة الاعتقال على إبراز مذكرة قانونية لكونها تتعامل مع نائب سابق، ولتتهرب من مساءلة مؤسسات حقوق الإنسان التي دعت السلطة إلى «عدم تجيير الطوارئ المُعلنة لمآرب أخرى».يروي مصدر في السلطة أن الأخيرة تنوي منذ سنوات اعتقال خضر، والآن استغلت هجومه اللاذع على سياسة رئيسها، محمود عباس، الذي وصف إضراب الأطباء في الضفة بـ«الحقير»، إذ تساءل خضر عن «الصحة النفسية والسلامة العقلية لهذا العجوز»، بل ذهب أبعد من ذلك قائلاً: «أطالب نقابة الأطباء بتشكيل لجنة طبية لفحصه (عباس) والوقوف على حالته طبياً». لكنّ خضر طالب الأطباء بوقف الإضراب موقّتاً «بسبب تفشي كورونا»، والمفارقة أن اعتقاله جرى بعد أقل من ساعتين على وصفه «الطوارئ» بأنها «قرار وطني جريء ومسؤول... وعلى أبناء شعبنا بكل فئاته التعاون والالتزام». هكذا، لم يوفر الرجل على مدار سنوات مناسبةً إلا وحمل فيها على السلطة واللجنة المركزية لحركته، «فتح»، واصفاً إياهم بأنهم «عبيد العدو... ولا يملكون قرارهم»، وأنهم «مزرعة خدمات أمنية للعدو مقابل الامتيازات وبطاقات VIP». ورغم أن عباس رفع الحصانة عن خمسة نواب في الضفة بتهمة «التجنّح»، أي موالاة القيادي المفصول محمد دحلان، نهاية 2016، فإن ذلك لم يخِفْ خضر خاصة أنه نائب في دورة 1996-2006، بل بقي مستمراً في الهجوم على السلطة وقياداتها.
وحسام خضر من مواليد 1961 في قرية كفر رمان شرق طولكرم، وعائلته لاجئة من يافا المحتلة واستقرت لاحقاً في بلاطة، وصار لاحقاً أحد مؤسسي حركة «الشبيبة الطلابية» وأحد قيادات «انتفاضة الحجارة». لكن نجمه سطع في جامعة «النجاح الوطنية» إبّان الانتفاضة الأولى، واعتقله العدو 27 مرة كما فرض الإقامة الجبرية عليه لعامين منذ 1984، إضافة إلى إصابته ثلاث مرات بالرصاص. أما السلطة وأنصارها، فيُصنفونه كشخصية تتبع دحلان، في وقت لا يمكن فيه إنكار شعبية الرجل في الحركة ومكانته مجتمعياً خاصة شمالي الضفة، وتحديداً نابلس، حيث تسانده مجموعة مسلحة كغيره من الشخصيات المحسوبة على دحلان في الضفة ومخيماتها. وعقب اعتقاله بساعات، خرجت تظاهرة نحو منزله للتنديد بذلك، فيما أطلق مسلحون النار في الهواء على مدار اليومين الماضيين وأغلقوا «شارع القدس» المحاذي لمخيم بلاطة، واستمروا في إطلاق النار رغم قدوم أمن السلطة لفتح الطريق.
نُقل خضر من سجن نابلس إلى «بيتونيا» خوفاً من شعبيته في بلاطة


مع أن المحسوبين على دحلان كثر في الضفة، فإن اعتقال الرجل يأتي «بسبب جرأته وتسميته الأشخاص»، كما يرى فتحاويون، فضلاً عن أنه يعبر بوضوح عن رفضه بقاء السلطة ولا يعترف بشرعية عباس، في حين أن المنتقدين الآخرين داخل «فتح»، ومنهم مناصرو دحلان، أو ما يسمى «تيار الإصلاح الديمقراطي الفتحاوي»، يبقون من دون مستوى التصعيد المذكور. ولا يخفى أن في هذا الاعتقال تخويفاً لبقية أعضاء التيار الذين يكدّسون السلاح حتى اليوم مثلهم مثل بقية التيارات في الحركة. وعلمت «الأخبار» أن خضر نُقل من سجن الجنيد في نابلس إلى سجن بيتونيا في رام الله، خوفاً من انطلاق تظاهرات أمام السجن الأول، في حين أن رام الله مركز ثقل للسلطة وشعبية خضر فيها أقل من نابلس. ثمة سبب آخر هو تخوّف السلطة من «تقديم عناصر أمن المساعدة إلى الرجل في السجن، سواء من ناحية الرسائل أو الاتصالات الهاتفية وما شابه ذلك». في الوقت نفسه، أعلن خضر إضرابه عن الطعام والماء وحتى الكلام منذ اعتقاله وفق عائلته ومحامي «الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان» الذي زاره قبيل نقله.
في المقابل، أبدى «تيار دحلان» غضباً على الاعتقال، ووصفه بأنه «لا يمت إلى أخلاق فتح والثورة بصلة»، وأن «المسّ بحرمات المنازل والاعتداء على الآمنين فيها لاختلاف الرأي السياسي أو الانتقاد اللفظي جريمة»، مشيراً إلى أن «قانون الطوارئ» المُعلن بات «أداة إضافية بيد عباس لتكميم الأفواه وسلب حريات وحقوق المناضلين والأسرى المحررين ممن يجرؤون على قول الحق في وجه التنسيق الأمني السيئ الصيت». وفي السياق، قال النائب جمال الطيراوي، المرفوع عنه الحصانة بأمر من «أبو مازن»، إن «الاعتقال جاء في توقيت غريب عجيب، ويشي بمؤشرات خطيرة... حسام قائد سياسي ولا يجوز التعامل معه بهذه الطريقة المهينة، وهذا تجاوز للخطوط الحمر». كذلك، قالت النائبة المحسوبة على دحلان نجاة أبو بكر، إن «فلسطين ليست مصابة بفيروس كورونا صحياً، بل السلطة فيها مصابة بفيروس سياسي»، في وقت وقّعت فيه 150 شخصية عريضة تدعو للإفراج عنه، من بينها شخصيات أكاديمية وسياسية.