غزة | فاقم إعلان السلطة الفلسطينية «وقف التنسيق الأمني» مع العدو الإسرائيلي، على طريقتها، من الوضع الكارثي في قطاع غزة المحاصَر إسرائيلياً ومصرياً، والمعاقَب فلسطينياً أيضاً عبر السلطة نفسها. ولعلّ من أكثر المتضرّرين من الوضع القائم، المرضى الذين تقطّعت بهم السبل، لتتدخّل الأمم المتحدة عبر «منظمة الصحة العالمية» منذ نحو أسبوعين، ضمن آلية مؤقتة يتمكّن خلالها المرضى ومرافقوهم من الخروج من القطاع للعلاج في الخارج (مستشفيات الضفة والقدس أو فلسطين المحتلة عام 1948). ويُحرم آلاف الغزّيين من السفر للعلاج منذ خمسة أشهر، بعدما أوقفت السلطة التنسيق - بشقّه المدني تحديداً - مع العدو، ما انعكس سلباً على الأوضاع الصحّية للذين لا يتوفر لهم البديل العلاجي المكتمل والملائم. وفق المتحدث باسم الصحة الفلسطينية، أشرف القدرة، يعاني منذ أيار/ مايو الماضي قرابة ثمانية آلاف مريض بالسرطان. ومع أنه افتُتح قبل ستة أشهر قسم جديد في مستشفى «الحياة التخصّصي» لمعالجة مرضى السرطان، قال القائمون عليه إنه سيغني الغزّيين عن اللجوء إلى الاحتلال من أجل علاجهم، إلا أن الحالات الحرجة لا تجد إمكانية للعلاج فيه، وهو ما يضطرها إلى البحث عنه في مستشفيات أكثر قوة.هذه هي المرّة الأولى التي تشارك فيها الأمم المتحدة في التنسيق لعلاج المرضى في غزة، في خطوة تأتي «منعاً لانفجار الأوضاع» كما يردّد منسق الأمم المتحدة الخاص لـ«عملية السلام» في الشرق الأوسط، نيكولاي ملادينوف، الذي يزور القطاع حالياً للبحث في ملف الأسرى من الجنود الإسرائيليين لدى المقاومة. وطبقاً لملادينوف، تَقرّر التوصّل إلى ترتيب مؤقت لعلاج مرضى غزة في الخارج، جرّاء النقص الحادّ في الكوادر والمعدّات الطبية، علماً بأنه في العادة، يحصل المريض على إذن دخول (تصريح) من العدو، يسمح له بالوصول إلى الداخل المحتل أو الضفة أو القدس، بمشاركة «هيئة الشؤون المدنية» التابعة للسلطة في حاجز «بيت حانون - إيرز»، وهو الإجراء المتوقف حالياً. وحول الآلية الجديدة، يقول مدير «دائرة العلاج في الخارج» في وزارة الصحة، هيثم الهدري، إن «الصحة العالمية» بادرت إلى التنسيق للتحويلات الرسمية مع إسرائيل بعدما توقفت السلطة عن ذلك، مضيفاً: «تعوّدنا ليس على رفض الحالات فقط، بل أيضاً تعطيل الجانب الإسرائيلي لسفرها، سواء بوجود التنسيق الفلسطيني الرسمي أو عدمه».
يضيف الهدري إنه في كلّ الحالات «لا أنظمة بديلة من السلطة. نحن في وزارة الصحة نؤكد التزامنا بقرارات الرئيس (محمود) عباس في ما يتعلق بوقف التنسيق»، مستدركاً: «ما حدث (مع المنظمة الدولية) هو تعاون مؤقت لحلّ أزمة الإعاقات الإسرائيلية لهؤلاء المرضى». ويتابع: «هذا ليس التفافاً على وقف التنسيق، إذ يحقّ للمواطن التوجّه إلى الصليب الأحمر أو منظمة الصحة العالمية لحلّ مشكلته، وهي منظمات دولية نحن مشاركون فيها. أصلاً، يحق للمواطن التنقل من المحافظات الجنوبية إلى الشمالية كحق مشروع له». وفي التفاصيل، تُجهّز «العلاج في الخارج» التحويلات الطبية كاملة، وترسلها إلى البريد الإلكتروني لـ«الصحة العالمية» (تنوب عن الأمم المتحدة)، ثمّ بعد إصدار التحويلة إلى مستشفيات القدس أو الداخل أو الضفة تنسّق الأخيرة لخروج المريض من غزة، فإذا «واجهت المستشفيات إعاقات، ترسل التحويلة التي تتضمن موعداً محدّداً إلى الصحة العالمية، التي تخاطب بدورها الجانب الإسرائيلي وتستعلم عن سبب الإعاقة، ومن ثمّ تتدخل لحلّ الإشكال»، يوضح الهدري.
أمّا عن رأي رام الله، فيقول مدير اللجان الطبية في «العلاج في الخارج»، عوض الهلول، إن «السلطة لا تتدخل في هذا الشأن لا بالتأييد ولا بالرفض، لسبب بسيط هو أنها ليست مَن طلب من الصحة العالمية التوكّل بالتنسيق، فالمواطن هو مَن يتواصل مع جهات حقوقية للمرور». وفي شأن التواصل مع المنظمة لفرز الحالات، يجيب: «دائرة شراء الخدمة في وزارة الصحة تصدر يومياً مئة تحويلة تقتصر على الحالات من مرضى الأورام وإنقاذ الحياة مِمَّن لا علاج لهم أو تشخيص داخل غزة». ويضيف الهلول: «تتّبع الصحة الفلسطينية أخيراً سياسة توطين الخدمة (العلاج) داخل المستشفيات الحكومية بعد التعاقد معها، ولذلك يجري تحويل الحالات الصعبة فقط كزرع النخاع الشوكي إلى مستشفيات إسرائيلية».
وبينما تقول بعض المصادر إن ترتيب الأمم المتحدة الخاص بالمرضى كان أحد مطالب حركة «حماس» التي ضمّنتها اتفاقية التهدئة الأخيرة مع إسرائيل بوساطة عربية ومصرية وأممية، يؤكد مكتب «الصحة العالمية»، رداً على أسئلة «الأخبار»، أن «الأمر إنساني بحت، وليس بناءً على طلب أحد. تهدف منظمة الصحة العالمية إلى تسهيل حصول المرضى على علاج مناسب في الوقت المناسب». أما «الصحة» في غزة فترفض التعقيب على الأمر، فيما يكتفي مدير الإعلام الحكومي في حكومة غزة السابقة، سلامة معروف، بالقول إنه «لا تعليق لدينا، فالموضوع لدى الأمم المتحدة. نحن أصلاً خلال مرحلة التنسيق الأمني لم يكن لنا علاقة، فما بالكم الآن؟ لدينا إجراءات داخلية فقط».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا