أنت خارج السرب. يعني أنّك مشوّه تمامًا، لست هنا ولست هناك، كأنّك تعيش أيّامك بين الصفا والمروة، تركض لاهثًا بين المنطقتين، ليس حبًا في الله ولا موسم الحجيج، انما تيهًا لا ينقطع، لسبب مهم فإنّ هذا التائه لا ينتمي لأي جماعة سياسية تجعله يتخذ جانبًا محددًا بعينه، يتبّع فيه أبناء هذه المجموعة وهلّمّ جرا، لذا وجب عليه الركض طوال الوقت، طوال العام، طوال أيّام حياته. يرجو الله صبحًا ومساءً أن يجود عليه بمساحة يلجأ إليها ويستظل بها، تمنع عنه السوء، وبها يجد قوته، لكنّ هذا الحال لا يُعجب أحدًا، ولا يُريح آخرين كثرا .. إذن أنت وحيد تمامًا.. ضائع تمامًا؟ ولا تدري فعلًا كيف تُصنّف نفسك بين كل هؤلاء، بكل ما تملك تبحث جاهدًا، كيف تجد لنفسك تعريفًا يليق بكل هذا الشتات المؤلم؟ يُساعدك على تحديد موقعك من الإعراب بين من حولك، أقل ما فيها، بينك وبين نفسك .. شيء ما يقطع عليك التشويش المستمر الذي تعيشه طوال الوقت، وكأنّك خُلقت خصيصًا لذلك، أيّ لتعيش هذا الدور بالذات.
تتوجّه بدورك مشدودًا بكل كيانك نحو ترجمة الحالة التي تعيشها لكي تتضح لعينك فيسهل عليك فهمها وتقبلها، ولرغبةً بالخروج منها. تكتب لتفرغ افكارك. تنظر خلفك، أمامك، بجوارك، لتعرف أنّك لم تُبدّل في الأمر شيئًا، ويبدأ عقلك الخرب بتلاوة الأسئلة عليك واحدًا وراء الآخر، وبطبيعية الأمر، تجد نفسك خاليًا من أي إجابات تشفي غليلك، كأنّك سواك، كأنّ أحد آخر احتلّ مكانك، ولا تملك حق دفعه للإجابة بأي طريقة كانت!
دوّامة كبيرة لا تخرج منها، سوى بالمضي قدمًا لمواكبة الحالة. تتفرج على نفسك من كل الزوايا والجهات والشوارع والبلكونات والنوافذ. أنت ذاتك من لا تملك سوى التشبث بك، وسط واقع يحملك على النزوح إلى أشباه آخرين، لا يشبهونك ولا تشبههم، ولا حتى تشبه نفسك ! وبالفعل، وكما يتوقع النهاية أي قارئ .. ستعود لعملك كآلة لا أكثر ولا أقل .. تمارس لعبة المواكبة، آخذًا على عاتقك مهمة تدريب نفسك على عدم الاكتراث بالأحداث التي تمر أمامك، أملًا في مضاعفة قدرة تحملك على الاستمرار في المواكبة الآلية المجرّدة للأشياء، دون أن تجعلك رهينة للحالة التي تعيشها، حيث اللامبالاة هي الحل الأنجح للمواجهة، للمضي قدمًا، وإن كان ذلك، سيجعلك أخيرًا فارغًا تمامًا من محتواك ..