حزب «العمل» هو الحزب المؤسّس لدولة الاحتلال، وهو بذلك أقدم حزب يخوض انتخابات الكنيست الحالية. يعرّف الحزب نفسه بأنه «حزب صهيوني اشتراكي ديموقراطي»، ويصطف في معسكر يسار الوسط، ويتبنى التوجه العلماني.
كان الحزبُ الحزبَ الأقوى في إسرائيل، إلا أنه في العقدين الأخيرين بات تمثيله في الكنيست متواضعاً، فمعظم القادة السياسيين البارزين للحزب، اعتزلوا الحياة السياسية أو توفوا. ولم يتبقّ إلا قيادات تحاول الحفاظ على وجوده على الخريطة السياسية الإسرائيلية، من خلال الدخول في تحالفات وتبنّي برامج حزبية متغيرة وبراغماتية.

شهد الحزب، برئاسة عمير بيرتس، انهياراً في انتخابات آذار 2020 الأخيرة. إذ تحالف مع حزبَي «ميرتس» و«غيشر»، فحصل على ثلاثة مقاعد، وهي أقل مقاعد يحصل عليها في تاريخه. كما أن انتخابات نيسان وأيلول من عام 2019، لم تكن نتائجها بأحسن الأحوال للحزب. وفي أعقاب قرار كل من زعيم «الليكود» بنيامين نتنياهو، وزعيم «كاحول لافان» بيني غانتس، تشكيل حكومة وحدة، قرّر بيرتس الانضمام إلى الحكومة جاعلاً من حزب «العمل» جزءاً من «كاحول لافان»، ما أثار حفيظة عدد من أعضاء الحزب، على رأسهم عضو الكنيست ميراف ميخائيلي. وبانهيار حكومة الوحدة، هيّأ «العمل» نفسه لخوض الانتخابات المبكرة، ولكن تبيّن أنه لا يتجاوز نسبة الحسم في استطلاعات الرأي.

سادت تكهّنات بأن الحزب سيصبح جزءاً من التاريخ، وكان سبب انحسار تأييده هو انتهاك بيرتس لتعهداته بأن لا ينضم لحكومة برئاسة نتنياهو، فاعتبرت هذه الخطوة بمثابة خيانة لمصوتي الحزب. وفي ظل التوترات الداخلية في الحزب ومطالب ميراف ميخائيلي إجراء انتخابات داخلية، وتوقّع الاستطلاعات عدم تجاوز الحزب نسبة الحسم، أعلن بيرتس تنحّيه عن رئاسة الحزب. فانتخبت ميخائيلي لرئاسته، وإثر ذلك استعادت مصوتي الحزب وتصاعدت قوته ليحصل في الاستطلاعات على عدد مقاعد تتراوح بين 6 إلى 7 مقاعد. كما قدّم الحزب قائمة المرشحين لانتخابات الكنيست الحالية، ومعظمها من الوجوه الجديدة، كما غلب عليهم طابع الشباب. وضمّت القائمة رجل دين يهودياً من التيار الإصلاحي، سيكون أول رجل دين غير أرثوذكسي يدخل الكنيست (في حال فاز الحزب)، بالإضافة إلى مرشحة عربية، وهي ابتسام مراعنة.

ميخائيلي
دخلت ميراف ميخائيلي الكنيست أول مرة في انتخابات عام 2013 عن حزب «العمل». وقد جاءت إلى العمل السياسي من قطاع الإعلام، إذ عملت في عدة وسائل إعلام إسرائيلية، فقدمت برامج على التلفاز والإذاعة، وكتبت مقالات رأي في صحيفة «هآرتس». كما نشطت في المجال النسوي، فأسست العديد من المراكز المتخصصة بالقضايا النسوية. وخلال عملها في الكنيست تناولت عدداً من القضايا، كالمساواة بين الجنسين، وقضايا المثليين، وحقوق العمّال، والتغيير المناخي. وقد جعلت القضايا الاقتصادية والاجتماعية هي المركزية في برنامجها الانتخابي.

تتبنى ميخائيلي توجهات زعيم الحزب الأسبق، إسحاق رابين، الداعية إلى السلام وحلّ الصراع مع الفلسطينيين، وهو ما صرّحت به في مقابلة تلفزيونية على قناة «CNN». فميخائيلي هي من المبادرات لتأسيس حركة «إسرائيل تبادر- مبادرة السلام الإسرائيلية». كما عارضت قانون «القومية اليهودية» بصيغته الحالية لأنه لا يضمن المساواة بين المواطنين، خاصة الفلسطينيين داخل الخط الأخضر.

وتسعى ميخائيلي للإطاحة بنتنياهو متخذة موقفاً حاسماً ضده بسبب إدانته بملفات فساد. وقد تعرّضت لهجوم من قبل عضو «الليكود» شيفاح شتيرن، الذي حرّض عليها باعتبارها حفيدة يسرائيل كاستنز الذي اتُهم في إسرائيل بالتعاون مع النظام النازي في هنغاريا، وتم اغتياله.

