في ظل عدم التوصّل إلى لقاح ضد فيروس «كورونا» حتى اللحظة، وفيما البشر يحجرون أنفسهم في منازلهم في محاولة للتخفيف من احتمال الإصابة. وبينما يصلهم عبر الهواتف أو شاشات التلفزة بعض النصائح من أطباء حول تقوية جهاز المناعة، مثل التوقّف عن التدخين، أو الاعتماد على بعض الأطعمة والمغذيات والفيتامينات، وشرب السوائل وما إليه... إلى حدّ يحارون معه أي نصيحة يعتمدون من هذا «الكتالوغ»، قرّر الأسرى الفلسطينيون أمس، تصعيد نضالهم ضد سلطات السجون التي قرّرت حرمانهم 140 صنفاً من الأغذية والمنظّفات! يحدث هذا كله في وقتٍ اجتاز فيه عدّاد المصابين الإسرائيليين في «دولة الرفاه الاجتماعي» عتبة الألف إصابة، رغم محاولات سلطات الاحتلال احتواء الأزمة والحدّ من رقعة تفشي الوباء، إذ عمدت إلى إعلان حالة الطوارئ واتخاذ تدابير كثيرة ملحقة بالحالة. كما رُصدت ميزانيات ضخمة لتجهيز مستشفيات ومرافق موقّتة، حتى وصل الأمر إلى تجهيز بعض مواقف السيارات في المجمعات التجارية الضخمة، وتفريغ بعض الفنادق لغرض الحجر الصحي. مع ذلك، فإن أعداد المصابين والمحجورين احتياطاً لا تزال ترتفع، بينهم جنود في الجيش وضباط ومسؤولون كبار في الأجهزة الأمنية، ما يعني تبعاً لذلك ارتفاع احتمال وصول الإصابات إلى قلب السجون المكتظة بالأسرى الفلسطينيين، كون عناصر الأجهزة الأمنية، من محقّقين وسجّانين، يخالطون هؤلاء.
على هذه الخلفية، قد تجد إسرائيل، بخلاف دول كثيرة، فرصة في هذا الفيروس لقتل الأسرى والتخلّص من عبئهم؛ إذ حتى الآن لم تتخذ أي إجراء لحمايتهم. بل على العكس، سحبت مصلحة السجون الإسرائيلية أكثر من 140 صنفاً من الأغذية من «الكانتين»، بينها الدجاج واللحوم، ومشتقات الحليب، وأنواع من البهارات، إضافة إلى أنواع من موادّ التنظيف!
أمام هذه الإجراءات القمعيّة التي لا تجد من يردعها، قرّرت الحركة الأسيرة في سجون الاحتلال، الشروع بإجراءات تصعيدية منها إغلاق الأقسام، وإرجاع وجبات الطعام، مهدّدة باتخاذ مزيد من الخطوات إذا لم تستجب الإدارة الإسرائيلية لمطالبها بتعقيم الزنازين، وإدخال المنظّفات، واللوازم الطبّية وغيرها لمواجهة الوباء.
أكثر من 700 أسير وأسيرة يعانون أمراضاً مزمنة، بينهم كبار في السن


في هذا الإطار، نقلت «هيئة شؤون الأسرى والمحرّرين»، في بيان أمس، أن «الأسرى سيشرعون بخطوات احتجاجية ضد إدارة سجون الاحتلال، تتمثّل في إغلاق الأقسام وإرجاع وجبات الطعام في مختلف المعتقلات ردّاً على عدم قيام الإدارة باتخاذ الإجراءات والتدابير الصحية اللازمة لمواجهة وباء كورونا». وأوضحت أن الخطوات الاحتجاجية الجديدة تأتي «استنكاراً ورفضاً لإقدام إدارة سجون الاحتلال وشركة (ددش)، على سحب أكثر من 140 صنفاً من الاحتياجات الأساسية والغذائية والمنظّفات من الكانتينا (مقاصف السجن)، كاللحوم والخضار والفواكه والبهارات والمنظّفات، رغم الظروف الاستثنائية القائمة بمواجهة فيروس كورونا، من خلال التنظيف والتعقيم والتطهير».
اللافت في بيان الهيئة، هو ما تبلّغه الأسرى من إدارة السجن نهاية الشهر الماضي، فبالإضافة إلى حرمانهم من الاحتياجات الأساسية، قرّرت إدارة مصلحة السجون تنفيذ عدد من الإجراءات التصعيدية ضد الأسرى، بينها أن إعداد الطعام لن يكون إلا بأيدي السجناء الجنائيين، وتخفيض عدد المحطّات التلفزيونية من 10 إلى 7، وتقليص عدد أرغفة الخبز من 5 إلى 4 للأسير الواحد، وسحب البلاطات الكهربائية التي تستخدم للطبخ، ويعتمد عليها الأسرى في طهو الطعام، وأن تكون ألوان الشراشف والأغطية بلون واحد.
هذه الإجراءات لا تشير فقط إلى كون الاحتلال عازماً على تعميق القمع وانتهاك حقوق الأسرى، ولكن أيضاً إلى محاولة واضحة منه لاستغلال الظروف الصحّية المستجدّة في ظل انتشار الوباء، للإمعان في التنكيل بالأسرى ومحاصرتهم، بتوفير كل الشروط الملائمة لتفشي الفيروس. وعلى رغم من أن حياة هؤلاء كانت مهدّدة أصلاً بسبب الظروف القاسية داخل البيئة السجينة، فقد ضاعف احتمال تفشي الوباء التهديدات؛ السجون اكتظّت بأكثر من خمسة آلاف أسير، بينهم أكثر من 700 أسير وأسيرة من كبار السن، أو ممن يعانون الأمراض المختلفة، ومنها المزمنة التي تُضعف أجهزة المناعة، إلى جانب أكثر من 180 طفلاً، و 43 أمّاً.