حملت زيارة وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، لإحدى مستوطنات الضفة الغربية المحتلّة أكثر من رسالة، تتّصل جميعها بحرصه على أن يختم إرثه الشخصي في منصبه، الذي سيُودّعه في الأسابيع المقبلة، بموقف استثنائي لم يسبقه إليه وزير خارجية أميركي، والأمر نفسه ينسحب على زيارته للجولان السوري المحتلّ. وفي الصورة الأعمّ، يبدو واضحاً أن إدارة الرئيس الأميركي المنتهية ولايته، دونالد ترامب، تحرص على تتويج سجلّها السياسي بدعم الاستيطان في الضفة، في سياق استنفاد الإمكانيات المتاحة كافة خلال الفترة الفاصلة عن موعد 20 كانون الثاني/ يناير المقبل، من أجل المبادرة إلى المزيد من الخطوات السياسية التي تصبّ في مصلحة دعم إسرائيل. والواضح، أيضاً، أن إدارة ترامب تريد، بحسب تقارير إسرائيلية، توجيه رسائل محدّدة إلى إدارة بايدن، التي تدرك القيادة الإسرائيلية أنها قد تختلف عن سابقتها في أكثر من عنوان يَهمّ تل أبيب، وإن ظلّت اثنتاهما تحت سقف أمن إسرائيل ودعمها.ولا تخرج تلك الإدارة عن سياق جملة تطوّرات سياسية في المنطقة، تتسارع وتيرتها كونها تأتي في ظلّ تبادل الحكم المرتقب في واشنطن. وفي هذا الإطار تحديداً، تندرج زيارة وزير الخارجية البحريني، عبد اللطيف الزياني، للكيان العبري، والتي تَضمّنت التوقيع على اتفاقات طيران وفتح سفارة إسرائيلية في العاصمة المنامة، وذلك في لقاء جمع الزياني بنظيره الإسرائيلي، غابي أشكنازي. وفي الإطار نفسه أيضاً، يراد أن يكون عنوان الخاتمة الشخصية والسياسية لإدارة ترامب إنتاج المزيد من السوابق في كلّ ما يتعلّق بالصراع العربي ــــ الإسرائيلي. وعلى هذه الخلفية، جاءت زيارة بومبيو الاستعراضية لمستوطنة خارج حدود عام 1967، علماً بأن الوزير الأميركي سبق أن أعلن أن الولايات المتحدة لا ترى في الاستيطان الإسرائيلي مخالفة للقانون الدولي.
أعلن الوزير الأميركي أن بلاده ستعتبر حركة «بي دي أس» «معادية للسامية»


إزاء ذلك، تحضر في الوعي الإسرائيلي المقارنة بين خطوة بومبيو وإرث إدارة باراك أوباما، عندما سمحت الأخيرة بإمرار قرار في مجلس الأمن الدولي ينصّ على أن كل وجود إسرائيلي خلف خطوط 67 يُعدّ خرقاً للقانون الدولي. ومن هنا، نُظر في تل أبيب إلى اللقاء بين بومبيو ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، على أنه رسالة تنسيق كامل بين الجانبين، ليست مُوجّهة إلى طهران فقط، بل أيضاً إلى الرئيس المنتخب، جو بايدن، وخاصة في ظلّ الخشية من أن تكون إدارة الأخير امتداداً لسياسة إدارة أوباما في القضيتين الرئيسيتين بالنسبة إلى إسرائيل، أي القضية الفلسطينية ومواجهة إيران.
وفي السياق نفسه، أعلن وزير الخارجية الأميركي، أمس، تصنيف بلاده منتجات المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية على أنها "إسرائيلية". أتى ذلك بالتزامن مع زيارته لمصنع "بساغوت" الاستيطاني في رام الله، في أول زيارة لوزير خارجية أميركي لمستوطنة إسرائيلية. لكن الخارجية الأميركية وصفت زيارة بومبيو بالخاصة، لافتة إلى أنه لم يرافقه فيها أيّ مسؤول إسرائيلي. والجدير ذكره، هنا، أن مصنع النبيذ يمثّل محور جهود إسرائيل للترويج للسياحة في الأراضي المحتلة، ورمزاً قوياً لمكافحتها حملات المقاطعة أو وسم المنتجات المنتَجة داخل المستوطنات. وكان بومبيو قد أعلن، في مؤتمر صحافي مشترك مع نتنياهو، أن بلاده ستعتبر حركة مقاطعة إسرائيل (بي دي أس)، التي وصفها بـ"السرطان"، "معادية للسامية"، متوعّداً بالمبادرة إلى خطوات قريبة ضدّها، لتأتي ردّة فعل نتنياهو على هذا الإعلان بوصفه أنه "مذهل".



دمشق تندّد بزيارة الجولان

(أ ف ب )

ندّدت وزارة الخارجية السورية، أمس، بالزيارة غير المسبوقة التي أجراها وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، إلى هضبة الجولان المحتلة، واصفة إياها بالـ"استفزازية". وقال مصدر مسؤول في الخارجية السورية، وفق ما نقل عنه الإعلام الرسمي السوري، إن بلاده "تدين بأشد العبارات زيارة بومبيو للمستوطنات الإسرائيلية في الجولان السوري المحتل". ووصف المصدر الزيارة بأنها "خطوة استفزازية قبيل انتهاء ولاية إدارة ترامب وانتهاك سافر لسيادة سوريا". كما دعا "الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إلى إدانة هذه الزيارة التي تنتهك قرار مجلس الأمن الرقم 497 والإجماع الدولي الذي رفض قرار إسرائيل بضمّ الجولان". وجاءت زيارة بومبيو خلال المحطة الإسرائيلية من جولة يقوم بها في المنطقة، قد تكون جولته الأخيرة في الشرق الأوسط في الأشهر الأخيرة من إدارة الرئيس دونالد ترامب. ووقف الوزير الأميركي، صباح أمس، في إحدى مستوطنات الجولان إلى جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي قال إن "بومبيو وترامب صديقان قديمان لإسرائيل". وشكّلت زيارة بومبيو تغييراً في السياسة السابقة التي أبعدت كبار المسؤولين الأميركيين عن زيارة المستوطنات. وكانت الإدارة الأميركية الراحلة قد اعترفت، العام الماضي، بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا