ظهر حزب «يش عتيد» (يوجد مستقبل) على الخريطة السياسية الإسرائيلية قبيل انتخابات الكنيست التاسع عشر عام 2013 بمبادرة من النجم التلفزيوني يائير لبيد. تصنّف وسائل الإعلام الإسرائيلية الحزب بأنه «وسط صهيوني ليبرالي».
ولبيد هو نجل الصحافي والوزير الأسبق يوسف لبيد، الذي أسّس حزب «شينوي»، وكان شريكاً أساسياً في حكومة أرييل شارون عام 2003. عمل لبيد في صحيفة «يديعوت أحرنوت»، واشتهر كمقدم برامج حوارية في شبكة الأخبار التابعة للقناة الثانية الإسرائيلية، كما يُعدّ محترف ملاكمة ومحباً للفنون القتالية. أعلن لبيد تخلّيه عن عمله الإعلامي في مطلع عام 2012، للدخول إلى الحلبة السياسية، مستفيداً من شهرته لنيل دعم شريحة واسعة من الإسرائيليين. وقد تأسّس حزبه عقب احتجاجات شهدتها إسرائيل لأسباب اجتماعية واقتصادية، أحسن لبيد استثمارها في خطابه السياسي، فتوجه إلى الطبقة الوسطى، معلناً الدفاع عن مصالحها، وسعيه لتحسين أحوالها.

اختار لبيد عقد المؤتمر التأسيسي الأول لحزب «يش عتيد» في مستوطنة «آرئيل»، ثانية أكبر المستوطنات في الضفة الغربية، ليعلن برنامجه الانتخابي. وفي ذلك رسالة سياسية واضحة تعكس فحوى برنامجه الحزبي الذي تبنّى الدفاع عن «حق المستوطنين في البناء في التجمعات الاستيطانية الكبيرة»؛ فأعلن دعمه لدفع عجلة المفاوضات مع الفلسطينيين، وأيّد حل الدولتين، وأن تكون «الدولة الفلسطينية» منزوعة السلاح، وإبقاء الكتل الاستيطانية تحت السيطرة الإسرائيلية، واعتماد التعويض المالي بدل حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، والحفاظ على القدس موحدة عاصمة لإسرائيل. وقد حُذفت عبارة «حل الدولتين» من البرنامج السياسي للحزب إبان تحالفه مع حزب «كاحول لفان» مطلع عام 2019. ويعتبر لبيد نفسه أنه «مختلف عن اليمين الإسرائيلي، لأنه يؤمن بحل الدولتين، ومختلف عن اليسار الإسرائيلي، لأنه صقوري لا يؤمن بنظرية إنهاء الصراع».

وتطرق البند «الأمني-السياسي» في برنامج الحزب إلى إيران بوصفها خطراً، واصفاً إياها بـ«محور الشر الذي يسعى لتدمير إسرائيل». ولفت إلى تعاظم قدرات حزب الله، وتمركز إيران في سوريا، ودعمها المتواصل لحركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» في غزة، وهو ما يعني أن على الحكومة المقبلة العمل على درء الأخطار التي تهدد وجودها. وتطرّق إلى المصلحة المشتركة بين إسرائيل والدول العربية الحليفة لتشكيل تحالف «يلجم العدوانية الإيرانية، ويخضع شيطان الإسلام الأصولي»، كما جاء في برنامجه. كما تطرق إلى السياسة الخارجية وأهمية أن تعمق إسرائيل علاقاتها في كل مكان من العالم، انطلاقاً من مفهومها لـ«الأمن القومي»، وتأكيد أهمية تعزيز العلاقات مع الإدارة الأميركية.

أمّا بالنسبة إلى برنامج الحزب الداخلي، فقد تطرّق إلى عدد من القضايا، أبرزها السعي لتغيير طريقة الحكم، ووضع دستور لإسرائيل، ومحاربة الفساد، وخفض كلفة المعيشة، إضافة إلى تحقيق المساواة في التجنيد، وكان من الداعين إلى فرض الخدمة العسكرية على الحريديم، فوصف الحزب من أكبر المناهضين لليهود المتدينين.