برنامج متغيّر
مرّ البرنامج السياسي للحزب بتغيرات عدة، نتيجة الأزمات التي عصفت بالحزب في العقدين الأخيرين، كما شهد تغيرات كثيرة في زعاماته. إذ تبنى الحزب في تسعينيات القرن الماضي مخطط الرئيس الأميركي، بيل كلينتون، بالمُضي نحو مفاوضات مع الفلسطينيين تنتهي بتسوية سلمية، على أساس حل الدولتين وحل قضية اللاجئين باتفاق عادل. ولكنه ما لبث في السنوات الأخيرة أن تراجع بخطابه السياسي.

ففي عام 2015 طرح برنامجاً لحل الصراع يحافظ على إسرائيل «دولة بأغلبية يهودية». وعندما ترأس آفي غباي الحزب أعلن مطلع عام 2019 عن برنامج سياسي يقوم على الانفصال عن الفلسطينيين بعد أن كان لسنوات يدعو إلى قيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل. وبذلك، أصبح الحزب يدخل تعديلات على برنامجه السياسي في كل حملة انتخابية. ويعتبر الحزب أن مشروعه الاقتصادي-الاجتماعي هو المشروع الأهم في حملة الانتخابات الحالية.

النشأة والمسيرة السياسية
تعود جذور الحزب إلى موجة الهجرة اليهودية الثانية إلى فلسطين (1904-1914)، حين تشكّلت حركات عمّالية وشبابية صهيونية ذات جذور اشتراكية، وقد اتحدت هذه الحركات لتشكيل حزب «ماباي» (عمّال أرض إسرائيل) بزعامة ديفيد بن غوريون، الذي أصبح أوّل رئيس حكومة لدولة الاحتلال عام 1948. وقد سيطر «ماباي» على الحركة الصهيونية العالمية، ونقابة العمّال «هستدروت»، وأنشأ منظمتين عسكريتين هما «هاغاناه» و«بالماخ»، اللتان كانتا نواة تأسيس جيش الاحتلال. وبعد تأسيس دولة الاحتلال بقي الحزب في سدة الحكم لثلاثة عقود، خاضت خلالها حكومته العدوان الثلاثي على مصر (1956)، وحرب النكسة (1967).

أعلنت قيادة «ماباي»، في مؤتمر عُقد في القدس عام 1968، التحالف مع حزبي «أحدوت هاعفودا» و«عمّال صهيون». فتشكّل نتيجة هذا التحالف «حزب العمل»، ولم يتم الاندماج التام بين هذه الأحزاب إلا عام 1977. وإبّان حرب أكتوبر 1973، ونتيجة الخسائر العسكرية التي مُني بها جيش الاحتلال، فضلاً عن تهم الفساد التي طالت أعضاء «العمل»، بدأ الحزب بالتراجع لتصعد الأحزاب والقوى اليمينية وعلى رأسها «الليكود». وفي انتخابات عام 1977، استطاع «الليكود» بزعامة مناحيم بيغن إزاحة العمل عن سدة الحكم لأول مرة.

عاد الحزب إلى السلطة مجدداً في حكومة وحدة وطنية (1984-1988) بالشراكة مع «الليكود»، وتعاقب كل من شمعون بيريز وإسحاق شامير على رئاسة الحكومة. ثم سيطر الحزب على السلطة عام 1992 بزعامة إسحاق رابين، الذي أبرم اتفاقية أوسلو (1993)، واتفاقية السلام مع الأردن (1994). وبعد اغتيال رابين عام 1995 خلفه شمعون بيريز.
ونتيجة سخط اليمين على اتفاقية أوسلو، صعد «الليكود» مجدداً إلى الحكم عام 1996. وكانت حكومة حزب «العمل» الأخيرة في عام 1999 بزعامة إيهود باراك، الذي أنجز الانسحاب أحادي الجانب من جنوب لبنان عام 2000.

الانحسار
بدأ «العمل» بفقدان مكانته كحزب سلطة منذ عام 2001، حين خسر الانتخابات، ولكنه انضم إلى حكومة «الليكود» برئاسة أرييل شارون، ليخسر طابعه كحزب معارض، ثم ما لبث أن انسحب من الحكومة عام 2002. كما شارك الحزب في عام 2006 بحكومة إيهود أولمرت بسبع حقائب وزارية. وسعى الحزب للدخول في تحالفات لخوض الانتخابات، كان أبرزها تحالفه في عام 2014 مع حزب «هتنوعاه» برئاسة تسيبي ليفني حيث حصل على 24 مقعداً.

مرّ الحزب، منذ النكبة، بتغيّرات جذرية؛ من حزب يمتلك السلطة ويشن الحروب لتحقيق هدف «إنشاء وطن قومي لليهود» في فلسطين، إلى حزب يسعى لإنهاء الصراع وإبرام معاهدات سلام، ثم إلى حزب يعدّ أصوات الناخبين ليضمن بقاءه في الكنيست. وهناك عدة أسباب أدت إلى انحسار الحزب، ولعل أبرز الأسباب التي أدت إلى هذا الانحسار هو الصراعات الداخلية في الحزب، كما فشل خيار المفاوضات، وتداعيات الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وجنوح المجتمع الإسرائيلي نحو أقصى اليمين.