خاض «يش عتيد» أوّل انتخابات كنيست عام 2013، وفاز بـ19 مقعداً، ليصبح ثاني أكبر حزب في الكنيست. ورغم أن الحزب يعتبر نفسه وسطياً، إلا أنه سرعان ما انخرط في حكومة برئاسة بنيامين نتنياهو التي يسيطر عليها اليمين الاستيطاني، فحصل على حقيبة وزارة المالية. وعمل لبيد خلال وزارته على زيادة ميزانيات الاستيطان. وفي عام 2015، أقال نتنياهو لبيد، إثر خلافات حادة حول ميزانية الدولة، ما أسفر عن انهيار حكومة نتنياهو. وأجريت انتخابات الكنيست في العام نفسه، لتتراجع شعبية «يش عتيد» إلى 11 مقعداً. ويُعزى ذلك إلى أن الحزب، الذي كان مسؤولاً عن السياسات الاقتصادية والاجتماعية في حكومة نتنياهو، لم يستطع تحقيق وعوده لناخبيه.

أصبح الحزب في صفوف المعارضة، وبادر إلى سن عدد من القوانين العنصرية؛ إذ قدّم عضو الكنيست إليعازر شترين، في عام 2016، مشروع قانون لمصادرة أموال الضرائب الفلسطينية، بقيمة تساوي المخصصات التي تدفعها السلطة الفلسطينية لعائلات الشهداء والأسرى، وتبنّت الحكومة مشروع القانون، ليدخل حيّز التنفيذ عام 2019. كما دعم الحزب «قانون القومية اليهودية» ببنوده الجوهرية، وكان اعتراضه على القانون أنه لم يشمل بند المساواة المدنية لجميع المواطنين، في إشارة إلى المواطنين الفلسطينيين في الداخل المحتل.

بانهيار حكومة نتنياهو أواخر عام 2018، ذهبت إسرائيل إلى انتخابات مبكرة في نيسان 2019، وفي أعقاب ذلك دخل الحزب في تحالف مع «كاحول لفان» بزعامة بيني غانتس، الذي تعهد بإزاحة نتنياهو عن رئاسة الحكومة. وحصل التحالف على 35 مقعداً، ولكنه فشل في تأليف حكومة من «معسكر وسط اليسار». وخاض الحزب مع التحالف انتخابات أيلول 2019، وانتخابات آذار 2020. وعندما فشل غانتس في تأليف حكومة، وافق على الانضمام إلى نتنياهو في حكومة وحدة، لمواجهة الأزمة الصحية والاقتصادية التي كانت تعيشها إسرائيل، فانسحب لبيد محتجّاً، ليدخل الكنيست كزعيم للمعارضة، ووصف حكومة الوحدة بأنها «ائتلاف مثير للسخرية». وسرعان ما انهارت حكومة الوحدة أواخر العام الماضي.

قرّر لبيد دخول حزبه انتخابات الكنيست الحالية مستقلاً، ونأى بنفسه عن دخول أي تحالف، واعتبر أن عودة التحالف مع غانتس «لا قيمة انتخابية له». وأصرّ لبيد على ترؤس قائمة المرشحين، ورفض دعوة عضو الحزب، عوفر شيلح، إلى إجراء انتخابات داخلية، ما أدى إلى انسحابه من الحزب، مبرّراً بأن «يش عتيد» لن يسهم في التخلص من حكم نتنياهو، كما أنه لا يتمتع بمنطلقات أيديولوجية واضحة. وضمّت قائمة مرشحي الحزب وجوهاً مألوفة وجاذبة للناخبين، مثل مئير كوهين وميكي ليفي، كما وضع ثلاث نساء في المراكز الخمسة الأولى.

تمنح استطلاعات الرأي «يش عتيد» أعلى نسبة تصويت بعد «الليكود»، ليكون في المرتبة الثانية بعدد مقاعد يراوح بين 18 و20 مقعداً. مع ذلك، يبقى الطريق مسدوداً أمام لبيد لتأليف حكومة بالاعتماد على أحزاب معسكر الوسط واليسار، الذي بالكاد يحصل على 30 مقعداً. ورغم ذلك، فإن لبيد صرّح بأن هدفه هو «إنهاء حكم نتنياهو»، وهو أعلن في مقابلة صحافية أنه مستعد للتنازل عن طموحه في رئاسة الحكومة، مقابل التخلّص من نتنياهو.